كتب المؤلف
شهاب الدين أحمد النويري في كتابه بعنوان نهاية الأرب في فنون الأدب جمع فيه
النويري خلاصة التراث العربي في شقيه الأدب والتاريخ , كتب عن السماء والآثار
العلوية والأرض والمعالم السفلية وعن الإنسان وما يتعلق به وكذا الحيوان والنبات
وغيرها من فنون الأدب . ومما دعاني لتصفح هذا الكتاب كنت في خلوة مع نفسي وأمام
المرآة ومع وداع عام مضى وطوى بداخله كثير من التغيرات الجميلة والحزينة واستقبال
عام جديد لا نعلم بجديده ولكن كل الأمل في أن يكون عام خير وبركة على الجميع
.وأثناء خلوتي لمحت ازدياد بياض الشعر بصورة واضحة فقلت وأنا اطمئن نفسي انه
الوقار وإليكم مقتطفات مما قاله المؤلف البارع النويري في كتابه عن الشيب:
مدح الشيب : ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من شاب
شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة " . وقال ابن أبي شيبة : " نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن نَتْف الشيب
وقال : هو نور المؤمن " .
وفي الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن أوّل من رأى الشيب
إبراهيم الخليل عليه السلام ، فقال : يا ربِّ ما هذا ؟ فقال له : الوقار ، فقال :
رب زدْني وقارا " .
وتأمل حكيمٌ شيبه فقال : مرحباً بزهرة الحُنْكة ويُمْن الهدى ومقدِّمة العفَّة
ولباس التقوى . وقيل : دخل أبو دُلف على المأمون وعنده جارية له ، وكان أبو دلف قد ترك الخضاب ،
فأشار المأمون إلى الجارية فقالت له : شبْت يا أبا دُلف ، إنا لله وإنا إليه
راجعون . فسكت عنها أبو دلف ، فقال له المأمون : أجبها ، فقال :
تهزَّأت إذ رأت شيْبي فقلتُ لها : . . . لا تهزئي من يطُلْ عمرٌ به يشيبِ
شيبُ الرجال لهم زيْنٌ ومكْرُمةٌ ، . . . وشيبُكن لكُنَّ الويل فاكتئبي
فينا لكُنَّ وإن شيب بدا أربٌ ، وليس فيكُنَّ بعد الشَّيب من أربِ
وقال آخر :
أهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحباً ، . . . أهلاً به من وافدٍ ونزيلِ
أهْدي الوقار وذاد كلَّ جهالة . . . كانت ، وساق إليّ كلَّ جميلِ .
فصحبت في أهل التقى أهل النهى . . . ولقيت بالتعظيم والتبجيلِ .
ورأى لي الشُّبَّان فضل جلالةٍ . . . لما اكتهلت ، وكنت غير جليلِ .
فإذا رأوْني مقبلاً ، نهضوا معاً : . . . فِعلُ المقرِّ لهيبة التفضيلِ .
إن قلت ، كنت مصدقاً في منطقي ، . . . ماضي المقالة حاضر التعديلِ .
وقال مسلم بن الوليد :
الشيب كُرهٌ ، وكُرهٌ أن يُفارقني . . . اعجب لشيءٍ على البغضاء مودود .
وقال عليّ بن محمد الكوفيّ :
بكى للشَّيب ، ثم بكى عليه . . . وكان أعزَّ من فقد الشَّبابِ .
فقلْ للشَّيب : لا تبْرحْ حميداً . . . إذا نادى شبابك بالذهابِ .
وقال ابن المعتزّ :
قد يشيبُ الفتى ، وليس عجيباً . . . أن يُرى النَّوْرُ في القضيب الرَّطيبِ . وقال
أبو تمام :
ولا يؤرِّقْك إيماضُ القتير به . . . فإنَّ ذاك ابتسام الرأي والأدبِ .
وقال أبو الفتح البستي :
يا شيْبتي دُومي ولا تترحَّلي . . . وتيقَّني أنِّي بوصلكِ مُولعُ
قد كنت أجْزعُ من حُلولك مرةً ، . . . فالآن من خوف ارتحالك أجزعُ
وقال آخر :
فأما المشيب فصُبْحٌ بدا . . . وأما الشباب فليل أفلْ .
سقى الله هذا وهذا معاً . . . فنعم المولِّى ونعم البدلْ
وقال أبو الفتح كشاجم :
تفكرت في شيب الفتى وشبابه . . . فأيقنْت أن الحقَّ للشَّيب واجبُ .
يصاحبني شرخ الشباب فينقضي ، . . . وشيبي لي حتَّى الممات مصاحبُ .
وقال أبو عوانة الكاتب :
هزئت إذ رأت مشيبي ، وهل غي . . . ر المصابيح زينةٌ للسماءِ ؟
وتولت فقلت قولاً بإفصا . . . حٍ لها ، لا بالَّرْمز والإيماءِ :
إنما الشيب في المفارق كالنُّو . . . ر بدا والسَّواد كالظلماءِ .
لا محيضٌ عن المشيب أو المو . . . ت ، فكُنْ للحوباء أو للنمَّاءِ
إن عمراً عوضت فيه عن المو . . . ت بشيبٍ من أعظم النَّعماءِ
وقال أبو عبد الله الأسباطي :
لا يَرُعك المشيبُ ، يا ابنة عبد الله ، فالشيب زينةٌ ووقارُ
إنما تحسُنُ الرياض إذا ما . . . ضحكت في ظلالها الأنوارُ . وقد ورد في بعض التفاسير في قوله تبارك وتعالى " وجاءكم النَّذير " .
قيل : هو الشيب .
وقال أعرابيّ : كنت أُنكر البيضاء ، فصرت أُنكر السوداء ؛ فيا خيْر مبدول ويا شرّ
بدل .
وقيل للنبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) : عجَّل عليك الشيب يا رسول الله ، قال :
" شيَّبتني هودٌ وأخواتها " . قيل : هي عبس ، والمرسلات ، والنازعات .
وقيل لعبد الملك بن مروان : عجَّل عليك الشيب يا أمير المؤمنين ، قال : شيبني
ارتقاء المنابر وتوقُّع اللحن .
وقال بعضهم : خرجت إلى ناحية الطُّفاوة ، فإذا أنا بامرأة لم أر أجمل منها ، فقلت
: أيتها المرأة ، إن كان لك زوج فبارك الله له فيك ، وإلا فأعلميني . قال فقالت :
وما تصنع بي ؟ وفيّ شيء لا أراك ترتضيه . قلت : وما هو ؟ قالت : شيبٌ في رأسي .
قال : فثنيت عنان دابتي راجعاً ، فصاحت بي : على رسلك ، أخبرك بشيْ ، فوقفت وقلت :
وما هو ، يرحمك الله ؟ قالت : والله ما بلغت العشرين بعد ، وهذا رأسي فكشفت عن
عناقيد كالحمم ، وقالت : والله ما رأيت برأسي بياضاً قطُّ ، ولكن أحببت أن تعلم
أنّا نكره منك ما تكره منا ، وأنشدت :
أرى شيب الرِّجال من الغواني . . . بموضع شيبهنّ من الرجال
قال : فرجعت خجلاً ، كاسف البال .
وقال أبو العتاهية :
عريت عن الشباب ، وكان غضّاً ، . . . كما يعرى من الورق القضيبُ .
ألا ليت الشباب يعود يوماً . . . فأخبره بما فعل المشيبُ
وقال آخر :
لما رأت وضح المشيب بعارضي . . . صدّت صدود مُجانب متحمِّلِ .
فجعلت أطلب وصلها بتلطُّف ، . . . والشيب يغمزها بأن لا تفْعلي
وقال ابن المعتز :
لقد أبغضت نفسي في مشيبي . . . فكيف تُحبُّني الخُودُ الكعابُ ؟
وقال محمد بن أُمية :
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ، . . . فأعرضْن عنِّي بالخُدود النَّواضرِ .
وكنّ إذا أبصرنني أو سمعن بي ، . . . دنوْن فرقَّعْن الِّلوى بالمحاجرِ .
وقال آخر :
قالت ، وقد راعها مشيبي : . . . كنت ابن عمّ فصرت عمَّا .
واستهزأتْ بي ، فقلت أيضاً : . . . قد كنت بنتاً فصرت أُمّاً .
مدح الخضاب
ما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " غيِّروا هذا الشيب ،
وجنِّبُوه السواد " .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخْضب بالحناء وبالكتم .
وقال أبو الطيب المتنبي :
وما خضب الناس البياض لأنَّهُ . . . قبيحٌ ، ولكن أحسنُ الشَّعْر فاحمُه .
وقال محمود الورّاق :
للضَّيْف أن يُقْرى ويُعْرف حقُّه . . . والشيب ضيفُك ، فاقره بخضابِ .
وقال ابن الروميّ :
يا بياض المشيب سودت وجهي ، . . . عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمري ، لأُخفينِّك جُهْدي . . . عن عياني وعن عيان العيون
ولعمري ، لأمْنعنَّك أن تض . . . حك في رأس آسفٍ محزونٍ
بخضابٍ فيه ابيضاضٌ لوجهي . . . وسوادٌ لوجهك الملعونِ
قال محمود الورّاق ، رحمه الله :
يا خاضب الشيب الَّذي . . . في كُلِّ ثالثةٍ يعودْ .
إن النُّصول إذا بدا . . . فكأنه شيبٌ جديدْ .
وله بديهة روعةٍ . . . مكروهها أبدا عتيدْ .
فدع المشيب لما أرا . . . د فلنْ بعود لما تُريدْ .
وقال المتنبي :
ومن هوى كلِّ من ليست مموِّهة . . . تركت لون مشيبي غير مخضوبِ .
ومن هوى الصدق في قولي وعادته . . . رغبت عن شعر في الوجه مكذوبِ .
خارج النص :
نرجوا من الأحبة بالسودان أن يرسلوا لنا مع كرتونةالآبري والوكية الحنة