وسيمُ بلا كفين... من يدلني عليه!
تذكرته في الساعة الأولى من فجر اليوم السبت الموافق 14 يونيو 2014م.. ربما لشغله حيزاً مقدراً في ذاكرتي بحضوره اللافت يومئذ.. قبل يومان من ذلك الوقت كنت أتحدث عنه وأروي جزء من سيرته لأولادي وكيف أنه في فترة عقد ثمانينات القرن الماضي كان هناك بسكر حلفا الجديدة رجلا صامدا ويصارع ظروفه المعقدة في ظل جملة من التحديات تحول بينه واداء كثير من المهام في الحياة بينما يتمتع بها الآخرون.
يملأ هذا الرجل الوسيم صاحب السحنة المائلة للصفرة الفراغ الواقع جنوب فرن الموظفين طيلة نهار اليوم مستندا على عصاة يحملها بين عضديه بصورة تثير الرثاء والاشفاق على حاله.
لا أدري كيف اعتاد على حمل عصاته بتلك الطريقة التي لم استوعبها حتى هذه اللحظة رغم ان كفيه مبتورة اي كل جهده يتركز في منطقة الساعد الاعلى فقط ومع ذلك لا تجد عليه ضعف أو تأفف من وضعه رغم الصمت الذي يلازمه ويرسم على محياه ألف سؤال ولا نتجرَّأ على فعله.
وفوق ذلك تجده أنيقاً بطاقية بيضاء لامعة لا تغطي مقدمة شعر رأسه الناعم، وتتحدر من على رأسه باقتدار وحنكة شخصية زعيمة متلفحاً عمامته أو ثوبه الشفاف الناصع البياض على طريقة أهل البطانة على عراقي فضفاض مع لبسة صِديريّ سوداء اللون تفيض بكل إحتياجاته اليومية. بالطبع السروال المتدلي أسفل قدميه أكمل هندامه البلدي بكل قيافة.
ولقد عمل هذا الرجل النحيف خفيرا على مثلث حزام الأشجار التي تقع ما بين شارع الترلات الرئيس والشارع الممتد أمام مدرسة مصنع سكر حلفا الجديدة الابتدائية (أ) للبنين وفرن الموظفين وبعض البيوت الكبيرة مروراً إلى داخل مباني الرئاسة الآن حيث كان ذلك الشارع الصغير المؤدي لها غير موجود.
طيلة يومه تجده واقفا وحامل عصاته بتلك الطريقة المثيرة ومتسارعا في قرع هوامل الحيوانات ولا تحده لؤمة لائم في شؤون شغله الأساسي.
وكنا نلتقيه كثيراً في فرن الموظفين أثناء حضوره لشرب الماء من الزِّيرُ الذي يرقد تحت النخلة الوحيدة بالمكان أو لشرائه خبزاً يقي به جوعه ويسند به نهاره الطويل في حراسة الشارع من كل أبقار وأغنام الموظفين وغيرها من الهوامل العابرة بالشارع علاوة على الحمير التي كانت تكتظ بها أحياء الموظفين قاطبة.
شكل ظهور هذا الرجل في تلك الفترة علامة فارقة ووقفة جديرة بالتأمل في دولاب العمل الوظيفي بالمصنع والرؤية الصائبة للقائمون عليه، مما يؤكد النظرة الإنسانية الحانية لقسم الخدمات الاجتماعية وقتذاك.
بلا شك يرجع الفضل في توظيفه لرجال شجعان تسنموا دفة العمل في قسم الخدمات الاجتماعية على رأسهم الثلاثي.. سيد عبده بدر متعه الله بالصحة والعافية، والراحل المقيم محمد حسن عبادي رحمة الله عليه، وعثمان عبد الله مدني متعه الله بالصحة العافية وغيرهم من تحمل أعباء العمل في تلك الفترة.
ولقد تزامن ظهور هذا الرجل الوسيم مع فترة ما بعد حقبة قوانين سبتمبر إبان حكم الرئيس جعفر نميري السابق في أواخر سنواته، ربما الملاحظة تثير أسئلة عصية على الإجابة من ناحية، ومن ناحية أخرى تشكك في إحتمالية محاكمته عقابا لجرم اقترفه.على كل حال ليس محل تأكيدنا ذلك فقط إنما الأمر جاء في سياق الوقت المظنون بكل شيء.
فقط ما يهمنا من أمره أين سارت سفنه وعلى إي جوديّ استوت وما اسمه؟