عطية المتفائل جدًا!!
بعد معركة شرسة مع الكمساري حول الباقي كان نتيجتها (فجخ كراع) إحدى السيدات قرب الباب نزل عطية متأبطاً جريدته وحاملاً معها في يده اليسرى بطيخة وفي اليد اليمنى (باسم) استعاره من صديقه الجزار، وسار نحو منزله البعيد في الشارع في ذلك الجو الحار منتصف النهار عاضًا على شفتيه (المشققتين) من عطش الجيوب وبجاحة و (جلدة) مديره في العمل، والعرق يتدفق من صلعته كأمواج لها مد وجزر، واقترب نحو باب منزله وركَلَه بجزمته المثقوبة، وما ان انفتح الباب حتى استقبلته (سفنجة) ضلت طريقها في الهواء لتهتدي إلى صلعته قذفت بها أم العيال في وجه أحدهم لأنه أحضر نوعاً من الزيت الردئ وأكل الباقي.
عطية لم يتضايق لأنه متعود، كما أنه لم ير في عينيها نية اعتذار بل رأى قنبلة على وشك الإنفجار فسار في صمت نحو المطبخ ولحظة وضعه البطيخة والكيس على الطاولة انفجرت تلك القنبلة بقولهااسمع يا راجل هوي. الغاز قطع وولدك الليلة طردوه من المدرسة ما دافع القسط والكهرباء فاضل فيها اتنين كيلو وتقطع وسيد الدكان جاك هنا ثلاث مرات و....). صرخ عطية (كفاية) ثم رفع أطراف (تلاليشه) إلى أعلى وزفر زفرة قوية تراقصت على أثرها أيادي كيس الباسم طرباً، واستدار عطية إلى غرفته دون أن ينطق بكلمة لأن لديه مبدأ في الحياة يقول (إذا كترت عليك الهموم اتندل نوم)، ذهب عطية إلى غرفته وهناك بدّل ملابسه وارتدى (عراقيه) المفضل الذي أكل منه طرف السرير ومسمار الدولاب حقهم من الثقوب والخطوات و (النشنشة) توجته ملكاً على عراريق عطية فلا يحلو له النوم بدونه. بعدها فتح عطية شبابيك غرفته تاركاً ل (همبريب) صالته العنان كي يجفف صلعته ثم أعاد فتح جريدته (المكرفسة) التي كان بصفحتها الأولى حفنة من الأخبار السياسية المشؤومة التي اعتاد غض الطرف عنها فتجاهلها وأخذ يقلب في باقي الصفحات حتى جذبته صفحة بعناوينها المبتهجة (متعة الحياة...الدنيا حلوة...ابتسم دائمًا...ضحكت الدنيا.. كيف تعيد الرومانسية إلى بيتك الجاف؟). استرسل عطية في قراءة تلك المقالات المتفائلة حتى انفرجت شفتاه لتكشفا النقاب عن أسنانه (المشرمة) وترسم ابتسامة تحكي معنى البلاهة!!. تفائل عطية كثيرًا لدرجة أنه أصبح يبحث عن صفحة الأبراج ليرى حظه هذا اليوم وعندما وجدها استقرت عينه على برج (قد القفة) وبدأ يقرأ (أنت أسعد إنسان في الكون لهذا اليوم لأن كل شيء يسير كما خططت له تمامًا، عاطفياً: الشريك يكن لك بفيض من الرومانسية لكنه خجول قليلاً كما أنه رهن إشارتك ليبوح لك عما في صدره)، بعد أن أكمل تلك العبارة أخذ ينظر إلى زوجته من خلال (رقراق) الباب ليجدها مشمّرة عن ساعديها (تشلضم) بإحداهما أحد العيال وتجر بالأخر شوال الفحم، عندها همهم عطية في غضب ممزوج بسخرية (في دي كضبتوا يا ناس الأبراج). وواصل قراءة البرج (اليوم بانتظارك مفاجأة سارة جدًا جدًا وقد تطرق بابك الآن)، وما أن انتهى من قراءة تلك العبارة حتى سمع أحدهم يطرق باب الحوش فقذف بالجريدة وهو يصيح مستبشرًا (كذب المنجمون ولو صدقوا امش يا ولد افتح الباب سريع...سريع) وكان عطية ينتظر على أحر من الجمر ليعرف تلك المفاجأة السارة . وبعد دقائق جاءته أم العيال (مطرّمة) كعادتها وتقول باستعجالقوم يا راجل ديل ناس البلد جوك بُكسِي مقشّط فُل عندهم زول عيّان . أمرق سلم عليهم وشوف لينا حاجة الننستر بيها معاهم. انت عارف بيتك عدمان الويقود) لحظتها انقلبت الدنيا رأسًا على عقب في رأس عطية فقد كانت المفاجة (سارة جدًا) لدرجة انه التفت إلى تلك الجريدة ولم يشفي غليله منها إلا التهامها فأخذ يمزق ويأكل منها وهو يهمهم في غيظ شديد (خليتيني اتفاءل ليه. أنا عارف حظي طول عمري شقي، وشقي الحال يلقى في الفشفاش عضم!، قال الدنيا حلوة قال!!) ثم أخذ يحرف في بيت الشعر المفضل لديه:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
ضاقت أكثر وأكثر!!
بعد أن أفرغ غله في الجريدة ارتدى عطية ملابسه واستلقط الفكة التي وضعها تحت المخدة ك (رواب) لعلها تزيد اثناء أحلامه التي لا تنقطع. فخرج إلى ضيوفه مباشرًا ومرحباً، واصل طريقه إلى باب الحوش وعندها تخابث عطية على جيوبه الخاوية وقام بتفتيشها وكأنه لا يدري أنها خاوية إلا من فكة...، ثم سار نحو الدكان ليجد سيد الدكان قد خرج إليه قبل أن يصل وبدون سابق إنذار يقفز على رقبة عطية الذي أفلت منه بأعجوبة وقام ب (ترويضه) مثل كل مرة متوسلاً إليه ليمهله بعضًا من الوقت وامتدت به الجرأة لأن يطلب منه أن يديِّنه كي ينستر مع ضيوفه. لحظتها انفجر سيد الدكان من الغيظ ودخل في معركة بالأيادي مع عطية لم يوقفها إلا رنين هاتف عطية وكان على الخط شقيقه (خلف) الذي كان الملاذ لعطية بعد الله سبحانه وتعالى عندما يضيق به الحال، رد عطية (أهلاً خلف أخوي أخبارك شنو؟) خلف (تمام يا عطية ما عندي رصيد سمعت الخبر ولا ما سمعت) عطية (خبر شنو خير إن شاء الله) خلف (حاج إسماعيل اتوفى قبل شوية والحلة كلها قايمة سَكَلِي).. عطية (الدوام لله).. وانقطع الإتصال، عندها لم يعرف عطية هل يحزن أم يفرح؟ يحزن على وفاة حاج اسماعيل شيخ الجامع أم يفرح لأن تلك الوفاة جاءت في وقتهاّ!! فضيوفه من أقرب أقرباء حاج اسماعيل وإن سمعوا بالخبر لن يجلسوا في داره لحظة. وقتها تجاهل عطية سيد الدكان وهرول مسرعا إلى داره حاملاً (الشمار). وما أن ألقاه عليهم حتى انتفض الجميع من مكانهم وبدأ النواح وهموا بالمغادرة لكن عطية لوح ب (سيف) اصبعه في الهواء قائلاً (علىّ الطلاق ما تقوموا قبل ما تشربوا الموية!.. أسرع يا ولد الموية)، أخيرًا لم يفعل الخبر شيئا غير أن التقط طاقيته وامتطى معهم ظهر ذلك (البكسي) متجها إلى بيت البكا!!!
نقلاً عن جريدة (الرائد) العدد 200 بتاريخ 5 مارس 2009م