ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: قصباية في الترلاية السبت 05 أبريل 2014, 9:11 pm | |
| [rtl] قصابية في الترلاية!هذا قصب السكر الذي أقدر. وحين يكون الأحترام والتقدير لنبتة خضراء في عرف الريفي تنهزم كل رزائل الشح والتقتير، والبدوي بطبعه لا يعرف الشظف ولا أبوابه الكبيرة. وعندما يعطيك أحد هدية لا تتجاوز في حجمها عود قصب من السكر تشعر بامتنان عظيم لهذا الشخص الذي خصك بشيء له وزن مقدر عند أهل البلد كلها.. والقصبة في المصنع رمز للتسامح والأنس الشفيف وعربون إخاء قاطع غير قابل للرد، وصك رجولة يمشي بين أعراف المجتمع.هكذا كنا نقدم لبعضنا تلك الهدايا البسيطة وغير المكلفة رغم شغفنا وجنوننا بالقصب وقتذاك إذ لا يمكن لك التنازل بكل سهولة عن عود قصب ذابل مهما كان مقدار التضحية.. انسربنا في علاقات متينة من خلال أعواد قصب السكر المتوفرة على شارع الترلات الرئيس بالبلد. خبط عشواء كل ذلك يجري بكل أريحية وعن طيب خاطر يخضع للرغبة في التفان والإخلاص.فالقصب شعار لكل شيء كنا نراه كل يوم منذ صباحنا الباكر حتى المساءات المتأخرة التي نعقد فيها جلسات سمرنا الممتدة إلى الساعات الأولى من الصباح.. وما أروع حين يتشكل وعيك بقلم عود أخضر تختم به مأدبة أنسك كل يوم وتفتح به شهيتك عند كل صباح تقفز فيه إلى الحياة بقلب أسمر نابض.لا يمكن لنا أن ننسى تلك الأعواد المحروقة والخضراء على السواء.. حيث من السهل تذكر تفاصل كل قصبة ولونها ومدى فائدتها الغذائية ومتى تغير طعمها.. وقد تتسلق بنكهتها وحجمها إلى أرض الحقل الذي كان عرش مملكتها قبل اقتلاعها أو جزها.. ومن السهولة أيضاً أن تقف على جودة القصبة من النظرة الأولى وتكتفي بذلك ككفاية عين الرجل من الأنثى في مظانها الشرعية.. ولكن هل نكتفي نحن معظم المصنعجية: قبيلة السكر بالنظرة الأولى إلى القصباية؟و(القصباية في الترلاية) حكاية أمثولة تضاهي طعم مذاق حلاوة قصب السكر حين تظفر بقصبة محروقة وانت متوهط منتصف شارع الترلات العريق.. ويا حبذا لو كنت سمعتها حينئذ طازجة من سيد شباب السادة البرهانية الجميل شمس الدين محمد محمد عثمان يعقوب.كان يوما عاديا من أيام السكر الرائعة والمشحونة بدخان المصنع والبقاس والحريق وأنفاس الناس البسطاء وذلك التراب الذي يملأ كل فج في البلد. تصادف فيه أن شمس الدين وقتها صغيرا في السن أو فنقل على وجه الدقة صبياً ينسف كوارع عمي مالك الجزار بسوق المصنع حين يطبخها في مطبخ زاوية السادة البرهانية. التقى شمس الدين بنواح أحياء الموظفين وتقريبا (البيوت الكبيرة) طفلاً مولعاً بقصب السكر ورائحته كحال معظم أهل المصنع. ألح الطفل في الحضور أمام مسرح القصبة المهيب وسأل بكل براءة الأطفال وبصوت خفيض أعرفه: شمس الدين اديني قصباية؟وشمس في غلوه وتطرفه فيما يمس كل حقل قصبه المحروق..قال بصدق كعادته في ردوده المفحمة: قصباية في الترلاية!رد بمنتهي الاختصار والسخرية أبكي قلب ذلك الطفل الصغير الذي غادر على حزن متقد في عينيه الصغيرتين ويبدو قد حكى لأهله أو لأبيه الذي أعرفه على كفافه وصبره الكبير فقد كان رجلاً فارعاً كأعواد قصب السكر في الحقول يسد ثلمة بكل إخلاص من أجل حفنة جنيهات.وفي عيني الطفل غابت البسمة والبشارة ولاحت في أفقه حسرة.لكن عشق شمس الدين للقصبة حد التيه كان أكبر من كل رغبة ومن كل تبرع وكرم وقتها لذا لا يمكن له أن يجامل في مثل هكذا موقف وكلنا كنا مثله ذات يوم.. وبين يدى رغبة تملك القصبة غاب شمس الدين في ضلاله وولعه بذلك العود الفارع والناعم الملمس.فى هذه اللحظات من الوله والاشتهاء لفص من قصب السكر يغضب الناس إذا لم يجدوا أحداً لم يقدم لهم ذلك الحق المعلوم في عرف المجتمع الذي اعتنى بقيم الكرم وغيرها من المثل التي تواضع عليها الناس حتى ساعة الناس هذه.ومثل القصب معيار قيم. فقد إتخذه الناس ميزانا يقسط كيل علاقاتهم بين الرزق الأوفر والحياة الأيسر حين ترعرعوا بين أكناف المصنع وسكبوا عرقهم وسقوا به حقول القصب بكل أريحية وإلفة.والقصب بادلهم المحبة وكذلك الأرض الطيبة؛ مصنع سكر حلفا الجديدة.كل عام وأنتم بخير وفي أياديكم قصبة خضراء من حقولنا الخصبة لا يحول بين إشتهائها شيئاً.[/rtl] [rtl]
[/rtl] | |
|
ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: رد: قصباية في الترلاية الأربعاء 09 أبريل 2014, 11:02 pm | |
| | |
|