الجيش- والترجل

كانت ساعات عصيبة وقوية تلك اللحظات الذي ودع فيها الجيش السوداني منطقة جوبا
ونقل الاستاذ مالك طه الكاتب في جرئدة ( الراي العام)( في تقريره ما هو موصوف في تلك اللحظة)
[[color=darkred]size=18]غادر جنود القوات المسلحة السودانية مدينة جوبا عاصمة الجنوب -وربما غادروا الى الأبد- بعد أن أعلنت الحكومة فض ارتباط القوات المشتركة(المكوّنة من القوات المسلحة والجيش الشعبي) التي كان من المؤمل ان تكون نواة للجيش السوداني اذا صوّت الجنوبيون لصالح الوحدة.
انسرب نبأ المغادرة من بين يدي القائمين على أمر الاخبار عبر وسائل الاعلام فلم يُحسنوا ابرازه، وفات على الصحف ان توثّق الحدث النادر بما يستحق ان يُشحذ له من اقلام وما يرصد له من كاميرات، وانشغلت الكتابات الصحفية عن هذه اللحظة التاريخية بلحظات معادة ومكررة من حياتنا ومن واقعنا السياسي البائس والمأزوم.
الصورة الفوتغرافية الوحيدة التي وثّقت لعملية المغادرة ونشرتها صحيفة الاحداث كانت تضج بالحميمية والالفة لجنود الجيش الشعبي وهم يودعون اخوانهم الشماليين بالابتسامات والاحضان وربما بدموع حبيسة منعها من ان تطفر بعض من مداهنة لنظرية السودان الجديد وشيء من خوف الرصد والوشاية لدى القيادة العليا للجيش الشعبي.
الصورة تقول لك انها عملية وداع لجنود ذاهبون الى مهمة عسكرية في منطقة ما من البلاد، وسيعودون ادراجهم الى زملائهم الذين وقفوا لوداعهم ريثما ينتهون من مهمتهم، او ريثما يتم استبدالهم بآخرين.
لم تكن كل هذه المشاعر الظاهرة والمستترة وليدة فترة الاندماج بين الجيشين التي لم تتعد السنوات الخمس اوالست، ولكنها اختزلت عشرات السنوات، ومئات المواقف، وآلاف اللحظات التي كان فيها الجنوبيون والشماليون يتقاسمون وطنا واحدا، يعيشون فيه، ويتقاتلون فيه ايضا.
رغم قساوة الحرب ومرارة القتال ونظرية الشك التي تجعل الآخر هدفا مشروعا ولا تحسن فيه الظن، فإن كثيرا من العسكريين كانوا يرون في عدد من قادة الجيش الشعبي مجرد(ابن عاق) خرج من طوع وسلطان القوات المسلحة الى الغابة.
علاقة الابوة والبنوة ليست خاضعة للتشكيك في النسب رغم الحرب والقتال، ففي حضن القوات المسلحة مكث زعيم الحركة الشعبية جون قرنق حينا من السنوات (لم يكن فيها شيئا مذكورا)، وفيها ايضا قضى الفريق سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الحالي وقائد الجيش الشعبي وقتا ليس بالقصير(ضمن ضباط الاستخبارات بالقوات المسلحة)، ومنها تخرج الفريق سلفا ماطوك احد كبار القادة العسكريين في ذلك الجيش الذي يحمل صفة شعبي تمييزا له عن الجيش الرسمي.
كان الجنوبيون خلال سنوات الحرب يخرجون من القوات المسلحة ويتمردون عليها ويلتحقون بالجيش الشعبي دون ان يضطروا الى تغيير شيء كثير من العلامات والتكتيك العسكري، كل ما كانوا يغيرونه هو ولاءهم، ورغم التسليم بأن الولاء هو اهم ما لدى الجندي، ولكنه كان على كل حال- حتى قبل اتفاقية نيفاشا- ولاء في اطار الوطن الواحد.
مع انني امعنت النظر في الصورة وثبت عيني فيها لمدة ليست قصيرة، ولكن في مقابل ثبات عيني، طافت افكاري وتدحرجت خواطري الى القرن الماضي وتحديدا الى الخمسينيات منه، وحاولت ان اقارن بينها وبين الصورة الفوتغرافية الشهيرة والمتحركة لقوات الجيش البريطاني وهي تغادر الخرطوم بصورة نهائية على متن قطار كان يقف بالقرب من القيادة العامة، وقد اصطف الجنود البريطانيون في شكل طابور ليغادروا السودان بنظام، غادر هو الآخر معهم وترك لنا الفوضى.
لم تسعفني الصورتان بشيء مشترك، ولم تؤكدان لي ابدا ان الجنوب استقل عن الشمال بمثلما استقل السودان عن بريطانيا، لم تمنحني صورة وداع جنود القوات المسلحة بمدينة جوبا اي ملمح استعماري،بل انني لم اتبين جيدا من واقع التلاقي والاحضان والابتسامات من هم الجنود المغادرون لمدينة جوبا ومن هم الباقون فيها.
ليس انا فقط، بل ان الصورة لا تسعف غلاة الساسة الجنوبيين الذين يصرون على تسمية ما اسفرت عنه نتيجة الاستفتاء بأنه استقلال لجنوب السودان عن شماله، وانها انهت الهيمنة والاستعمار.
ما اقسى هؤلاء الساسة حينما يتبنون مواقف متطرفة يعجز ان يحاكيها المحاربون، رغم ان الحرب هي اقصى اشكال التعبير عن العداء والكراهية.[/size]=green]]
والرسالة الاخيرة لهولاء الساسة الذين لم يملكوا ارادتهم لا محاربين ولا سمالمين ولا يدرون الى اين تتجه المركبة الرسالة هل سوف نرى سودان جنوبيا كما كان يحلم اهل الجنوب به ام كما يحلم الاسياد به

سلامي العميق لك يا اخ اسامه
نعم العين تدمع لفقدان هذا الجزء من الوطن
لكن السوال هل كان هذا الحدث بقصد سياسي داخلي ام بيدي خارجية تعمل منذ فترة لتحقيق هذا الهدف
خاص بعد فقدان الحركة د / جون قرنق هل هذا كان بداية مرحلة جديدة لسودانين شمالي وجنوبي
وهل الحركة فعلا هذا مقصدها بعد رحيل قائدها ام خلف الاكمة ما خلفها لان شعارها ومشروعها كان للسودان ككل.
تحياتي لك اخي اسامه مجددا ونشوف رائك