من هم آل البيت
في حديث الثقلين أن فاطمة وعلي والحسن والحسين هم أهل البيت.
الحمد لله ،،،،
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى في تحديد آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أقوالا ، فمنهم من قال : أن أهل بيت النبي هم أزواجه وذريته وبنو هاشم وبنو عبد المطلب ومواليهم ، ومنهم من قال أن أزواجه ليسوا من أهل بيته ، وقال البعض أنهم قريش ، ومنهم من قال أن آل محمد هم الأتقياء من أمته ، وقال البعض أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميعاً .
أما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فالقول الراجح أنهم يدخلن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم . لقول الله تعالى بعد أن أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . وقول الملائكة لسارة زوج إبراهيم عليه السلام : ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) , ولأنه استثنى امرأة لوط من آل لوط عليه السلام في قوله تعالى : ( إلا آل لوط فإنا لمنجوهم أجمعون * إلا امرأته ) فدل على دخولها في الآل .
فأما دخول أزواجه رضي الله عنهن في آله صلى الله عليه وسلم، فيدل لذلك قول الله عز وجل: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] * ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) [الأحزاب:34].
فإن هذه الآية تدل على دخولهن حتما؛ لأن سياق الآيات قبلها وبعدها خطاب لهن، ولا ينافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم (2424) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]}؛ لأن الآية دالة على دخولهن؛ لكون الخطاب في الآيات لهن، ودخول علي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم في الآية دلت عليه السنة في هذا الحديث، وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدل على قصر أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى، وإنما يدل على أنهم من أخص أقاربه.
ونظير دلالة هذه الآية على دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آله، ودلالة حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم على دخول علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين رضي الله عنهم في آله، نظير ذلك دلالة قول الله عز وجل: ((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)) [التوبة:108] على أن المراد به مسجد قباء، ودلالة السنة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1398) على أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى مسجده صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر هذا التنظير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته (فضل أهل البيت وحقوقهم) (ص:20-21).
وزوجاته صلى الله عليه وسلم داخلات تحت لفظ (الآل)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الصدقة لا تحلُّ لمحمد ولا لآل محمد}، ويدل لذلك أنهن يعطين من الخمس، وأيضا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/214) بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة: [[أن خالد بن سعيد بعث إلى عائشة ببقرة من الصدقة فردتها، وقالت: إنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لنا الصدقة]].
ومما ذكره ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام) (ص: 331- 333) للاحتجاج للقائلين بدخول أزواجه صلى الله عليه وسلم في آل بيته قوله: (قال هؤلاء: وإنما دخل الأزواج في الآل وخصوصاً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالنسب؛ لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرَّمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام النسب، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاه عليهن، ولهذا كان القول الصحيح- وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله- أن الصدقة تحرم عليهن؛ لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع، وآله من كل أوساخ بني آدم.
ويا لله العجب! كيف يدخل أزواجه في قوله صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً}، وقوله في الأضحية: {اللهم هذا عن محمد وآل محمد}، وفي قول عائشة رضي الله عنه: [[ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بر]]، وفي قول المصلي: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)، ولا يدخلن في قوله: {إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد}، مع كونها من أوساخ الناس، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها؟!
فإن قيل: لو كانت الصدقة حراماً عليهن لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم حرمت على مواليهم، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة، وإنما هو تبع لتحريمها عليه صلى الله عليه وسلم، وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به، فهن فرع في هذا التحريم، والتحريم على المولى فرع التحريم على سيده، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم، ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً لم يقوَ ذلك على استتباع مواليهن؛ لأنه فرع عن فرع.
قالوا: وقد قال الله تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)) [الأحزاب:30] وساق الآيات إلى قوله تعالى: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)) [الأحزاب:34]. ثم قال: فدخلن في أهل البيت؛ لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهنَّ، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه، والله أعلم).
ويدل على تحريم الصدقة على موالي بني هاشم ما رواه أبو داود في سننه (1650)، والترمذي (657)، والنسائي (2611) بإسناد صحيح- واللفظ لأبي داود - عن أبي رافع: {أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة}.
وأما آل المطلب فقد جاء في رواية عن الإمام أحمد أنهم منهم وهو قول الإمام الشافعي أيضاً ، وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام مالك أن آل المطلب لا يدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا رواية عن الإمام أحمد أيضاً . والقول الراجح في المسألة أن بنو عبد المطلب من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل ما جاء عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال : " مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ " رواه البخاري برقم 2907 ، والنسائي برقم 4067 وغيرهما .
ويدخل في آل البيت بنو هاشم بن عبد مناف ، وهم آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب . جاء ذلك فيما رواه الإمام أحمد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأُجِيبُ ؛ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ - قَالَ : وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي " فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ : وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ؟ قَالَ : إِنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . قَالَ : وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : " هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ " قَالَ : أَكُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ! قَالَ : نَعَمْ . رواه أحمد برقم 18464 .
وأما الموالي فلما جاء عن مهران مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله عليه وسلم : " إِنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ " رواه أحمد برقم 15152 .
فيصبح آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم : أزواجه وذريته وبنو هاشم وبنو عبد المطلب ومواليهم ، والله تعالى أعلم