حنان عليكو.. زهرة وأيقونة التطوع
الحزن احساس لا يستطيع الأنسان أن يتخيره ويتخطاه ويعبر منه إلى منطقة الفرح.. فالحزن كائن له هيبته وقدره مما يجبرك على احترامه.. ولا تملك معه غير أن تطوي صفحات فرحك حين يباغتك حزن غاشم يزلزل أركان قلبك ويهدها وبذلك تنزوي وسط سحابات الدموع وتمضي بعيداً لأن ما بك يكفي ولا يحتمل زيادة وإلى أن تنقشع تلك العتمة تموت أنت من الألم لفقد عزيز غال..
خاصة عندما يكون الفقد بعظمة شخصية إنسانية وافر عظم مساهمتها في العمل العام والتطوعي عبر محيط حياتنا وأيامنا الجميلة.. شخصية نادرة على طريقتها في العمل وتحمل الصعاب بصبر منقطع النظير.. شخصية تركت انطباعاً جميلاً مقيماً في نفس كل من عمل معها وفي وجوه كل أطفال مصنع سكر حلفا الجديدة ذات يوم وحتى يوم فاجعة رحيلها المرٌّ فجر الأثنين الموافق 8 يوليو 2013..
حنان عليكو كانت كالنسمة والفراشة عندما تدخل بيوت أهلنا بالمصنع بجلال صمتها وهدوءها وأدبها وخلقها الرفيع.. ما زلت عندي هى حنان عليكو الانسانة الجميلة والشغوفة بعمل الخير والانشغال به لدرجة ان تنسى نفسها وهى في معمعته وتعبه.. فكانت دليلنا وهادينا وحادي ركبنا ضمن مجموعة كبيرة قامت بعبء العمل في حملات التطعيم المستديمة والموسمية.. جبنا فيها سهول وحقول المصنع والتي ترقد على جنباتها القرى الزراعية ومدينة المصنع من بيت إلى بيت دون كلل ولا ملل في صبر وتحمل..
سيذكرها المصنع وأطفاله بالخير والحب وبأعلى مما قدمته للعشيرة والقبيلة الواحدة ولن ينساها الناس فهى التي صنعت في حياتهم البلسم وغرست رياحين العافية وياسمين النضار فكانت شمعة تضيء وتحترق من أجل المصنع..
ما قدمته للمصنع من خير وجهد متصل بنكران ذات وصلابة في مجال العمل العام كان كبيراً بمفاهيم العمل التطوعي وقتذاك فقد كانت شعلة متوهجة من النشاط والحراك لم تتقاعس يوماً عن أداء واجبها تجاه المصنع بصبر وحلم جميل..
ونهضت الفقيدة حنان بدور عظيم ومتشعب من خلال عملها الدؤوب والمتفاني حتى توشحت بمثال ونموذج العمل الطوعي العارف لواجبه في مجال الحقل الصحي، فكانت زهرة نضيرة وباسمة وندية تمشي بين الناس بقامتها المديدة وصمتها النبيل وحبها واخلاصها للعمل بجد واجتهاد في كل حملات التطعيم المختلفة وعلى وجه الخصوص التطعيم ضد امراض الطفولة في مدينة المصنع وكل القري الزراعية التابعة لمشروع سكر حلفا الجديدة..
وما طفقت تمد من روحها وجسدها وانسانيتها الباذخة فيما يليق بأنسان وهموم المصنع في وسامة صمت مهيب ومرهون بزينة ووضوح وابتسامة حرى بنا أن نستثمره في تنشئة أفراد المجتمع على حب العمل التطوعي كحالة أمنا الراحلة؛ محاسن المرشدة رحمة الله عليها.
وهذا ما توافر للمصنع من حسن الظن والحظ.. طليعة تقود طليعة وتتمسك بعروة نبتها الضارب في عميق الأرض كمنهل عذب يروي غور الحقول وأفئدة الناس؛ كبارهم وصغارهم دون تراتبية وظيفية تنوء بحملها مؤسسة السكر لوحدها بل يقوم بها نشاط شريحة واسعة تقدس ثقافة التطوع وتحملها بين ضلوعها كأيقونة وشارة مرور تنضح بعافية المجتمع..
حنان عليكو رحمة الله عليها واحدة من غمار الناس.. اتصلت بهم وعبأت ذاكرتها وعضدها بلقاح معرفة أين تضع يدها على جرح المجتمع حتى ينهض معافئ ويقوم بواجبه دون وجل وتمضي سيرة الحياة دون انقطاع لحبلها السري وبهذا أرست قيم أدب جديد لأجيال معاصرة وأخرى في رحم الغيب تنتظر خلاصها من دفاترها الوضيئة..
طيلة معرفتنا بها في أرخبيل العمل التطوعي لم نر منها غير دفق الأمل والصبر على المكاره والمضي قدماً في كل عمل يهم المصنع.. فهى كانت به دبيرة ومخلصة وفاعلة وقديرة.. فهمتها موصولة بالناس أينما كانوا في تلك الدروب التي مشتها دون من وأذى بزاد الحب والايمان والاخلاص.. وفي سبيل كل ذلك لم تفكر في أن تتقاضى شيئاً يوازي تعبها المديد، فكان عملها لوجه الله تعالى تبتغي منه عون المجتمع ورفد فاتورة محبته العظيمة..
هذه هى حنان التي اختطت طريقاً مختلفاً ومحفوفاً بالمخاطر وحقلاً ممتليء بالرهق لم تركن إلى الراحة بل مدت يد العون وفتحت باب دار أبيها الشهم لجل شغيلة العمل التطوعي شأنها كرفيقاتها وزهرات فرع الهلال الأحمر بالمصنع.. وفي ذلك البيت قدمت كامل استطاعتها الكبيرة وخدمتها الجليلة، فحولت ثقافة العمل العام الى واقع مملوس يمشي بين الناس بالمودة والحب وربطته بحيوات الناس الاجتماعية.. ولا يذكر دارها العامر الا بالخير والصلاح.. فكنا عندما نتنادى ونتسامر في أمر حملة، وتنقصنا الامكانيات لأكمال مهامنا، نجدها سباقة في رفع الكلفة بأناقة باهرة وبقلب مفتوح وأبيض نقيء السريرة.. ودون أن نشعر كلنا نمد هتافنا إلى السماء بصوت واحد مجلجل: "الله عليك يا حنان عليكو".. سرعان ما تغيب وتأتي بما نطلبه.. حتى في كثيرة من الأحيان تقدم وتبذل نفسها بمهمة القيام بكل شيء من مستلزمات الحملة وتقسم على نفسها بدون تكلف وكبرياء زائف.. فكانت رفيدة وفاضلة وكريمة وأبية وخلوقة فنزرت نفسها للمصنع فأوفت في أجمل ما يكون..
أعرف الآن إن حسنية وفتحية وغادة وامنة وحاتم وعلى ونزار وناهد والطيب ونفيسة وزكريا وتيسير ومدثر وغيرهم من تلك السواعد التي وطدت ثقافة العمل التطوعي في المجال الصحي يلوذون بصمت جلل في محراب العزاء الكبير بقرب أمنا الوفية عائشة عليكو.. فالمهمة عسيرة لن يكف تساب دموعهم عن المسير والهطول فحنان عليكو تعني عندهم كل شيء مثلما كانت هى نبراس يضئ عتمة مشقتهم ودروبهم الوعرة في تلك الأيام.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. ويفتقدك اليوم المصنع كله يا حنان مثلنا نحن تماماً..
إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك يا حنان لمحزونون.. اللهم أغفر لها وأرحمها وعافيها واعفوا عنها, وأكرم نزلها ووسع مدخلها وأغسلها بالماء والثلج والبرد, ونقهِا من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضُ من الدنس, اللهم أوسع عليهِا قبرها, وأفرش قبرها من فراش الجنة, اللهم أجعل قبرها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرةً من حفر النارِ يا رب العالمين, اللهم أبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من أهلها, وأدخلها الجنة وأعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار..
اللهم ابدلها دارا خيرا من دارها واهلا خيرا من اهلها وادخلها الجنة واعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار. اللهم اجزها عن الاحسان إحسانا وعن الأساءة عفواً وغفراناً. اللهـم ادخلها الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب. اللهـم اّنسها في وحدتها وفي وحشتها وفي غربتها. اللهم انزلها منزلاً مباركا وانت خير المنزلين اللهم انزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة, ولا تجعله حفرة من حفر النار. اللهم افسح لها في قبره مد بصرها وافرش قبرها من فراش الجنة.
اللهم املأ قبرها بالرضا والنور والفسحة والسرور. اللهم إنها فى ذمتك وحبل جوارك فقها فتنة القبر وعذاب النار, وانت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها انك انت الغفور الرحيم. اللهم انه كانت تشهد أنك لا إله الا انت وأن محمداً عبدك ورسولك وانت اعلم بها. اللهم ثبتها عند السؤال. اللهم انا نتوسل بك اليك ونقسم بك عليك ان ترحمها ولا تعذبها. اللهم انقلها من مواطن الدود وضيق اللحود إلي جنات الخلود. اللهم إحمها تحت الارض واسترها يوم العرض ولا تخزها يوم يبعثون "يوم لا ينفع مال ولا بنون إالا من أتي الله بقلب سليم".
اللهم يمن كتابها ويسر حسابها وثقل بالحسنات ميزانها وثبت علي الصراط اقدامها واسكنها في اعلي الجنات بجوار حبيبك ومصطفاك (صلي الله عليه وسلم). اللهم اّمنها من فزع يوم القيامة ومن هول يوم القيامة وأجعل نفسها أّمنة مطمئنة ولقنها حجتها .
اللهم اجعلها في بطن القبر مطمئنة وعند قيام الاشهاد أمنة وبجود رضوانك واثقة وإلي أعلي درجاتك سابقة. اللهم اجعل عن يمينها نوراً حتي تبعثها اّمنة مطمئنة في نور من نورك. اللهم انظر اليها نظرة رضا فإن من تنظر إليه نظرة رضا لا تعذبه ابداً. اللهم أسكنها فسيح الجنان واغفر لها يارحمن وارحم يارحيم وتجاوز عما تعلم ياعليم. اللهم اعفو عنها فإنك القائل "ويعفو عن كثير". اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء فارحمها رحمة تطمئن بها نفسها وتقر بها عينها. اللهم احشرها مع المتقين إلي الرحمن وفداً. اللهم احشرها مع اصحاب اليمين واجعل تحيتها سلام لك من أصحاب اليمين. اللهم بشرها بقولك "كلوا واشربوا هنئياً بما أسلفتم في الايام الخالية. اللهم اجعلها من الذين سعدوا في الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض.
اللهم شفع فيها نبينا ومصطفاك واحشرها تحت لوائه واسقها من يده الشريفة شربة هنيئة لا تظمأ بعدها ابداُُ. اللهم اجعلها في جنة الخلد التي وعد المتقون كانت جزاءً ومصيراُ لهم ما يشاءون وكان علي ربك وعداُ ومسئولاً. اللهم انها كانت مصلية لك, فثبتها علي الصراط يوم تزل الاقدام .اللهم انها كانت صائمة لك, فأدخلها الجنة من باب الريان. اللهم ارزقها بكل حرف في القراّن حلاوة, وبكل كلمة كرامة وبكل اّية سعادة وبكل سورة سلامة وبكل جْزءٍ جَزاءً. اللهم ارحمها فانها كانت مسلمة واغفر لها فانها كانت مؤمنة. وادخلها الجنة فانها كانت بنبيك مصدقة وسامحها فانها كانت لكتابك مرتلة.
اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذَكّرنَا وأنثانا. اللهم من أحييته منا فأحيه علي الاسلام ومن توفيته منا فتوفه علي الايمان.
اللهم انزل علي اهلها الصبر والسلوان وارضهم بقضائك. اللهم ثبتهم علي القول الثابت في الحياه الدنيا وفي الاخره ويوم يقوم الاشهاد. اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اّله وصحبه وسلم إلي يوم الدين.