منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل المصنع     مجموعة الفيس بوك

اهلا وسهلا بناس المصنع عزيزى العضو فى منتدى مصنع سكر حلفا الجديدة تفضل بالدخول الي المنتدي واذا ما مسجل معانا تكرم بالتسجيل والتمتع معنا ولقاء الاحبة والاخوان ومن فرّقتك عنهم طرق الحياةولو ما عارف كيف تسجل في المنتدي فقط إضغط زر ( تسجيل ) واتبع الخطوات ,واحدة واحدة,(الادارة بتفعل حسابك )

 

 شَخْب الحنين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16180
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 54
الموقع : البحرين

شَخْب الحنين Empty
مُساهمةموضوع: شَخْب الحنين   شَخْب الحنين Emptyالأربعاء 17 ديسمبر 2014, 8:16 pm

شَخْب الحنين
لم يكن شغوفا بالذهاب إلى حفرة التيمان في كل مرة عدا أيام السوق المعروفة وموسم الدميرة. ولكنه في ذلك اليوم كعادته انسل باكرا (وصل لا عند درب الترك وجا صاد). لم يجد سبيلا للانطلاق المعهود وتلك الهرولة اليومية صوب التحتانية. يسوقه شوق وحنين دافق يتفلت بين ضلوعه ويقتات من ليال أيامه الماضية.
النهر يعرف جيدا وعلى مدى واسع من التاريخ الانساني ذكرياته التي يدفنها في الرمل أسفل البيوت الطينية التي لا حول لها ولا قوة سوى إنتظاره كل عام على قلق نضير.. يهدر طميه ببذخ وينثره على رؤوس الاشهاد تيمنا بالمطر وجدليته التي لا تنتهي في القريب ومطاردته المستمرة لخضرة الحراز واحتفالات ام دلدلو ذلك الطائر الموسوم بحكاية الماء التي ترتفع فويق أرداف الشجرة العتيقة التي تقع داخل أرض جدي معلنة اقترانها بقوز الرماد والحلفا وفي ذات نهاية الأرض التي ورثها مع خمسة شقيقات قصار في الطول مثله تماما.
والنهر اختار في حربه الضروس نهايات الأرض ليزرع بالماء حفرة التيمان في شمال وغرب حلة قوز قرافي كما زرع بالماء حفرة في أعلى ساقية السورجاب الواقعة أسفل حلة قوز هندي.. والرمل يشرب ما يشاء من ماء النهر كلما هم بالزحف.. والسمك يكون حضورا كثيفاً بعد أوان الفيضان في باطن الحفر كما تشتهي الطبيعة أن تفعل في وصلها الممنون من كل عام إذا أذن الطقس بذلك.. والطقس مزاج الحالمات بغنيمة الطهر وفق أربعينية الموت على مبايض النهر.. والنهر فيض الحياة.
والمسافة ما بين حفرة السورجاب ودرب الترك الموازي للنهر على طول امتداده الأممي ليست بالبعيدة حتى لا يجد الباشبزق عذرا في الوصول إليها واحسان الظن بها أو شقها لنصفين حتى يموت السمك والناس وكل شيء.. الدرب ممتد وضيق كعرض سبيب شعر الحصان ولا يزيد إلا للماء وهروب النمتي وبعض إبل بيوضة. 
ويقينه أنه شاهداً على كل شيء منذ دخول أورطة الجنود المشاه وعلى أكتافهم المائلة مدافع العثمانية النزقة، وما قبل ذلك بكثير جدا ربما يمتد إلى عمق تاريخ قنطور ومدافن الكرو وغابتها الحجرية، وجبل البركل وإهراماته ومعبده، وطرابيل نوري، ومقابر المقل ودير الغزالي.. ويقيني حيدوبة سيدة الموقف.
يمكن لي بأن أقسم بالكتاب بأن معركة الشيخ الهدى امتدت منه وانتهت إليه، وأن رأسه تدحرج حتى وصل مترة سر الختم ود حمري وتطاير دم ورشح جلباب تور القوز لو لا خوفي المكنون من تزييف تاريخ قبته الكائنة في رمال أوسلي. وذاك تاريخ بما أنه قد إختزلته الشمطاء على عودة الصهيل الوطني أخيراً إلا أن رجع صداه يمتد بمحاذاة فرن بت كرفس ورواكيب الحلب ودراريب العرب وبيوت الحلة وجنينة سيدي. 
كل ذلك شهدته تواريخ مختلفة ومرتجلة ومتباعدة على حقب نازفة من مرور حوافر خيل المهدي المنتظر على ترب العنج وشجيراتها المتناثرة هنا وهناك على مسرح جبانة الكنيسة الرملي القابض على لون أصفرار أخضر مشوب بالغباش. 
وعمي أبو قصيصة كان يحكي لي كثيراً عن من عاصر زمانات الجهادية في تلك المنطقة. وكيف سمموا أحواض الخضار بمادة الكراهية! وكيف فتكوا بالتمور والناس والنيل! حين زرعوا أول بذرة للانشطار والهروب صوب اللون ورطوبة السافنا؛ غنيها وفقيرها، وفوبيا خط الإستواء وتقاسيم خطوط الكنتور كأول إمتعاض وطني خجول إنسرب منه الطين إلى مزالق الهدام، ومنها إلى الدلتا بلد المماليك وأم الخيول المطهمة ليتلاشي الطمي وتموت تلك العروس كل عام في إحتفال مهيب، ويموت النيل مشلولا مثل ما تموت أحلامنا ولا تزال تترا على وجع والتهاب رمادي على الضفة الأخرى من أفواه العثانين وشلة جيفارا.
وأشهد الله إنه صادق، كما يتنفس، ويرتل ما شاء بصوته الفخيم والجميل من اللوح المحفوظ. قلبي وعمر صديقي بين خطوط الواحه المنقوشة على سهل الراحة، وذاكرته التي تتهادى على مهل. يتدفق على صنوف المعرفة كما يحلو له أن يسرد لنا كتبه المفيدة مرتجلا ذاكرته عن عمد وما نكص.
ومن عجب فضل السيد أبو قصيصة وضعته أمنا عائشة بهذه الانحاء وسمي تيمنا بشيخ فضل السيد سيد الطريقة المعروفة، ووقتها عمي عبد القادر مختار أبو قصيصة ممتطياً خيله من المحطة حتى أقصى الكنيسة يسترجع سور القرآن الكريم تالياً له في تؤدةٍ وحفظ منيع.
وكوش حينها تسترجع رؤية فاصمتها في وجع مستفحل بين جحافل مغول الذات وانكشارية المستشرقين. ومروي المملكة تتبرج في حوض حمامها الروماني الأنيق والمدهون باللبن الأبيض الصلب وفوهات بخار التدليك الانثوي، لا تتخير مشاط شعرها المتبول بزيت النار وطلاسم معابدها المغسولة بروائح الخفافيش، بينما تشاكيل طوبها واعمدتها وحديدها تمارس شعائر غطاس حنا والثلاثة أقانيم على ريح نفثته مؤخرة النيل وأنثى عقرب صفراء وسوداء اللون. 
عهدتها كذلك بين النشوة الصغرى والحشوة الكبرى في تضاريس خلاها الموحش والموغل في فوبيا الكلام وقصص المطر وضحكات قوس قزح وليالي القمر المضيئة بسراج قلبها الأبيض. 
هكذا تسفر عن نفسها في صديد الروح، لتتقيأ قليبة من التراب والمحار وغمامة تحيض خلف هاتيك الربى، بردا وسلاما لعشيرة الفونج. ليست بضالة للطريق، استدبرته عن عمد. وعمدة بلدي يمسد شاربه ليقيس ما تبقى من زفيرها وشهيقها كاضافة لظلال جنته الوريفة وكما يتمنى في الازدياد، وفراديس حلمه الليلي وغنج تلك التي تسكن طرف الحلة. ولا تمضي أكثر من تضاريس الحلفا وجغرافية حفرة السورجاب مسافة أن تقطع زهرة العشر بيوت العرب، وحلة بنات التراتير.
العمدة يقر بجنازيره وأوراقه الصفراء ليقتطع الأرض من دفاتر الوقت بمرسوم عثماني من كتاب أصفر باهت عثر عليه ضمن خطب السلطان عبد الحميد.. وحتى وقت قريب كنت أظنه ود مضوي كلما عبرت سيرة خطبة الجمعة بجامع ود شيخنا.
وابنه عبد الحميد مجيدا للحكي والقصص الطويلة بلسان ذرب ومبين في طوابير انتباهته وهكذا الأيام حبلى بقطعة أرض كلسان البقرة تبتلع كل ذرة رمل عابرة حتى يكبر حبل سرها المدفون على أطراف القوز الواقع بين مدارس المهاجر.
ولعل الشيخ عبد الرحمن المهاجر في قيلولته يمارس بعض الإختفاء القسري، وصاحب الوقت يسرق ماء العيون ويذرو عليها من رماد الحقيقة ويختلط صوت قوته الخفيض وانكسار براد الطلس الأملس المُهَشَّمُ الذي يكاد أن يقول: دثروني... زملوني من شتاء أيادي اللصوص الباردة وصيف وجوه العابرون عن محبة يرمون العملة المعدنية الصغيرة.. قرش أو أبو قرشين أو شلن أو ريال إذا إستطال الحب المنفلت في انتظار خروج عبد الرحمن بزيه الأبيض كلون البيان تماما. والبيان يستقوى بجذع دومة أفنت عمرها في سعير الرمل الحارق ولا مغيث من الأعلام البيضاء التي تتحدى الزمن وتقارعه على إيقاع ضرع ناقة أحمد طه ود دغور حين يسخى للأرض الرخوة التي يقف عليها هاشمه؛ الحلاب الحاذق الماهر.
احتضنت فاجعتي وسنام حلمي النهاري ورائحة ذلك السمك. الضبيلان وحربي، بزيهما وجلال حضورهما المهيب، في انتظاري. وليس مهما في ذلك النهار الحار لون عرارقيهم القصيرة والمزدانة بنفس صبوح وطلاوة باهرة، ولا يهم طالما صوتي إنضم فجاءة إلى أصوات نهيق حميرهم الملساء، واستقبل هسيس طواقيهم وضحكاتهم المجلجلة.
وسلوكة تغوص رويدا ريثما ينجلي زبد الطين ويتكور سهلاً خصباً لحكاوي النهار الضاجة في بيوت الحلة وتحت أشجار النيم الدامعة كل لحظة.. وحب النيم أغلى ما يكون كلما أمتصته معزة الزعمية حتى صفق خيالها الهاطل شهي في أوان الجوالي وحَرِد البحر.. ونيمة جدي كانت وفية لتلك السنوات العجاف ومبذولة لطاقة العابرون بين ثقوب الحوش المترامي الأطراف.
وبدأت أصوات مديح تتصاعد في أفق المكان وتختلط بروث زريبة ود الحلبي... والخليفة حربي يسرع في صوته صوب إيقاع البراق بنهم فارط وخوف وفرح مخلوط... همهمات تصدح وتتعالى وصفير لائذ من نزقه كلها تلتقي عند عتبة البرندة الممتدة كتلك الضحكات التي تلتف حول جردل طلس من الدكاى وتتوغل في شغبها مهرولة ما بين الخليفة حربي ورفيقه الضبيلان. ومنقوع عصير التمر معتق إناء شجره ومغلول نبيذ فرحته بين خمارها وخِمَارُي حتى وقع من فرط السهو في سِرٍّس وغفلةٍ وخفْية بين خَمَر الوادي (الشجر الملتف) وغاب في تلافيف خُمْرةُ أمها العابقة.
انت يا حربي سيدي ود الميرغني قالك شنو يوم جا عند الخليفة ابراهيم..!
اااااا فضلني عندو وسلم علي وانا سلمت عليهو وجبتلو الابريق ملآآآآآن موية يجلللللللللبق لما رش حلق ود ستو نور..
الحمد الاف بخيت انت السلمت على ود الميرغني واتبركت منو؟
ههههههههه ناااااااااااااااان هي برككككة ما بركة..
ومن قال هذه هى حمير العرب؛ غبشاء اللون والروح والظلف!؟. وتهيم في كُداد ساقية جدي وأنينها المتعب بفعل ضجيج العرب في طهورة البرسيم. وابراهيم يوازي تلك بتلك، ويساوي بين الكبير والصغير بقدر ما أتسع خيال حيوانه في التمدد والإنكماش. حوض لأمه دار النعيم بت دغور، وحوضين لود جبريل ومثلهما لدار النعيم بت على حسن، وثلاث لكبير العرب طه ود نصر. وود نصر أراه ممداً في خاطري بحجم الحلة ونياقها.
ولشيئ في نفس إبراهيم يتضمن رؤياه التي لم يفسرها لنا، إستخدم كبيرهم كما يتوهطنا سوء ظن كثيف للوصول إلى ليلاه. وبصيرته طفيفة النظر فيما وراء الأقدار التي كانت تخبيء مشارع ظن هاطلة وغباراً كثيفاً خلف روضته المطيرة. ولكنها رحلت إلى بلاد بعيدة. وقريبا منها الآن يرعي زرعاً لآخرين بعد أن انقطع رزقه عن ساقية السورجاب. 
وتصبح البلاد ضنينة وابناءها عاقين وعالقين في البحر بلا متاريس ولا أسانيد ولا أسواق تبيع البصل والتمك والقاعون والسبروق والقرفتن والبرتكان والمنقة.
وأصبر على مهل بصبر وأناة حتى يبين ميعاد تمر الهبوب الصباحي الغشيم ومن ثم يمر صوت اللوري القادم من جهة سوق تنقاسي ويغادر. ويغرس خالي رجليه جيدا ويتمترس ليقضي حاجته من صوت الكوز على قوز الرماد المنتصف المسافة بين بيت الشاتي بت مريم وصهريج قوز هندي والكنيسة. يقضي وطره تحت ضوء القمر والناس شاهدون. رهط إلى صلاة العشاء وآخر مثله ينتظر وما بدل سُرَر أمينة بت دهر المنسي المصفوفة، والموضونة، والمرفوعة لينال رغيفاً ساخناً ودافئاً من فرنها. يشغله السر ود زائد بالحديث حتى ينال ما تيسر من قمحها المدهون بروعتها. وأربعون صعلوقاً بقيادة ود التوم ونائبه ضليل في إنتظار موت الحلة الليلي حتى يسبلون ظلامها ويمضون في رحراح أغنياتهم منسربين بين طعم المنقة ولهاة الحبيبة كما يقولون: (الله عالم يا حبيبة إنتي في دنياي تمني)..
والليل كفيلاً بإيقاظ مجامر العشق وبخور سهمها العَائِرُ نحو جهة رؤوس تميرات الجنابية وطلحة بنات التومة.. هى الحبيبة حين تصهل أغنياتهم برضاب فِيها ونوار شعرها النرجسي.
ومع ذلك، أوان تلك الحرارة المرتفعة، داهمتني في نهار قائظ وملبد بالسراب وحراق الروح بين أشجار ساقية ود المرين. أبية الروح وطاعمة الأنفاس وبيدها فصوص من القريب فروت وتتقدم أمها.. هى خالتي في علاقة الدم. إنتظرت حتى مدت يدها للسلام متبوعة بفاكهة الناس. ولم يكن خياري شيئا سوى أن أمتثل لطاقتهم وأن أتخلص من توتري ومن لقاءهم العارض.
بادرتني أمها: انت ما ياكا ولد نفيسة بت بشارة!
توزعت بين صمتي وخوفي ودهشتي وبت حائراً في جوف الخيبة. وجدتني أقارن بين صوتها ووجه خالتي التي لا أعرفها إلا من خلال وصف خالي. مزجت بين ضفائرها المسدلة وأهدابها المُسبلة وفستانها المزركش رغم قلقي الضالع في جسدي والمستوطن خلاياها. أقيس أنفاسها المتهدلة وعيونها الواسعة كأنها تغرقني في شكي ويقيني وضروب رجولتي التي أضمرتها خلف هالة القمر العالق بين جريد النخل وصوت ورل يتدلى بين ساقيها وسُّرَّتُها. إنتهيت إلى زاوية من فحولتي وحقولها المنقوحة بكيمياء حبوبها البارزة وإنتبهت إلى لهاث صغيري. القمتني ثمار القرظ من فرط حمى وبخار كثيف يدور في راحتيها كما مراجل كبيرة تصنع نكهة قهوتها في سراب نجيعي ومتربتي.
وهرولت الهث في درب ساقية ود المرين، معفر الخطوات. والعن نعلي المصقول برماد هزيمتي وأحكي لصغار الحلة. والدرب أكبر من قدرتي على الإحتمال والنسيان. تمرة واحدة تكفي لإستثمار تواطيء مع شبق نثاراتي الليلية على فضاء القوز. والتقطها من سبيطة على جدول يعبر درب الترك قسراً إلى الأعالي. بالإمكان أن أرتحل صوب التيار وامتطي ذاكرة التاريخ. تمرة تكفي أو لا تكفي، فالمهم أن اراوغ ذبذبات التيارات العطرية عن يميني وعن يساري. وبيدي التمرة. أناكف الذات ببهار الغناء الهارب من صدري، واحتمي بسلطة الشعر المقفى وانين الطنابرة في حضرة الحاج ود محمد نور وجلسات مغنيها التي تمتد إلى فجر اليوم التالي. 
شددت على عصب أوتار خيالاتي وطرورة غيابها المفاجيء حتى يوم الناس هذا لم التقيها. خضراء باتع لونها كما الكرجي تدندن لحن الحياة على موائد القندول لا تقوى على الصمود في إحدى غزوات الطعام. بين منقارين وزرزور وأفعى وحدية وجوغة من طيور البلد. صفوف تتهادى يتقدمها أبو الهدهد كما يتراى لي. والمحه في غيابه المرهون بهز العرش. ولا أرى إلا تاجه المنمق بذات إصطفاف ألوان نعلها الأخضر. وأقبض حزني في بهو الحضور. وعندليب القوز يسطع في النشيج، وكأنه يواسيني في معراجي نحو العتماير ومسراى نحو الذهول. وسارية البحر يغرقني في تفاصيل الحور وبنات نعش بين كهف إحتضارها ورؤيتها في سوق الترك. وتعبرني نسمة أشتهيها لراحة البال. والبال محتل بالغنامة والبقارة والأبالة. وتربال صدرها الكادح في جنوح الكبرياء، تسامى ومن ثم تسامى حتى اختفى في دروب مجرة الكبش. إنه قوس قزح يمر ولا يرجع إلى ترعة مرينابية ولا حجر الهدام ولا ضفة النهر الأخرى حين كان يعبر إليها السر ود محمد نور في ليالي البلد العامرة. يحمل جلبابه كعمامة ويعبر إلى الشرق؛ جنة غناءه ورضاءه.
لا شيئ يعدل غبطتي، وقلبي يقطف مرة أخرى برتقالة تخبئها عني في جوف لهاثها المتصاعد. وأختبيء في النهر كحال ضليل يوم أن عرفت إنه لا يجيد السباحة كأقرانه. يعشق جوف النيل ساعة أن يغطس بالساعات نحسبها. ثمة دافع للفضول فيما يفعل هناك في الأعماق.. هل وجدها حبيبتي النهارية إبنة الشمس؟ مسافة ذلك نمضي إلى منقاية تحت الرمل، باردة وطاعمة تهدينا سبل الطريق مرة أخرى إلى البحر. ونسقط حر النهارات وسمائم الروح وقيظها المتصاعد.    
وعلى حموري هو المعني بشؤون الدرب ضد تتر المياه بسلاحه الوحيد وكلما اعتراه فتر عالجه عند الحلبي. أساله عن مرور صبية تتأخر عنها أمها في حدود مملكته. وعلى يجيبني كمن يفرد لي شراعه للعبور واللحاق بصافرة الباخرة في محاذاتها للحليلة. أعرف إنه يدلني على مغارات حشيش الليل وسدرة منتهى الظنون. واتشبث بطلق الوريد ورهافة حسها وريق دهانها المنقوع من أبريق الجسد. ومن ليمون قولها أخلط طعم سكر لعابها بفاتر لحظها. وكاويق الجنابية يقفز إلى عروقي وشعر رأسي.. كشكشة وأصوات غريبة وسعال متصل أظنه لرجل بين أحراج الكمينة.. ربما الجنيات يطعمن أطفالهن أو ود البحر يغازل غليلة بت الجبل حين أتت حين غرة في زمانات المحل وغادرت جبل ود الكرسني بالبركل. والمعركة أكبر من قوة قدرتي على النظر لأرى ماذا خلف هاتيك أشجار المنقة والجوافة. وخيالي يمضي إلى البعيد ولا ينتظر مثلما يقرع علي حموري جملة الترابلة عن موية الحفير.
الورل كان حاضراً على إصطفاف بغيض عند المدخل الأول للساقية بعد مسافة قصيرة من الكونية التي تقع في أرض السورجاب المشطورة مع الزمارنة. ينتظر مروري وآخرين حتى يصعد أعلى شجرتها ويمارس عادته السرية. وهكذا يتمتع بمشاهد شتى نفتقدها نحن رغم ميلنا لذلك. تمنحه الحياة ما نقدر على معارضته بنفس القدر الذي تشقينا به هذه الخصوصية. علاقة تستمر ولا تنتهي عند حدود الليل والحفير.
والورل سادر في غيه بين صفقتين من شَخْب النزوة. ويعتلي أسفل ظهره كملك حنكابي يجيد تراتيل الصباح على حنايا طيب الخدم وسرادق الليل المهول وغجر القوز. والروح تموت من الضحك ورشاقة القلب الخفيف والخوف المهزوم بضوء القمر.. وتخذلني شخاليب النمتي الكامنة في منقار الليل. وعرجونة تمضي بصمت أشجار الدوم المتصابية رغم هزائم الرمال التي تجز عروقها وتحيلها إلى جذوع خاوية من فرط العراك.
إن تختلس نظرة في رابعة النهار يبدو نوع من الظفر بلمى أنثى ساخنة لا تشبه برودة الليل والرمل.. وأن تكتفي بتلك النظرة نوع من الإنتحار المبكر لرجل لا يجيد فن الإختلاس والإنتصار في بيادر عاطفته الشبقة.. وسيان أن تكف بصرك وترعي في حقول حرمانك الغنية بنجيل أنثى غرست جذورها عميقاً في حفيرك وأرتوت منه كما تنعم تمرات سيدي الأربعة بمحاذاة مرور علي حموري كل صباح.. حبل سري شفيف يمدهن بالماء والغذاء، والتمرات في حورهن وهن شامخات يعانقن سماء المكان شاخصات مثلي، وقلبي يرنو إلى فالق صدرها المكتنز ولا يزال عبق بروائح برتقال الزمارنة.
حزمت صبري وعبرت درب الترك على أمل اللحاق بعطرها الأثيري لو يكفي القلب ويسقيه من عكار الدميرة، وسلكت ذات الدروب التي تطعمت بساقها الوهيط وغسلتها برائحة نعناعها الأخضر حتى وجدت أقدامي تسيح من تعب على جرف يغسله الطمي بهدوء من كل صباح.
ألح خيال شبق وطاعن في الجهارة ويصعد ذرى جوافة مثقلة بالطيور وماذا عساى فاعل في غربة الرائحة وقشرة الساق المتساقطة! البال يَنِزّ ويتتابع نزُّه على كل صفقها الأخضر واليابس... الكاويق يتحلب ويسيل على الأرض موجة إثر موجة وتقتله النَّزَّةُ (الشهوة الشديدة) العابرة ويرقد كجثة هامدة ولا يفيق إلا على صوت رخيم يدندن بأغنيات رحيمة تغسل تساب عام 88 وتنفض عن الأرض متربة غابت فيها أجمل ما رأيت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شَخْب الحنين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» للوجع .. حق .. أهم
» قضاف الحنين
» بيتنا .. ضروع الحنين ومراتع الطفولة
» الفنان عاصم ختام... الحنين الى أرض النوبة
» ضراوة الحنين.. نداء الرَّمقُ الأَخيرُ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة  :: المنتديات الادبية :: الحكايات والخواطر-
انتقل الى: