من
الحقائق المقررة في ديننا الإسلامي أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، وأن
العلم بوقت وقوعه مما استأثر الله به، قال تعالى: { إن الله عنده علم
الساعة }( لقمان: 34 ) ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام
الساعة فقال : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) رواه البخاري ومسلم .
غير أن الله عز وجل قد أقام علامات تدلنا على قرب الساعة ودنو أجلها ، قال
تعالى: { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } . ( محمد
: 18 )
وقد قسم العلماء هذه العلامات إلى قسمين :
القسم الأول : علامات الساعة الصغرى .
القسم الثاني : علامات الساعة الكبرى .
.
فمن تلك العلامات بعثته صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( بعثت أنا والساعة كهاتين . وقَرَنَ بين السبابة
والوسطى ) متفق عليه . وفي هذا إشارة إلى أن قيام الساعة قريب كقرب الإصبع
السبابة من الإصبع الوسطى .
ومن علامات الساعة الصغرى انشقاق
القمر في عهده صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
وَانْشَقَّ الْقَمَر } (القمر:1) وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : (
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فرقة فوق الجبل
وفرقة دونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشهدوا ) رواه البخاري
ومسلم .
ومن علامات الساعة الصغرى : موته عليه الصلاة والسلام ،
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في
غزوة تبوك وهو في قبة من أدم - جلد - ، فقال : ( اعدد ستا بين يدي الساعة :
موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة
المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من
العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم
تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) رواه البخاري .
ومن
علامات الساعة الصغرى فتح بيت المقدس ، كما في حديث عوف بن مالك المتقدم .
وقد فتح بيت المقدس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن علامات الساعة الصغرى : ظهور مدعي النبوة الدجالين الكذابين ، ففي
الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تقوم الساعة حتى يُبعث
دجالون كذابون قريب من ثلاثين ؛ كلهم يزعم أنه رسول الله ) رواه مسلم . وقد
ظهر جمع من هؤلاء في العصر الأول منهم مسيلمة الكذاب ، وسجاح وهي امرأة
ادعت النبوة ثم تابت وأسلمت ، وطليحة بن خويلد الأسدي وقد أسلم أيضاً ،
والأسود العنسي ظهر بصنعاء وقتله فيروز الديلمي رضي الله عنه . وظهر كثير
غيرهم ، وقد ظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني الذي ادعى النبوة ،
وصار له جماعة تدعى القاديانية ، وألَّف العلماء فيه كتباً بينوا فيها كذبه
وتدليسه وكفره .
ومن علامات الساعة الصغرى تضييع الأمانة بإسناد
الأمر إلى غير أهله ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال : كيف إضاعتها ؟
يا رسول الله ، قال : إذا أسندَ الأمرُ إلى غيِر أهله فانتظر الساعة ) رواه
البخاري.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور النساء الكاسيات
العاريات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما . قوم معهم سياط كأذناب البقر ،
يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة
البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة
كذا وكذا ) رواه مسلم .
وقوله ( كاسيات عاريات ) أي أنهن يلبسن ثياباً غير ساترة لجميع أبدانهن ، أو شفافة تصف ما تحتها ، أو ضيقة تبرز عوراتهن .
وقد ظهر هذا الصنف في زماننا هذا - ويا ليت الفاجعة وقفت عند هذا الحد -
بل صار هؤلاء النساء الكاسيات العاريات يتبجحن بعريهن ، ويعيرن العفائف
المحصنات بتسترهن . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن علامات الساعة
الصغرى انتشار الربا ، وظهور الزنا ، وكثرة القتل ؛ قال صلى الله عليه وسلم
: ( بين يدي الساعة يظهر الربا ) رواه الطبراني وقال المنذري : رواته رواة
الصحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أشراط الساعة ....
فذكر أموراً منها : ويظهر الزنا ) متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم : (
لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج . قالوا : وما الهرج ؟ يا رسول الله ، قال :
القتل ، القتل ) رواه البخاري ومسلم . وقد ظهرت جميع هذه الآفات في زماننا
- والعياذ بالله - ، وجُهر بها حتى عُدَّ الربا والزنا من أسباب التقدم
والرقي ، ومن مظاهر المدنية والحضارة ، فتحقق ما قاله صلى الله عليه وسلم
من علو هذه المنكرات وظهورها ، وأما القتل فحدِّث عنه ولا حرج ، فقد عمَّ
وطمَّ ، فسفكت الدماء الحرام ، وأزهقت الأرواح ، تحت مسميات شتى ، ومآرب
متعددة ، نسأل الله أن يحفظنا بحفظه وأن يشملنا برحمته .
ومن
علامات الساعة الصغرى أيضاً ظهور المعازف واستحلالها : فعن أبي مالك
الأشعري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليكوننَّ من أمتي
أقوامٌ يستحلون الحر - الفروج - ، والحرير ، والخمر ، والمعازف ) رواه
البخاري . وقد أضحى هذا الزمان صورة حية ، وشاهد صدق على صحة ما أخبر به
النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد استحلت المعازف وعلا شأنها ، وارتفعت
قيمتها ، حتى أصبح المغنون والمغنيات - عند كثير من الناس - أعظم شأناً ،
وأرفع قدراً من الدعاة والمصلحين ، واستحق هذا العصر لقب عصر الغناء بجدارة
. فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن علامات الساعة الصغرى: عودة
أرض العرب مروجاً وأنهاراً ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً )
رواه مسلم ، وقد اكتشف العلم الحديث هذه الحقيقة، وأخبر علماء الجيولوجيا
بمثل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا
من الزمان .
ومن علامات الساعة الصغرى ارتفاع شأن المفسدين في
الأرض ، واستيلائهم على مقاليد الأمور ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنها
ستأتي على الناس سنون خدّاعة ، يُصدَّق فيها الكاذب ، ويُكذَّب فيها الصادق
، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرُّوَيْبِضَة "
قيل وما الرُّوَيْبِضَة ؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة ) رواه أحمد .
فهذه بعضٌُ من علامات الساعة الصغرى التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه
وسلم ، وهي بمجموعها تنطبق أشد المطابقة على هذا العصر الذي نعيش فيه .
غير أن قتامة هذه الصورة التي نعيشها لا تدفعنا إلى اليأس والقنوط ، بل إن
ما تحقق من علامات الساعة يزيدنا إيماناً ويقيناً أن بقية العلامات التي
أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم آتية ، مثل خروج المهدي ، ونزول عيسى
بن مريم عليه السلام ، وعودة الحكم إسلاميا ربانياً . والأعظم والأهم قيام
الساعة التي يفصل الله فيها بين عباده