منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل المصنع     مجموعة الفيس بوك

اهلا وسهلا بناس المصنع عزيزى العضو فى منتدى مصنع سكر حلفا الجديدة تفضل بالدخول الي المنتدي واذا ما مسجل معانا تكرم بالتسجيل والتمتع معنا ولقاء الاحبة والاخوان ومن فرّقتك عنهم طرق الحياةولو ما عارف كيف تسجل في المنتدي فقط إضغط زر ( تسجيل ) واتبع الخطوات ,واحدة واحدة,(الادارة بتفعل حسابك )

 

 قصباية في الترلاية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

قصباية في الترلاية Empty
مُساهمةموضوع: قصباية في الترلاية   قصباية في الترلاية Emptyالسبت 05 أبريل 2014, 9:11 pm

[rtl]قصابية في الترلاية!
هذا قصب السكر الذي أقدر. وحين يكون الأحترام والتقدير لنبتة خضراء في عرف الريفي تنهزم كل رزائل الشح والتقتير، والبدوي بطبعه لا يعرف الشظف ولا أبوابه الكبيرة.
وعندما يعطيك أحد هدية لا تتجاوز في حجمها عود قصب من السكر تشعر بامتنان عظيم لهذا الشخص الذي خصك بشيء له وزن مقدر عند أهل البلد كلها.. والقصبة في المصنع رمز للتسامح والأنس الشفيف وعربون إخاء قاطع غير قابل للرد، وصك رجولة يمشي بين أعراف المجتمع.
هكذا كنا نقدم لبعضنا تلك الهدايا البسيطة وغير المكلفة رغم شغفنا وجنوننا بالقصب وقتذاك إذ لا يمكن لك التنازل بكل سهولة عن عود قصب ذابل مهما كان مقدار التضحية.. انسربنا في علاقات متينة من خلال أعواد قصب السكر المتوفرة على شارع الترلات الرئيس بالبلد. خبط عشواء كل ذلك يجري بكل أريحية وعن طيب خاطر يخضع للرغبة في التفان والإخلاص.
فالقصب شعار لكل شيء كنا نراه كل يوم منذ صباحنا الباكر حتى المساءات المتأخرة التي نعقد فيها جلسات سمرنا الممتدة إلى الساعات الأولى من الصباح.. وما أروع حين يتشكل وعيك بقلم عود أخضر تختم به مأدبة أنسك كل يوم وتفتح به شهيتك عند كل صباح تقفز فيه إلى الحياة بقلب أسمر نابض.
لا يمكن لنا أن ننسى تلك الأعواد المحروقة والخضراء على السواء.. حيث من السهل تذكر تفاصل كل قصبة ولونها ومدى فائدتها الغذائية ومتى تغير طعمها.. وقد تتسلق بنكهتها وحجمها إلى أرض الحقل الذي كان عرش مملكتها قبل اقتلاعها أو جزها.. ومن السهولة أيضاً أن تقف على جودة القصبة من النظرة الأولى وتكتفي بذلك ككفاية عين الرجل من الأنثى في مظانها الشرعية.. ولكن هل نكتفي نحن معظم المصنعجية: قبيلة السكر بالنظرة الأولى إلى القصباية؟
و(القصباية في الترلاية) حكاية أمثولة تضاهي طعم مذاق حلاوة قصب السكر حين تظفر بقصبة محروقة وانت متوهط منتصف شارع الترلات العريق.. ويا حبذا لو كنت سمعتها حينئذ طازجة من سيد شباب السادة البرهانية الجميل شمس الدين محمد محمد عثمان يعقوب.
كان يوما عاديا من أيام السكر الرائعة والمشحونة بدخان المصنع والبقاس والحريق وأنفاس الناس البسطاء وذلك التراب الذي يملأ كل فج في البلد. تصادف فيه أن شمس الدين وقتها صغيرا في السن أو فنقل على وجه الدقة صبياً ينسف كوارع عمي مالك الجزار بسوق المصنع حين يطبخها في مطبخ زاوية السادة البرهانية.
التقى شمس الدين بنواح أحياء الموظفين وتقريبا (البيوت الكبيرة) طفلاً مولعاً بقصب السكر ورائحته كحال معظم أهل المصنع.
ألح الطفل في الحضور أمام مسرح القصبة المهيب وسأل بكل براءة الأطفال وبصوت خفيض أعرفه: شمس الدين اديني قصباية؟
وشمس في غلوه وتطرفه فيما يمس كل حقل قصبه المحروق..
قال بصدق كعادته في ردوده المفحمة: قصباية في الترلاية!
رد بمنتهي الاختصار والسخرية أبكي قلب ذلك الطفل الصغير الذي غادر على حزن متقد في عينيه الصغيرتين ويبدو قد حكى لأهله أو لأبيه الذي أعرفه على كفافه وصبره الكبير فقد كان رجلاً فارعاً كأعواد قصب السكر في الحقول يسد ثلمة بكل إخلاص من أجل حفنة جنيهات.
وفي عيني الطفل غابت البسمة والبشارة ولاحت في أفقه حسرة.
لكن عشق شمس الدين للقصبة حد التيه كان أكبر من كل رغبة ومن كل تبرع وكرم وقتها لذا لا يمكن له أن يجامل في مثل هكذا موقف وكلنا كنا مثله ذات يوم.. وبين يدى رغبة تملك القصبة غاب شمس الدين في ضلاله وولعه بذلك العود الفارع والناعم الملمس.
فى هذه اللحظات من الوله والاشتهاء لفص من قصب السكر يغضب الناس إذا لم يجدوا أحداً لم يقدم لهم ذلك الحق المعلوم في عرف المجتمع الذي اعتنى بقيم الكرم وغيرها من المثل التي تواضع عليها الناس حتى ساعة الناس هذه.
ومثل القصب معيار قيم. فقد إتخذه الناس ميزانا يقسط كيل علاقاتهم بين الرزق الأوفر والحياة الأيسر حين ترعرعوا بين أكناف المصنع وسكبوا عرقهم وسقوا به حقول القصب بكل أريحية وإلفة.
والقصب بادلهم المحبة وكذلك الأرض الطيبة؛ مصنع سكر حلفا الجديدة.
كل عام وأنتم بخير وفي أياديكم قصبة خضراء من حقولنا الخصبة لا يحول بين إشتهائها شيئاً.[/rtl]


[rtl]قصباية في الترلاية 2i2bg4i
[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

قصباية في الترلاية Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصباية في الترلاية   قصباية في الترلاية Emptyالأربعاء 09 أبريل 2014, 11:02 pm

سمر أخضر في حضرة قصب السكر!
لقصب السكر حظ في الزمان والمكان يستوي ويتساوى بأرواح وأجساد الناس سواء، يبدأ منذ عزيق الأرض ولحظة الميلاد الأولى حتى المثوى الأخير مرورا بالعصير الطاعم.
والقصبة منذ نشأتها الأولى تصارع الحياة بأَناةٍ وصبر وتمهُّل لسنوات تطول في الحقل.. تنحني للريح تارة وتقترب من الأرض، وتارة أخرى تنهض مشرئبة إلى سماء المصنع الحالمة بكل وداعة.
وتبدأ عُقل التقاوي في النضوج من خلال براعم روحها المتفتقة.. عام كامل تقريبا أو أكثر من ذلك حسب النوع حتى تكتمل دورة حياتها في علو وانخفاض مجهدة للتربة بتوزعها الكبير والدقيق كحال النجيل لذا هذا العم‍لاق حق‍ا ضمن النجيليّ‍ات يمكث في الأرض زمنا يوازيه محصول وافر من العيدان والأوراق‏.
والاتبرواي وفيا في مهمة دفقه والتربة غنية بكل العناصر المهمة لكائن أخضر لا يعيش أكثر من خمسة أعوام في حقول المشروع.. ما بين قصب غرس، وخلفة أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة. 
والأوراق مصنع للسكر حيث يصنع بكميات هائلة تنسرب وتتدفق كسائل حلو المذاق إلى سيقان القصب الليفية؛ الشهية المضغ، وتبقى حية وطازجة إلى حين دخولها جوف تروس العصارات الآلية بمصنع السكر.. وعمي عوض حسن أبوسوقي كان وكيلا بإقتدار وإخلاص منقطع النظير وشاهد عصر أمين.
إن الأوراق الخضراء حالة من السماح والإنشراح تمتد بأركان الحقول كأسراب اليمام والطير الخضاري.. كثيفة للحد الذي تصبح فيه اختبار مخيف  للعابر بين أصوات الحفيف حينا والصمت المطلق حينا آخر.. تتراءى أشباح وخيالات من صور الخوف وتتكدس في المكان، ويموج في جوفها الريح والقوارض والثعابين والحشرات والطيور الكاسرة والذئاب والكلاب المتوحشة والرعب الكبير.
يختفى الجذع في جوف الأرض، ويصيب الأصل بالانفصال، ولكنه يفوض أمره لله ويعود أجمة تملأ النفس بالسرور.. وتغيب في لهيب النار وجوعها وفحيحها في صعود التضحيات وتعود محترقة ومن ثم متهشمة تتوزع في الأواني الكبار.. رويدا رويدا ما بين درجات الغليان والحرارة المنخفضة وفق قوانين الكيمياء.. صعدت وصعدت كالبخار بنواح المراجل البخارية وعادت لنا سكر وسكر.
ومدهش  طقس النار في حق‍ل قصب الس‍ك‍ر الن‍اضج.‏ وفي غض‍ون ث‍وانٍ،‏ تجت‍اح الني‍ران الحق‍ل الصغي‍ر وتتص‍اع‍د ألسنته‍ا في سم‍اء الأصيل.‏ وفي المساء الباكر يبدأ صهيل النار بالشهيق وسرعان ما يمتد اللهب شاقا عنان السماء في منظر بديع مخلفا سحبا من الدخان والرماد الأسود الناتج من أوراق القصب.. نسميه البقاس وهو صاحب بأس وقلق عند فتيات المصنع حين يفتقدن بسببه بوصلة نظام النظافة في حضوره الصباحي المفاجيء والمسائي الباهي كقوس قزح يوزع فرحه حتى للبعيد عن المصنع ويسافر إلى بيوت حلفا الجديدة وبعض قرى الإسكان.
والقصبة تضحي بكل عمرها من أجل حفنة حبيبات من السكر حين تجز في غفلة بعد أن تجمرها النار الملتهبة.. النار التي نسمع لها أصوات موحشة كشهيق جهنم الذي حدثتنا عنه الكتب.. أصوات وحشرجات الموت التي تقتل خضرة القصبة إلى الأبد.. والموت الذي يلاحق كل المخلوقات التي تتخذ منه وكرا وما أتعس منظرها في لحظات الفرار من الموت.. ومع ذلك تتوهج القصبة شبقة ومزدهية بالحياة من جديد.. ولا شيء ينجيها من النار إلا حص‍اد قصب الس‍ك‍ر الأخض‍ر.‏. وهذا زمان قد أتى الآن بتسنم الحاصدة الآلية الكثير من مقام كل منازل حصاد القصب. 
ورائعة تلك الفتاة التي تغرس فسائل القصب في رقة وخشوع وتبتل على محيط الحقل في أزمنة الغيط المستيقظة على عافية السماء.. وما أجمل ذلك الذي يمضي بمحاذاة السرابات ليجزل العطاء ويتعهد جذع القصب بالرعاية حتى يطمئن قلبه بأن الفتاة وسدته رحم الأرض التي ستنجب غابات من عيدان قصب السكر. وهنا استحضر جهد عمي المرحوم عبد القادر مختار أبوقصيصة بين أوائل الزراعيين الذين قدموا خدمتهم بولاء لإثراء المشروع وتأسيسه.
فتيان وفتيات يملأون جسد الأرض ويتفرسونها بالتزامهم ويقينهم البالغ النصاب.. جلبة وغناء يصعد إلى حلق السماء منذ الصباح الباكر تبدأ من مكان إنتظار عربة اللوري.. قد يكون ود أبكر أو غيره وكلهم جنود منتمون للأرض الطيبة في رباطة جأشهم يتمترسون خلف عقيدتهم وايمانهم الصادق تحت قبة المصنع ضمن شغيلة كل السكر.
وأرى هناك من يهتف بمِلْءُ رئيتيه ذهبا وإخضرارا.. ويشير إلى اليمين وإلى اليسار، ويفرد أشرعته للريح ورقعة الجغرافيا الممتدة على امتداد 22 ألف فدان من التربة الصالحة والخصبة لإنتاجٍ لا يتوقف كما شهيق وزفير أنفاس خلق الله حتى قيام الساعة.. وصرير الآلات لن توقفه ظنون وتهافت حانوتي الصراع السياسي طالما جزور القصب تنبض بالحياة.
والأماكن كلها بما فيها كمبو الأشغال بالمدينة مهد شغيلة عمال الزراعة تفرهد بحضورهم الباكر كل يوم من أيام الزراعة الجديدة.. صبيان كعطر الباشندي وصبايا كوجه القمر يتنسمون عبق النسيم المار وهم في دندنات العشق الأولى والأبدي لوطنهم الصغير.. والنساء الشاهقات نزلن سراعا وخفافا كالضوء الشفيف إلى جنبات الأرض يقدمن حدود مساهمتهن، وهن الدليل والرعيل الأول لشتول القصب.. نساء في أثواب تهفهف ترحيبا بمقدم البشريات والأماني العذبة يقالدن حبيبات الماء وقشور جذوع القصب على طهر باين ونقاء يملأ القلب بأنفاس الرحمن وفجره الضاحك الذي ننتظره على أحر من الجمر.. وهنَّ في عصب العمل تداهمهن عصارة الطلق الذي يتحول إلى مخاض ومولد طفل غرير بين الحقول، ورغم الوجع والألم يواصلن شقاء العمل وتعبه إلى نهاية اليومية.
والجبل سادر في علوه غير هياب يراقب المشهد ويمنح الجميع مزيداً من الثبات والحضور الجليل.. والجبل الآخر على المسافة نفسها يوزع نضارته وإشراق وجهه الصلد كأروع ما يكون المراقب لذاته قبل الآخرين في الحضور والانصراف ودفق ماء الحياة بين صلب الحقول.
وابناء الجبل والبيوت العشبية كٌثر في ملاواة الريح وتصاريف القدر وطنين ولسع الناموس وحشرات الليل وهوام الخلاء وديدان الأرض والماء وقساوة الطبيعة والتوزيع الجائر لفائض قيمة السكر.
وللريش حكاية لا تنتهي عند عيد بامسيكا المغرم بريش المدينة والخلاء.. وفي المساء موعده الضرورة ومناورة طي سجل النهار استعدادا لليل يهدر فيه بشدة خوار الماشية وربما تقوده خطاها حتى ام رهو ومنتهى هياج ساسريب الشوق.. والحنين لا يتوقف حين يدلف إلى فروة ريشه المختون بساطور لامع ومشحوذ على حد حجر العشق غير المحدود.
ويستقيم الريش كلما عبثت به خصل الزقاقات التي تداعب وتلثم كل عود على حدة وتمنحه عن عمد أيقونة الغي وتعمده على بركة تمائم الشجن وبزوغ قمر العشوق.. وخصل الليل أطول قامة في نواح زرائب البقارة.. والغنامة محرومون وكذلك الأبالة قليلي الحظ من نعمة مائدة ختان القصباية.. ولعيدنا حظ مباح ينتبذ ربذة رحيق مسام الحريق في أوان سيرته الأولى مع البشاشات الناعمة بين غيم الدخان وسطوة النار التي تلجم كل حيات المصنع على مضض فرح الحريق وحزن الأخضر.
ولمواسم خمسة تزف حبيبتنا على ريق ندى الصباحات وسط ضجيج وحماسة جنقو الروح وملح الأرض وتباشير الأشواق والصيحات المحمدية بفعل قديم وضع وشمه رعيل وطني نقي ورحل على راحة.. وغيرهم فشل في إضفاء واضافة بهاره الخاص إذ جعلوا محور تفكيرهم النزق زفها لأجنبي بتراب الفلوس بدلاً عن استحداث نمط جديد يليق بالأخضر.
وعمي عبد الرؤوف شاهد على كل ما يملكون من خير الدنيا إذ كان يحمل زكائب أرباح (الكتكو) على مهل الحصاد الأخير.. وتلك السراويل المزركشة والقمصان التي تهتز لها مشاعر الصبايا وهم في صفوفهم متراصين على دراجاتهم الرالي أو الفونكس أو الهيرو أو الفليبس المزدوجة ضد القبح وكل ألوان الزيف والعبث، وغناء مذياعهم يعطر أرجاء كل بقعة بالمصنع.
ولونوا الأرض وكسوها رونقا، كما عبوا السماء بهتاف جلالاتهم المهيبة والتي لا تزال تصعد كل يوم إلى أعلى قامة أعواد القصب في تضام لا يعرف النشاز.. وحضورهم عيد الحقول وغيابهم ترح التربة والماء واب سبعين واب عشرين وابو ستة حتى السرابة تشكي لجحور الأرض مر بعدهم.. هم يعودون عند كل إنعطافة في مطامير السكر كمواسم السمبر وطير الرهو في تتابع الفصول.
والخيمة رهان قرارهم وحدود مملكتهم.. ترتخي فيها أجسادهم برفق وتتصاعد فيها ثرثراتهم الصبية والخجولة بهمس المقطوعية التي تكتمل بإيقاع متعدد وعلى لحن فريد كما غناء دباس الحبيبة.
والغناء يختلط في أيادي عمال السكب ويحيل المشهد إلى حالة منسجمة مع سيل العرق المتصبب والمتسرب ببطء بين عروق الحقل الذي يتنفس بدقة العمل البالغة واستقامة سيقان القصب المنتصبة.. والسواطير تغذ الخطى في سعيها الدؤوب وتهوي بالضرب السديد والأيادي تتشابك وتشد كيمان سيقان القصب في صفوف منتظمة ومستقيمة كإستقامة العمال في نيل رزقهم الحلال من الكجيك.
والقصب ممدود على مسرح الحقول بلا رقيب ينتظر من يحمله على دعة من اتساع الطريق أو ضيقه كلما مر عبر بيوت السكة الحديد جوار رى الحبائب وعيال أمي مستورة ونفيسة وفريال في إصطفافهم وهم يلوحون بالبشارات المجيدة لقصبة تسقط عنوة إرضاءً لنزوة العشق الحلال.. وقصبة واحدة لا تكفي والقسمة ضيزي في حضور الكبار.. ويا الله عمي جابر الكسور والأنات ينهي كل إنفلات شبق يصدر من العتاولة.. وينال صغيرهم حظه بقيمة وجوده وإنسانيته.
والرحلة قديمة وعديدة المسارب والمنافذ... شارع الترلات الرئيسي سيد شوارع البلد جلها على عظمة يسترخي ولا يعرف الغفوة..
كلنا نحتشد في صباحات ومساءات البلد.. صديقي ورفيق دروبي أمير عثمان سيد وعاشق القصب لا يجامل ولا يداهن حين تلوح أمام عينيه قصبة أياً كان نوعها وكان شرساً ومفتوناً بمضغ ليف القصب.. العابرون إلى الورديات والقادمون من مراجعة دروسهم وحصصهم والهاربون من حصة الاعراب أو التسميع أو تهجيء كلمات الفرنجة.
والعظماء في سيرهم اليومي لا يغيبون كتراب الشارع وغباره النقي السريرة؛ قوني وهج ذلك الحضور المرتب، رهيفا وخفيفا كريشة القصبة حينما تحملها رياح اللقاح عند كل صباح مشرق على ثقة الملوك وضبط عقارب الساعة ومنبه صافرات المصنع الذي يضبط كل شيء في البلد بوقت معلوم لا يتجاوزه أحد ولن يستطيع ولو تجاسر حتى شاى الصباح نشربه على أيقاع صوته الضاج. 
وعمي انقنق خضراء دمن الدرب بحديثه المتشظي إلى الأسافل وجلبابه الأبيض القصير وعصاته التي لا تفارقه.
و(عمي شطة "زكني") حكيم زمانه وسطوة مزاحه التي لا تغيب حتى وقت أن دهسته ترلة طافحة بنبيذ القصب المحروق مسرعة للحاق بموعد الميزان خوفا من فساد السكر في الأعواد المحروقة.. وشهدت مستشفى المصنع جولة حضوره وهو يرتل القرآن الكريم بلسان ذرب حتى تعافئ وملأ الشارع من جديد بحبوره الدفاق.
والحاملون لدفتر العيادة... متصنعون أو مصابون بالبلهارسيا أو الملاريا وهنا يكفيهم توقيع من دكتور صمويل وبعض حبات بُنيات اللون وصغيرات الحجم بطعم الحلوى من أجزخانة المستشفى دون نقد أو انتظار، أو حقنة بنسلين من بابكر القديل، بازوكا، محمد عثمان شاويش، كمال تقى، عبد الله ميتو، هاشم جمعة، كافية لتضع للعلة نهاية.
وهنالك من يتعمد لأخذ نصيب حصته اليومية ولو أرهق نفسه جريا خلف الترلة أو توهط حديدها وهى في سيرها الحثيث حتى الصبايا كن حضورا طاغيا كوجه القمر المنير حين يمر بين وفويق أشجار حزام البان ويعدل مزاج الناس للأنس ورهق الغرام.
وهنا سقط شهيد القصب في منتصف شارع الترلات مضرج بالدماء في نهار أسود منثور بين ريش الحال وعيدان القصب المحروق وذلك الحزن الذي كسى المصنع بأكمله.. وتلك حكاية مريرة كُتبت بطعم العلقم والسكر المحروق وبقايا الحريق.. وفي القلب غصة وعبرة وألم كما اله‍واء الح‍ار والرطب،‏ والشمس الحارقة التي تلفح بأشعتها الساطعة حق‍ل قصب الس‍ك‍ر الن‍اضج.‏ 
وس‍رع‍ان ما تعبق الأجواء ب‍رائح‍ة عصير قصب السكر الزكية.‏.. وتبدأ الرحلة البطيئة من حالة إلى أخرى ويتخلق العصير ويتحور ويتبلور في بلورات قاتمة وداكنة اللون وه‍ك‍ذا تنتهي مرحلة العصير على يد شغيلة لا يتذوقون للنوم طعما.. وتبدأ مرحلة التلميع والتبييض وهنا للكيمياء رونقها وشغيلتها.. والحسين محمد الحسين أحد المنارات السامقة بمعمل المصنع يعالج بهدوء وعلى بسطة من طاقة البال المستريح. 
ولعل في البال النحيف جدا حد الخوف أن يسرقه النسيم أو أن يجرحه ريش القصب.. السائق قصبة..!
ووفاء القصب نادر للأرض والناس بمصنع سكر حلفا الجديدة يسقي عن محبة بعسل عوده النمير علاقات الانتاج بأبعادها العديدة لطالما تبادله الشغيلة تلك المشاعر الدافئة والدفاقة وهى على عصب عرق واحد وما برحوا وبدلوا المكان؛ قبيلة المصنعجية.


قصباية في الترلاية 59yg4i



قصباية في الترلاية 1zz0qw6



قصباية في الترلاية K13m06



قصباية في الترلاية Vdiv45



قصباية في الترلاية 2prfdah



قصباية في الترلاية 2lbzxi0



قصباية في الترلاية 30moec5



قصباية في الترلاية 2iiuyoy



قصباية في الترلاية Midhjb



قصباية في الترلاية 4htlp5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصباية في الترلاية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة  :: المنتديات العــــــــــامة :: التوثيق-
انتقل الى: