هذا يوم الجمعة كعادته كان شغوفاً بالصباحات الندية تحمله إلى سوق المصنع وكنت جزءً كبيراً من هذا الحراك .. ولماذا لا؟ حيث كانت فرصة نادرة لتلقى بأهل المصنع وأنت في حضرة الأب الجميل عمي يوسف ... وتدور الحكاية من شخص لآخر نحن ذهاباً واياباً خاصة عندما يحط رحاله عند حضرة الحاج ابو راحات ..وأنت في قلب سوق الخضار ومداخل الملجة من ناحية سوق الجزارين .. والوقت يمضي بسرعة البرق .. نتقلب بين حديث الناس السياسي والذي جله كان يدور حول النميري القائد ..ويا لها من لحظات مضيئة لا تزال تسكن الذاكرة خاصة ونحن حضوراً في دكان محمد سراج وهنالك جوغة من الناس لا يهدأ لهم بال الا وقدموا مرافعتهم ومناكفتهم لعمي يوسف لحاضر اللحظات ومآلات البلد ولا يجد نفسه الا مقدماً تاريخاً طويلاً وعريضاً للراحل نميري .. ولعل السوق كان من أجمل المحطات التي أجد فيها نفسي معه وكم كنت سعيداً بهذا الرفقة والتي تكتمل بإفطار حاشد وحلقة قهوة عتيدة وفخيمة في تلك الراكوبة التي كانت تمثل سمت البيت ونضاره وحلته الباهية حيث لا تنتهي جلستنا إلا بصوت آذان الجمعة الرفيع .. ومنها نلتقي مجدداً في جامع خمسين بيت مرة أخرى على صدى حديث سياسي أخر وقفشات رائعة ..
دمت طيباً متمسكاً بذات الوهج رغم إني أعرف لا تتوفر لك بمسقط رأسك مثل تلك المساحات التي كنت تجد فيها نفسك سعيداً والناس من حولك سعداء.. أعلم بأنك تفتقد مثل هذه الصباحات الجميلة والمشرقة بصوت أهل المصنع ووجوهم النيرة ..كم أشتاق لمثل هذا اليوم الذي كنت أنتظره على أحر من الجمر ..