مصـــائر
قصة قصيرة
أبكر آدم إسماعيل الفتاة.
الشابة الخارجة من نهر الصبا إلى بحر نساء فيها سيتعاقبن، تعبر ظل شجرة
اللالوب، ويتشجر ـ بالظل المخلل بخطوط ضوء شمس الضحى ـ بنطالها التريفيرا السماوي،
وفستانها القصير المحزق. ساعداها عاريان. وشعرها الممشط كحقل، معفيّ من طرحتها
المدرسية "البيضاء المكوية" التي ترقد بجوار أصدقائها الآخرين استعداداً لصباح
قادم.
وتحت شجرة السوق الكبيرة، يراقب النشال جيب
الرجل الذي على وشك أن يشتري بطيخة، وتاجر البطيخ يفصّل في تواريخ بطيخه ويحلف
بالطلاق وببركة الجمعة المجموعة.
ربما يقصد المغني الفتاة، الشابة، وهو يغني
للورد والنجوم. وهي، الفتاة الشابة، اشتمت رائحة المحلب من مضارب الريح ولم تسمع
"حسيس الناقة" ولكنها تذكرت الولد الشاب، الذي نظر إلى عينيها قبل أن يعيد الكرة
إلى الميدان الذي كانوا فيه يلعبون في عشية اليوم الذي مضى، اليوم الذي "تبيع فيه
قيمصك"! فأصابتها الرجفة وسكنتها هواجس الأسرار. وتذكرت أنها نسيت أن تبتاع لوازمها
الأنثوية التي كانت من فرط جدتها عليها أنها تقف ـ هكذا ـ على بوابة
النسيان.
صحي؟!؛
إتغيرت إنت خلاص؟!؛
نسيت العشرة يا سيد قلبي والإخلاص؟!؛
وغنَّى المدرِّس، معاضدا صوت المغني. والولد
الشاب، الذي كان قطف النبقة من أمها الشجرة قد تذكر عيني الفتاة
الشابة.
قالت الفتاة الشابة لنفسها: "يا لهذه الأشياء
اللعينة، إذن سأعود مرة أخرى إلى السوق، سأقطع ثلاثة أرباع المسافة مرة أخرى جيئة
وذهابا..."؛ ولكن حدسها قال لها أن هذا النهار سيسكن أجمل دفاتر ذكرياتها،
فعادت.
ترك الرجل أشياءه وبطيخته التي ابتاعها عند
تاجر البطيخ وعاد إلى الدكان ليشتري النفثالينة التي أوصته بها زوجته.
وفي طريق عودتها إلى السوق، إلتقت الفتاة
الشابة ببائع النبق، فحياها: "نبق يا نبق" وتبرع لها بخمشة، فتبسمت، وابتسم الطائر
الذي كان يجلس على حافة سقف المبنى المجاور! كان الطائر قد رأى لحظة لم تحدث
بعد!
قال الأستاذ، المشرف على الرحلة المدرسية، في
تلك الغابة المدارية، التي ترقد وراء المدينة، للولد الشاب؛
ـ بتحب أغاني زيدان؟
ـ أيوة!
ـ أكتر واحدة فيهم؟
ابتسم الولد الشاب ورد؛
ـ "عشان خاطر عيون حلوين"..
ـ الله عليك!!
وضحكا وتصافحا أمام الشمس.
كان صاحب الدكان يبحث عن النفثالينة في ركام
الكائنات الكنتينية، والنشال يبحث عن حافظة الرجل والفتاة الشابة تنتظر
دورها؛
نظرت الفتاة بعينيها البريئتين ورأت يد
النشال!
صرخت مفجوعة؛
ـ الحراميييي!!؛
نادى المدرس الطلاب للإنتظام لبدء برنامج
الرحلة فتجمهروا، ولكن لما اجتمعوا لم يكن بينهم الولد الشاب! الذي كان لحظتها يمر
من خلف المباني الحكومية الصامتة، صوب وجهة ساقه إليها حدسه؛
في طريق الفرار، تعثر النشال وسقط، فألقى مساعد
الجزار (ذو الفأس الكبير) القبض عليه!!!
وقفت الفتاة، بعد أن اشترت أشيائها الأنثوية،
تنظر إلى مآل النشال بعينيها البريئتين نفسهما، فشتلت براءتهما أزهار الإشفاق
عليه، وأحس قلب الفتاة النظيف
بالندم!
وكان تاجر البطيخ قد قام باستبدال البطيخة التي
باعها للرجل بأخرى!
إقترب الولد الشاب من الطاحونة التي يجاورها
دكان العجلاتي..
وكانت الفتاة ـ وهي في طريق عودتها من العودة ـ
قد اقتربت من المبنى الذي يجلس على حافته الطائر ويراقب أنواع الحبوب الشهية (التي
تدخل إلى الطاحونة وتلقى حتفها هناك)، وأفاعيل العجلاتي ويغني: " يا أذان الجمعة ما
تسرع" ـ وكانت تستعيد في ذهنها قصة
النشال، لتحكيها لأمها تجنبا لأسئلة التأخير وهي ترتب في فمها طعم
النبقات؛
عند المنعطف، وهي تتجاوز النصب الأسمنتي،
داهمها الحنين إلى شيء ما، وكانت في يدها آخر نبقة.
تلعثمت خطى الولد الشاب وارتبكت تفاصيل الحنين
في خاطر الفتاة الشابة.
كرر الطائر إبتسامته القديمة، فصارت ثالثة
الأشياء الجميلة في ذلك الطقس الضحوي!
ـ إزيك...
ـ أهلا..
ـ ..........
ـ .........
تبرعت بالمضي باللحظة إلى الأمام؛
ـ إسمك (......) مش كدة؟
ـ أيوة! لكن القال ليك منو؟
ردت وهي تعلن اعتزازها بصدرها؛
ـ صاحبتي؛
ـ كويس، وإنتي إسمك (.......) مش
كدة؟
ـ أيوة، لكن إنت القال ليك منو؟
ـ عرفتو براي..
أعجبها الرد فابتسمت وأغمضت عينيها وهزت رأسها
معلنة بديهة الفرح؛
ـ ............
ـ ............
=هاك/هاكي
في لحظة واحدة مد كل منهما يده إلى الآخر
ليمنحه النبقة التي كانت معه!!
فضحك الطائر وضرب بجناحيه في الفضاء وطار
وتحولت ضحكته إلى سيمفونية في مشرع نهار آخر!!!