منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل المصنع     مجموعة الفيس بوك

اهلا وسهلا بناس المصنع عزيزى العضو فى منتدى مصنع سكر حلفا الجديدة تفضل بالدخول الي المنتدي واذا ما مسجل معانا تكرم بالتسجيل والتمتع معنا ولقاء الاحبة والاخوان ومن فرّقتك عنهم طرق الحياةولو ما عارف كيف تسجل في المنتدي فقط إضغط زر ( تسجيل ) واتبع الخطوات ,واحدة واحدة,(الادارة بتفعل حسابك )

 

 سواقي الرويس

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16604
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

سواقي الرويس Empty
مُساهمةموضوع: سواقي الرويس   سواقي الرويس Emptyالأحد 20 يوليو 2014, 4:27 pm

سواقي الرويس.. سيرة إرث الذاكرة والرحمة


سواقي الرويس 23l066r


ذاكرة حية تتنفس نبضها، كما شاء لها حظها من الإزدهار وحظنا نحن القراء أن نظفر عبرها بكاتب منفلت من عقال الأزمنة التالفة الرمادية، بل عبقري سادر في غيه الأبيض والأسود وصاحب تفاصيل صغيرة موغلة في الحنين والشجن والأشواق تقتلك في اللحظة أكثر من مرة على يقين أخضر تهزه بشارات الصوفية وأصوات تتلو أناشيدها بصوت واجف وندي على تخوم قوز هندي تلك القرية الراقدة على منحني النيل في إنسرابه العظيم على حزمة من الزمان الممتد من أواخر الستينيات إلى عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
ولعل المنطقة تلودي كانت نقطة البدء والمسيل الذي إندفق واندلق وفاح عطر أشجاره على شاسع الوطن في إنتقاء بارع لصحبة كبار وضعوا اللبنات الأولى للرواية السودانية.. بدءاً بالراحل وأب الرواية السودانية الطيب صالح أو ليس انتهاءاً بثلة من شباب ينثرون حروفهم برصانة وتوهج يتسق مع شمس الحياة في إستنارة فائقة القدرة على فتح كوة الظلام لطالما حواء الكتابة حبلى بأجيال المحبة.
لعل المفارقة التي انتظمت حروف الكاتب الفذ والصاعد من نزف الذاكرة (عثمان الحليبي) في روايته البضة.. (سيرة سواقي الرويس)، تكمن وتلوح في الأنفاس الحالمة التي تحيط بشخوصه، وجسارته الجريئة في تخطي السائد من حكي رغم إستقامة شفافيته وطهارته على سرد يتكيء على ذاكرة حية مروية من نبض عروق جبال النوبة حين سقتها (تلودي) باكراً وعمدتها بطمي الحجر ونشق المطر وأعشاب تزهر ريحانها ضد النسيان.
ومن تلودي توهجت الذاكرة وازدهرت مع أوان دخول طلق روائح طق الشجر حتى إرتوت بمهل فاضح من طين وطمي جروف سواقي الرويس بقرير الشمال.
واتكأت مشاهد الرواية كما اسميها مجازاً، وإن كانت في تفاصيلها سيرة ماجدة لبشريات وطن مغسول بماء الأرض والنيل والمطر امتداداً شيقاً للعبقري الفذ فارس الشعر محمد الحسن سالم... حميد نبض القصيد الوطني.
واختلط فيها العامي بالفصحى في تناغم عذب لا يفلت ولا ينفك من زمام أمر الفصول المتراصة كحال جروف الأرض الممتدة على شريط نهر النيل الضيق بل يشد خيوطها لجام من عشميق لدن فتله الكتاب من أدب عظيم ورثه من آل بيته وحظ تعليم غشى ونهل من مدارسة حلقات اللغة العربية والفلكلور الشعبي.
والعامية على قلتها لم تنتقص من النص شيئاً ولا من توابله وبنيانه الشاهق بل أضافت وكأنها متلازمة تصك براءة الكلمات المغمورة بين الرمل والطين ولازب الجالوص، وازالت عنها أثر الغبار والصدأ وتأكل الحروف وتداخلها في لغات عدة حميمة في ظل حراكها العظيم على مجري النيل، وما اختلف الناس في ثقافتهم وما برحوا ذاكرة المكان من لدن عهد الممالك الجليلة والموغلة في القدم.
والأكثر إلحاحاً في رؤية الراوي تتجسد في نهضها لتاريخ مخفي عبر حضوره الكثيف في النص، وتنقله ببراعة جالباً كل شيء متعلق بحياة الأسلاف، ومختصرا سيرة باهية لبلدة صغيرة ساهمت في عراك التاريخ والجغرافيا رغم قسوة الطبيعة.
وللكاتب ذاكرة متقدة ورطبة بذكر سيرة كل شيء جامد ومتحرك من خلال تلافيفها الواسعة استطاع تطويعها بيقظته، وان يتوكأها  بحرص على مضمار كبير ناثراً تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة والتحولات التي جرت بفعل حركة البلاد عامة. وكان البعد الديني والثقافي والاجتماعي حاضراً على نحو أكثر من أن تتناوله السيرة بالنسيان بيد أنه فطن إلى مماحكات الرمزية المختزلة بين طوايا المكان والزمان، واستلف منها نهراً بديعاً لتصوراته ومجايلاته في فسخ كيمياء الكتابة عن الحقب المتراكمة.. وهذا يتمظهر في احساس الفنان والمبدع وتجليه في توظيف الرمزية في أبعاد أقانيمها الثلاثة؛ الأسطورة والتاريخ والطبيعة، وكذلك انحيازه الفطري لـ(الأم) الرمزية الكبرى والتي تدور حولها أفلاك الرواية.
ولعل المفارقة الكبرى في استطاعته كمبدع أن يخون ما سار عليه أسلاف الكتابة في مختلف أنماطها، وكان هروباً كبيراً للأمام في نقطة فاصلة ربما تؤرق النقاد فيما بعد وتورطهم في انحيازهم لفخ التالد في ذلك السرد الهيولي وانتشاره المكثف في أبعاد مختلفة، وكأنه التاريخ الشفاهي المحكي لابد من وضعه في قالب معين، والذي عالجه الكاتب بطريقة ماهرة ومربكة للقاريء، وقد تصدمه وتحيله إلى دوائر أخرى من القلق، وتولد لديه أسئلة متعسفة وقاسية تجاه النص قياساً بالأباء الكبار المؤسسون.
وأفضل ألا انحاز رغم قبولي بالنص ككائن جديد متولد من صراعات الأدب كحالة إنسانية ومزاجية في المقام الأول تفصح عن فلسفة أجيال جديدة عميقة ومثابرة تبحث عن أرض خصبة تحت شمس التحولات الكبرى التي تنتظم الدنيا برمتها. والأرض ورق لمن يفلحه بمداد قلمه ووعيه وسطوة شخصيته البصيرة.
والكاتب في الأصل شاعر وناقد وفنان تشكيلي ومؤرخ وحافظ للأنساب علاوة على إهتمامه بالفولكلور الشعبي، أراد أن يقول لنا بذكاء معهود فيه إن الرواية قالتها جدته الضريرة والطرشاء ومضت، وما هو إلا ناقل وموثق جيد لتلك الحالة الباكرة التي عاشتها تلك المرأة الأمية البسيطة في مخاضها الإنساني، وقدرتها على معالجة مجمل أوضاع الحياة وتبدلاتها في أسفارها المختلفة عبر ذاكرتها الخضراء المنقوحة ببذور المساء والأرض والناس والطير، وهى حبيسة قيزان من الرمل متناثرة وحقول تضج بعافية الأخضر وجدران من الطين الأخضر أيضا.
وكان الكاتب أميناً مع التحولات التي جرت له في بواكير حياته في منطقة تلودي ومن ثم بعيد رحلته العظيمة ومظاهر إثمار شجرة الذاكرة خاصة في الفصل المعنون باسم: (قالت له أمي)، ووقتها كانت تعده الظروف ليوم فتح مثل هذا.
وأرخت تلك الفترة الباكرة لذكريات جمة في عقله مما جعلها تقبع في العمق إلى حين نضوجها، وتحسسه لتلك المهمة العظيمة في التكليف الذي قام بواجبه تجاه تلك السيرة.. وقد كان ذلك واضحا في الفارق التاريخي المترامي الأطراف حين الحت عليه الذاكرة خلال ثلاثة عقود باختيار النضج في عمر الكتابة، وعبارات الراوي توضح مدلول ذلك حين أوجزت.. "لكننا وصلنا عصراً إلى مدينة الدلنج، وأذكر تلك الزيارة التي زرنا فيها أختي نفيسة في مدرسة الدلنج الوسطى بنات. تذكارات تلك الزيارة أدهشتني أنا نفسي في مقدرات ذاكرتي، عندما عدت إلى الدلنج بعد أربعة وتلاتيين سنة".
وفي رحلته من (من تلودي إلى القرير) نجد أن الاشارة واضحة وملتبسة في آن واحد عند البعض حين انحاز الراوي المثقف إلى التعدد ومجده "وما أعظم تلك العلاقة الإنسانية الفريدة بين تلكما الزوجتين".
وامرأة مثلها في ذلك الزمان الباكر من بواكير سبعينيات القرن الماضي أتت معتقة ومسربلة بعافية الروح كواحدة من نساء السترة والعدل في مغالبة واقع معقد وجديد دلف إلى حياتهم.. وأعادهم كأسرة - فقدت رب البيت فجأة - إلى القرير ليملأ الراوي صيوانه ويعتق أسماعه بأذان الفجر كواحد من الثيمات الدينية التي أسهمت في بناءه الفكري.. والعبارة بليغة تكفي القاريء مشقة البحث كثيراً عن ما وراء أجمة النص الكثيفة في بحثه اللاهث عن مدلولات تلك الرحلة وانتهائها عند سواقي الرويس.. "يقول ود مسند الله أكبر وأمي في أغلب أيامها فيما بعد طول تلك السنين صاحية مهمومة تقلب الأفكار تتدبر الأمور. ومن يومها وآذان ود مسند شاهد علي سهر تربيتنا".
ونهل الكاتب في طفولته وصباه خلال تلك الفترة من أم عاملة وشاعرة وأديبة هي بدورها ورثت ذلك الأدب من أمها كما ورد إنها "أرضعتها التومي بت عازة من ثدي الشعر وفطمها سيد أحمد ود الحسن أبوها بحكايات الكلام المأثور. لذلك كانت ريانة بإرثها. إرتوت وأروتنا من حنانها. رضاعة بالأفواه ورضاعة بالعقول". 
وفي (ساقة هندي) سافر بنا الكاتب في دنيوات جدته الكفيفة والطرشاء، التومي بت عازة تلك الأديبة في التعبير، والفقيهة في الدين، والشاعرة في فن القلائد، والعالمة في الأنساب، والراوية للتراث في "ميقات جلساتها المتصلة في مكتبها، ودكة حلقات علمها". 
رحلة تتصل فيها الخرافات بالحقيقة في منوال سردي عموده الفقري جدائل الأدب ومفاخره، والجدة تجوب ذاكرتها بين وطأة المرض وأثقال الحاجة لا تلوي على شيء سوي أداء دورها الرسالي في مجتمع صغير كحال تلك القرية التي تعتمد في اقتصادها على حقول تضبط إيقاعها على عقارب التوقيت الثنائي في رقعة صغيرة من الأرض تحسب مساحتها بـ(العضم) كادأة قياس يؤرخ لحقبة فترة حكم الإستعمار التركي، ومن ثم الإدارة الأهلية، وصولاً للحكم المحلي.
وفي ثنايا القصص والشعر نبعت أسرار عظيمة وارتفعت بالحس والذائقية الأدبية في مسارات لم تحددها لوحدها الذاكرة الشفاهية فقط في الأهزوجة الشعبية: "إرينبون بنت الصبي البنبون"، بل إمتدت إلى الأقوال والمأثورات والحكم التي تطلقها الجدة في الهواء الطلق.. "شن لمّا الدّامر علي بلاد كاجا؟"، ولا تزال في مسير طلقها تزيد في قولها: "أنا شريف ما بقرى. قالوا له إن قريت وإن ما قريت قاضي غرض".
قصص شذبت ونمت ملكة الكاتب في طرائق الحكي والكتابة التي أثلجت صدر الرواية بمنتوج جديد يفوح عبق عطره على رقعة الجغرافية البسيطة التي دارت لوحاتها الخلفية والباطنية في متون الفصول بين أشعة الشمس والنيل والنخيل والجبال وأفق المكان الذي وهبنا رؤى ملتحمة ومتضامنة لتغني نشيد الكون الفصيح المجدول بعبير خرير الجداول وأنين السواقي في الجروف بين تلك الدروب الخضراء المحتشدة برجل طفل وخمس نساء شحذوا مضامين ذاكرة الرواية وخضدوا شوك طينها وفخارها.
واستخدم الراوي اتساع رحاب المكان كشاهد حي على كل مجرى التاريخ في تلك البقعة حيث يشهد دكان صالح ود مدني المحور الرئيس كل حشود خيول ذاكرة المكان في تلك الجلسات الممتدة إلى عمق الليل. ونجد أن الكاتب قد وظف جزء من التراث المادي الذي قام بواجب كبير في أعباء نسخ وتداول التاريخ من خلال عنقريب صغير يطلق عليه في عاميتنا الهبابي.
وللمكان حراكه ونصوع أياديه البيضاء في الرواية، مما يمكنها من الإبحار في تيار حداثوي مستقل يضوع بفكرة التاريخ المرشح للتفاعل مع حاضره وماضيه في استغلالية تامة تضع تراتبية غير صارمة للاستفادة من سيماءه وأفقه وأخلاطه.
وفي خضم ذلك التنور الفائر، خطف الحفيد بمهارة مهني صلد من ذاكرة الجدة الكثير من الأسرار التي لا تزال تصنع الحياة هناك برفق وتناسق لا ينقطع عن انثياله بين الأجيال التي ترث الأرض.
ولا يزال المكان يلعب دوره المنوط به في إنشغال آخر من خلال (روضة فاطني العوض).. تلك الباحة التي شكلت وعى أطفال ساقية الرويس في توازي آخر تمثل في بص جاهوري العملاق الذي ينساب شريانه ووريده بتأني على رمل الدرب الواحد ناقلاً أشياء الناس كوسيط تفاعلي ما بين قرى القرير ومدينة مروي في انتظام عرف به حتى ضبط الجميع عقارب ساعاتهم على حضوره وانصرافه كل يوم في رحلة كانت النافذة التي إنفتح عليها طلع السواقي على المدينة ولاقحها في ماء وردها الريان وتلاقت العراجين وفسائل الحصاد في مهرجاناتها؛ سواء أن كان (حش التمر أو طهورة البرسيم أو غيرهما).
وتبِين الجدة (التومي بت عازة مرة) أخرى وتزيد من نصاعة حضورها الفاعل في النص من خلال سردياتها المتدفقة المتماسة مع دخان ألف الجميع مزاجه، وتناغموا معه رغم حجبه للرؤية، ولكنها كانت على أجفان العين فقط حين أرخ (غبار النار) لفترة طويلة نسبية عرف فيها المجتمع كيف يصنع غذائه ويكتفي بذلك من غرس يده وخبزه الأسمر الذي ما أنفك طعام السواقي الطيب الحلال.
ومدحة "ولاد أبزيد" شجية بصوتها حين تملأ أركان البيت وترددها الجدة بإيقاعات مسادير نبض الرمل والطين: 
"اليوم يوم عيد وسرور
والعسكر وقف طابور
للنور الظهر من نور
جميع خلق الله فيك تزور
شُرِّفَتْ الشمال اليوم
بقدوم نجل خاتم القوم".
وبهذا ننتقل إلى حلقات المديح الرجالي في دائرة الطريقة الختمية متشبعين بتربية صوفية عالقة بنفوس شيوخها وحيرانها في تقاسم ينوء بحمله قبس طاف في الأرجاء دون خلط بأشياء الدنيا.
ونمضي أكثر في السيرة ونلحظ أن في حكاية (ترتار سعيد) الرمز الطبيعي متفتقاً من أكمامه كواحد من الأدوات الجمالية التي أغنته وتشبعت به في تضام لا ينفصل عن روح النص الكلي، وهنا يفيض رحيق الحروف وعسلها. لا سيما كانت النخلة باسقة في هامتها كقطب واحد يصنع كل ما يتصل بحياة أهل الساقية، وهكذا وظفها الكاتب في إقتفائه المستمر لمسرحه عبر خطواته على (درب العربات) حين كانت البلدة تتصل بعاصمة البلاد عبر هذا الطريق الرملي الوعر. وكأن ترتار الطفل (سعيد ود الشقيلي) يرسم مسافة الاتصال بالقرى ويزكي فيها مساحات الود والانتصار والانتقال والسفر والرحيل دون هروب مستدعياً المكان الآخر كدلالة تاريخية تؤكد أن القرية باقية رغم وقوعها في أودية سيلان الرمل والماء من خلال توظيف ألعاب الاطفال المصنوعة من سعف النخيل. 
والطبيعة شاخصة في رمزيتها داخل متن النص في إصطفاف يضع (طائر الكوادك) المعروف في المنطقة باسم (الكديِّ) صديق الأطفال الأول ودليلهم الصادق ومرشدهم في كل الإتجاهات، بمثابة بطل أسطوري ينبت من العدم ويغيب في اللامنتهى على حدود ديار سواقي الرويس في اتصالها برمل عتامير بيوضة. 
وصور الكاتب حال مآله وحراكه ودوره الذي يلعبه في عبارة بليغة: "في طواحين المنطقة موجوداً كبيوت الأغنياء عندنا. يعرف من خلال أكياسنا كم عددنا وأن كان يعرف عددنا من قبل لحسب كم يأكل الفرد منا من الدقيق كل نصف شهر".
ويسير الكاتب بنا مرة أخرى إلى دائرة المكان الجغرافي في فصل (أولى ابتدائي) في متعة بصرية وذهنية باذخة، وهو في مضمار الوعي يعدو بذاكرة الفيض التي تحملنا بلا تعب إلى تاريخ القلم والكتاب من خلال إشارته الخاطفة إلى معلمي مدرسة المهاجر الابتدائية بالمنطقة الواقعة بين قريتي الكنيسة وقوز هندي في وصف ذكي بين نصوص الفصول والوقت الضرورة الذي جعل (صندوق السجائر) ملمحاً أولياً لصناعة الفُسَيْفِسَاء وتشكيل الإبداع الفطري لفنان تمرس في حضن الطبيعة، وصاغ منها أشكال عديدة وبديعة، والذي يبدو غير منغمساً في خلال الحوار الذي دار بينه وبين معلمه في أول يوم له بالمدرسة، وهو يقول: "ضاحكني وأنا أدخل إلى مكتبه، عندما دخلت على لجنة القبول وفي جيبي أداة لعب صادفتني في الطريق، وهي علبة سجائر فارغة احتفظت بها لأصنع منها شيء أخر بعد أن أرجع إلى البيت. بسرعة قلت له: هي فاضية. لقيتها جنب درب العربات. وأرجعتها إلى جيبي مرة أخري، خوف أن تضيع بين أيديهم".
ويعرج بنا الكاتب بمحبة متناهية في شفافيتها وبراءتها إلى (درب العربات) محط إهتمام الجميع، وخير شهادة في ذلك: "درب العربات الذي كان تلفزيوننا ومنتهانا،  فقد كان ينقل لنا الأخبار من أم درمان ومن مروي وكريمة ومن خارج عالمنا الضيق".
وفي (حرازة المصطفى) ضج هذا الفصل بدلالة موحية لمعين لا ينضب رشح من عقل خصيب غاص في أعماق اللغة؛ عاميها وفصيحها تأكيداً لموهبة تشربت بطمي الأسلاف.
وبين أقران الراوي كان السفر متعة حقيقية مليئة بالتصورات الخيالية التي تنساق بحميمية الألقاب والأسماء العالقة بالذاكرة والمتخيل الطفولي في ذات الزمان والمكان اللذان لا يفترقان.
والسفر في عوالم الأنساب من خلال الحكاوى متعة لا تضاهيها متعة خاصة حينما تكون بوصف حاذق ومجيد لأساليب اللغة.
وتتقاطع ألقاب أطفال الدرياب؛ ضليل، الدعتي، رجب ود سعد، أولاد ود البصير، الحِجَّاب، الزمارنة، الهندياب، والحسيناب، وغيرهم من العوائل في مساحات دافئة من خريطة الأنساب والعلاقات التي أفرزت محيط قوز هندي، لترسم مبتدأ ومنتهى سدرة معراج صلة الرحم.
وتمر الرواية بتراجيديا فاضحة ملخصة النزاع الأزلي بين صاحب الأرض والعابرون لمحيط النيل، ربما ظاهرها كان عرقياً مختلطاً بفويبا الغريب، غير أنها طبعت وسم الغيرة على الأرض، كما قال الراوي: "والحرازة يحتلها يهود الحلب أياماً وأحيانا يقيمون شهراً. وعندما قامت انتفاضة الحجارة  كان سببها ذلك. استخدموا المخابرات والإشارة. بإيعاز من أحدهم ناهضوا استعمار الحلب لظل الحرازة بأسلحة الدراب".
وتظل الحرازة رمزاً اجتماعياً وروحياً، بيد أن الرمز الديني جال، وكان أكثر تكثيفاً من خلال الطقوس الحزائنية التي تقام في محيط ساقها الوهيط بين الفينة والأخرى، وكذلك أرتباطها الوثيق بطائفة الختمية.
وموسم تحولات شجرة الحرازة الغارقة في الأفق أكثر منه في السماء، استطاع الكاتب أن يتابعه في تغيراته المختلفة من موسم لآخر في ظل إرتواء كامل في وصفها، وهى تشرئب بعنق مودتها نحو الجميع، وإن إختلفوا في سحناتهم ولهجاتهم وصنعتهم.
ولم ينصرف الراوي كلية عن صناعة الفُسَيْفِسَاء كثيراً، رغم التشبث والارتماء في أحضان متعة اللعب الطفولي في فصل (عمتي بت عبد الله)، مما زاد إخلاصه لتلك العوالم وابداعه فيها. وصنع من صندوق البسكويت، ورق الكتشينة، الفحم الأسود، زهرة صباح الخير، وطين البناء عوالم كونية بأشكال وأحجام مختلفة، رسخت وراكمت خبرته على مدى بعيد تتصل في مسيره الكوني. 
وكما لم ينس الكاتب الإشارة إلى دور الخيال الذي ساهم في إثراء ألعاب الأطفال في أستخداماتها المتباينة، وكنموذج حيوي لعالم حقيقي، وإن صغر؛ حبل البئر في لعبة نط الحبل، وكذلك قواديس الساقية المحطمة التي تحولت إلى قصاصات مربعة بين خانات لعبة أريكة وعمياء.
ووظف الكاتب هذا الفصل لسرد تلك العلاقة التي ربطته بعمته على نحو خاص، ودور والدته في إثرائه ضمن منظومة قيم تحكم المجتمع وقتذاك. وضمن ذلك مضى إلى حكي متصل، أفرد فيه الكثير من العادات المرتبطة بقيمة العمل، وكسب سبل العيش عندما أسهب القول في فرن بت على ود عوض الطيني الصغير، وعادة (طهورة البرسيم)، ذلك الأرث العظيم في سواقي الرويس، والذي تعظمت عنده ظاهرة الفزع المعروفة باسم النفير في مناطق البلاد الأخرى.
ولم ينج حتى أصحاب ظاهرة النزعة الإعلامية التي تكتظ بها العديد من المجتمعات من سخرية الراوي الخفية والمغلفة في نقد ذكي بارح كل شيء من الإنزواء.
كما أسلفنا القول تأتي ذاكرة المكان في سائر فصول الرواية كحنين يشد الراوي في وصف كل بقعة، وها هو في فصل (طاحونة حلة حامد) يسرف في تفاصيله ويشد من بعضها في تظاهرة حافلة لأمكنة أخرى، مثل طرف الريس، مترة سر الختم، عشر حلة حامد، مدرسة المهاجر، وساقة هندي، في تتالي يومي شاق ومبهر يقود إلى (الأم الأرملة) التي ترعي أطفالها بعرق موزع على عدة نقاط جغرافية متباعدة، ولكن في مركز البدء والمنتهى رحلة كالعادة تبدأ مع أذان الفجر وتنتهي على صوت الجدة المسنة بعيد صلاة العشاء.
وتتمرحل الرواية في تراتبية منتظمة في سردها الجغرافي المتصل في المكان، ولا تبارح مناخه، رغم تقدم سن الصبيان في فصل (كاك الرك في دالات ساقية سعيد)، وهى لعبة صبيانية مرتبطة بفيضان النهر وانحساره في مناخ تسود فيه رمزية الطبيعة المتمثلة في شجرة الفأس، قيفة البحر، كونية ساقية هندي، ساقية سعيد ود صالح، ساقية جبارة، ساقية العريبي، توقلي، جزيرة الطاهر، الجزيري، ترعة مرينابية، التراتير، وسوق المقل من ناحية، ومن ناحية أخرى أنفاس الحوار تتداخل مع ثقافة العوم النهارية وجزول اللوبيا والأشواك وشقوق الكركجي ومراكب الرواسة وشجرة السنط وأصوات أمواج العرب والشفع، وشخوص تلعب دورها في الحكي مثل حسين كضاب وحضيري التي تتلاقى في صياحها الصادح مع ضفائر تيار الماء التي تنقلب فتلتها عندما تصادف الهواء لونا معتكرا بلون الطين الذي كان يحمل سمات العمق. وهذا العمق الذي شيد مرتبة نفسية قاسية تقودنا إلى الرمز الذي شكل قيمة الشجاعة في مهابتها العليا، حيث كان التمساح رمز توجس وخوف واضطراب وفحولة في ذات الوقت.
ويتعالى شاهق الرموز الدينية في حكائية (ناس الصلاة) بتناسق مشع متسلسلاً مع روح الرواية في جغرافيتها المكانية سواء كانت في قوز هندي أو جامع قوز هندي أو روم النجبة أو بيت شيخنا ود النجيب أو دكان ود البصير أو الساحة أو بيت ناس ود عيسي أو بيت بت شيخنا منصور أو صالة المولد الطويلة أو شجرة ناقة الرسول أو تنقاسي أو شندي أو الكبانية أو بيوت عبد الله أو ديوان سلطان فطومة، أو على مستوى شخوصها بدءاً من شيخنا ود النجيب، شيخنا منصور، بت احمد خليفة، ضليل، شفع الدرياب، الخالة فاطني، ولاد ود درو، عثمان ود الحسن، محمد خير، خلف، خيرسيدابه، ياسين ود شيخنا، ود مسند، فضل الله، العوض، محمد ود خير السيد، علي ود درو، حمزة ود نور الهدى. 
وتتقاطع عوالم من الرؤى والحقائق في جدلية عامرة بالايمان لا يتأخر فيها شيء من تميمة الوقت ساعة أن يحين براق السيد محمد عثمان الميرغني الختم في كل أوراده.
والوقت أيضا مدخور لألعاب الصبيان في دميرة ليلهم الماطرة بالشدو والأغاني وصهيل الجسد وتعرقه على رمل بارد الأنفاس بعد طقوس شاى المغرب، وفيه تصحو الأساطير على نحو غامر بفوبيا توظف لصالح التدين والتربية والتعليم غير الرسمي، وتتموضع ناقة الرسول، وباحة الجامع، وأنوار ليلة القدر، على قدر عالٍ من الصفاء الروحي وتنفح القلب راحة عميقة في الإيمان.
وتبدو الحكاية صادقة حين تتبل بأفواه الصغار وتنضج على جمر الشجر الأخضر.. "ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ادعى ياسين ود شيخنا كانت تأتي لترعى هنا ليلاً وتدخل في الجامع راجعة إلى الجنة قبل أن يأتي ود مسند لأذان الصبح".
وتزهر اللغة وقواعدها في اتصال بفقه التجويد وفي تشبيهات بالغة الدقة والحيوية، ويستمر ضمير الغائب في يقظته متضامناً مع ضمير المخاطب، وتبقى النبرات ومخارج الحروف عنوان الحكاية الباهية في وصف أشبه بتراتيل المقامات. والكاتب يجد مسامرته في بعدها الأخروي تسوقه إلى علم الأصوات وتفسير حصيف لسورة الفاتحة يأخذ تلابيب عقل القاريء في بلاغة تصور النص كسميفونية تدور رحاها على ضوء القمر بايقاع تبادلي بين السرعة والبطء علي نمط سوناتا أو المنويت أو نمط روندو أو التداخل بينهما. وفي كلاهما شيئاً مذهلاً، وحيوي في مساره.
وفي ذات الفصل تدهشك عمق الملاحظة التي استخرجها الراوي من صوت الشيخ من خلال عناصر آيات القرآن الكريم في الاستدلال الزمني وضبط معرفته وتوظيفه لصالح البنية الايمانية في تشبيه بليغ مأخوذ من حاستي السمع والشم... "ولكننا قد لاحظنا أنه ما تلى شيخنا آيات الصوم في صلاتين للعشاء إلا وشممنا رائحة خبز الحلومر بين أزقة الحي".
ومع ذلك لم تهمل الرواية أن تقدم نقداً موضوعياً لسلوك البعض الباطني في مواضع عدة خاصة على مستوى أداء العبادات وشعائر الدين، ولاحقت البعض حتى على مستوى صلاة الجماعة في تعبيرات سلسلة وجزلة وعميقة في بعدها النظري والمادي.
وكما لم تفلت من ناظريه مظاهر الحياة المادية حيث نجد أنه أودعها طاقة عرضه الفكه والطريف في ألوان عديدة من جو المرح واللعب الطفولي وغيرها من لوازم الأطفال في دنيواتهم البسيطة وتطلعاتهم في المتعة وتذوق الطعام.
ومتعة الحكي تقودك إلى متعة أخرى لا تنتهي طالما الرواية في صعودها المادي تحفل برائحة (جوافة بتد كنيش) في فصل مخصوص في كثير منه عن معاني الحقوق في تقاسم الأرض بين الأطفال والعقلاء في إحتفالات الأشجار بثمارها، كما وصفها الراوي بدقة حلول أهل المشورة والرأي.
وسمر الحكاية ومغزاها في ثمرها الناضج من خلال شخوصها، مثل خديجة بتد كنيش، بكري، سر الختم، سعيد، وعبد الله ود طه... ومواقعها المكانية المتمثلة في تمرات المدين، أشجار المانجو، شجرة الطلح، ومترة ساقة طه. ولعل العبارة بلغت منتهى فصاحتها الكاملة، حين قال الرواي: "كنا طواف بمكات رزق كثيرة". واختيار (مكة) جاء عن وعي ديني يسكن الريف ودوما نقول أهل الأدب أدرى بشعابه. كما في ذلك القول المأثور الذي جادت به قريحة الراوي: "أحلى ثمرة جوافة في عرف الشفع هو ما نضج في أمه وأحلى ما نضج في أمه ما أيقن به الطير".
ويبحر النص بنا في فصل (معاناة في هجير) في متاهة الحبيبة وحراك حريقها، وحبيبها الذي يصيح: "الأرض الرملية الصفراء على امتداد بعدها السرابي الرهراج تعكس الحرارة ازدياداً وترسل الجفاف"... "ألبستها حذائي المتواضع تفانياً في خدمتها. وهي الحبيبة التي كانت تمرقني في أبسطة من النعومة رفاهة ومتعة. وهي السامية  فوقي ظليلة كما أمي. أغتبط بكل لحظاتها حتى في أسوأ المناطق معاناة وبؤس. ليس لغيرها قادر على العطاء أكثر مما تحتاج هي. من أجل مستقبل جميل كنت أضحي براحتي في معاناة الحاضر لانتظر الجزاء الذي بفرحتها ينسيني كل ما ضايقني في الماضي. لتكون هي معي عند عتبة الشاطئ. تضاحكني وتسهو في حضني. إن رافقتني إلى الجحيم كان بها الجحيم أجمل".
وقد ارتكز الراوي على وصف مهول جاب فيه الصحراء والنهر في تتابع خلاق فاق نقاء الماء في عدمه ووجوده كسائل يحتفي به أهل النيل والصحراء تقوده حبيبة يدخرها لفرحه وجحيمه في آن واحد، وبها يتسامى عن كل ضواري الحياة. 
والمكان يأخذ حيزه في أزمنة المحل والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة في تمرة ود العريبي وجزيرة الطرفي والتي تنتظر ميعاد دورة حياض الغمام في أعالي النهر من كل عام ما بين البشريات والخزلان. والجميع في انتظار المواسم لخيراتها، وصيد السمك، وبداية موسم نضج التمر.
وفي النهايات الغنية برحمة الدراويش تجيء خاتمة الرواية مشوقة وفريدة في فصل (قال له بابتود عديلي) الذي حفل بمقام صوفي تسامى مع واقعه وفنتازيته في تناص جُبل على إحياء سيرة الدرويش (عمر بابتود) في نشاطه الجم مع كل العابرون دنياه أمثال ود الفضل، أحمد الصمد، ود قرافي، إعرابيات العشرة، على الشب، وعثمان جاهوري، عباس. ويحلق المجذوب بابتود بقوة خارقة بخيوط علم غيبه أو حبل موهبته السُري، ويقسم وقته بدقة في فضاء مواقيته المكانية مثل بئر الشقاقير، بص جاهوري، سهلة باه الدين، السدرة، شارع العربات، الزريبة، قوز العشر، بيوت البوابتيد، راكوبة بتد سعد الله، حفر التيمان، سهلة السوق، حلة دكام، والعريان. أما مواقيته الزمانية ممتدة بامتداد الفصول الأربعة، وكما اليوم مقسم عنده بحركة الشمس والقمر والنجوم.
والعامية تلعب دورها في فضاء النص وتحيله إلى أيقونة خالصة من الدرر النفيسة التي شغل بها الدرويش بابتود نفسه ومجتمعه، حين صدر إليه مقولته المأثورة (عديلي)، والتي تحولت بحكم العادة والايمان والغيب إلى تميمة فال تقرأ بروح إستشرافية فائقة الحضور بكل سهولة ويسر سوانح وبوارح (بابتود).
وهذا الحوار القصير يجسد شيئاً من العوالم الخفية للدرويش الذي أضاف إلى الرواية لوناً جديداً من الحوارات المتجددة كمياه النهر..
"قال له أحدهم: يا عمر. ... ود قرافي ماشي الحج امش قوللو يجيب لك معاهو جلابية وشالة. .. دحين ماك صاحبو.
قال: خلاس بمشيلو باكر. ... كان لقيتو في بقوللو.
 -: تقوللو شنو؟
-: اقوللو جيب لي معاك سروال بي تِكَّتُـو.  ... واقوللو جيب لي معاك حصايي من اللات الشيطان".
وكما قال الراوي: "كان بابتود كما الحج له مواقيت مكانية وزمانية. فهو يعرف أين يجد الناس ويستأنس بهم. فقد قال عنه ود قرافي أنه غفير يحرس الناس من أمور غير مرئية".
ويمضي النص في خواتيمه مكملاً دورته الزمانية، والتي لم تتجاوز العقدين من عمر الزمان محيلنا إلى حكمة مسرح سواقي الرويس وتلك المسارح الأخرى التي شكلت عماد القرير الكبير بلسان الراوي: "قالت لنا القرير كونوا فكنا. بخيرات أرضها كنا. وبقدوة معلمينا كنا. وبطيبة ورباط مجتمعنا كنا. وبحريتنا في لعب الأطفال كنا. وبجلسات طنابيرنا في القيزان كنا. وبصدق مشاعرنا مع من نهوي وقدسية علاقاتنا مع من نحب كنا..
رحل أهل الحكمة سوياً، أهل العلمِ وأهل الغيبِ. وتفرقنا نحن كل منا في بلد. نسترجعهم في ذاكرتنا كلما ضاقت بنا الحياة وأخذت منا الجميل.. 
ضعنا دون هداية وجرينا ولم نحوش. ومخيلتنا بين طيات الذكرى والنسيان تمتن لأساتذتنا الذين علمونا سر الحياة، وتقدس سيرتهم. فقد أخذنا نحن ذلك الرونق الجميل منهم بمجهوداتهم الطيبة لنا، في دروس العصر والمذاكرة والحصص الصباحية".
وتغادرنا الرواية وتتركنا في دهشة وفي وحشة جملة من التساؤلات البرئية وغير البريئة سواء في مظانها الحسن أو السيء حول المغزي الحقيقي من الخروج من دائرة النص السائد أو القديم التقليدي الذي أرسى قيم الكتابة في أدب الرواية.. وتنبت أسئلة من نوع: هل ستتجدد فضاءات الرواية أم ستكون ممسكة بزمام بذرتها الأزلية بدءاً من مسرح الأغريق!!
والمقارنة ليست عسيرة النظر بل واضحة في الإنحراف أيضا بمقدار عن تلك القضايا التي لطالما تأسست عليها رؤى الكاتب جميعها في جعل النص يستند على الواقع والخيال في تلازم غير مخل بل يكاد أن تسيطر سحر الواقعية على الكثير من مجريات الحوار وآلياته الصاعدة والهابطة.
ثمة سياحة تنتظر القارئ في متن النص المتداعي من فرط سيولته اللفظية الفارهة وصياغاته الفلسفية والوجودية والعقلية، وهو يشهد تغير التحولات الجذرية على مستوى الكتابة والوعى المغاير كشاهد على تطور نمو عقل وذكاء المتلقي أكثر منه الراوي.
لا مناص نحن في غربة جديدة وأمام مجموعة حكايات مستوحاة من التاريخ المعاصر على المستوى الفردي، وليس سرداً لجميع التفاصيل أو فلنقلها دون مواربة هي شجاعة التوثيق لمرحلة تاريخية معينة بطريقة تحمل قدراً من الخيال الجامح والابداع والتحرر من بعض القوالب التي قد تكون عقبة كأداء أمام طوفان العولمة الذي يجتاح الكون في جوهر نسقه المعرفي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي أو تحرراً بالكامل من غواية المقدس وشراكه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16604
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

سواقي الرويس Empty
مُساهمةموضوع: رد: سواقي الرويس   سواقي الرويس Emptyالأحد 20 يوليو 2014, 4:32 pm

[rtl]سيرة الكاتب:
محمد محمد عبد الله وقيع الله، المشهور بـ(عثمان الحليبي)، باحث محرر في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية الرياض, المملكة العربية السعودية حاليا. وهو كاتب ومحرر أدبي وباحث وموثق تراث ومصمم غرافيك وشاعر وناقد وفنان تشكيلي وعالم في الأنساب والسيرة ومؤرخ.
من مواليد تلودي بجبال النوبة في 14 مايو 1965.
له بحوث تحت الطبع في التراث واسهامات في مجال توثيق حياة بعض من الشخصيات السودانية. ويعمل كناشط في الثقافة السودانية ومهتم بالتراث الشعبي، وعضو في جماعة الرواويس الادبية بالخرطوم ونادي الطمبور.
عمل في مجال التدريس في عدد من المدارس الثانوية بالسودان خلال الفترة من اغسطس 1997 إلى ديسمبر 2009 كمدرس لمادة اللغة العربية بالمدارس الثانوية.
نال بكالوريوس الأداب من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، ودبلوم عالي في دراسة الفولكلور من معهد الدراسات الافرواسيوية بجامعة الخرطوم.
كما نال دبلوم الدراسات الافريقية من معهد البحوث والدراسات الافريقية بجامعة افريقيا العالمية بالخرطوم.
وحاز على دبلوم التربية العام من كلية الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عوض احمد ادريس
مشرف سابق
مشرف سابق
عوض احمد ادريس


عدد المساهمات : 1205
نقطة : 11151
تاريخ التسجيل : 07/11/2011
الموقع : امدرمان
المزاج : سودانى

سواقي الرويس Empty
مُساهمةموضوع: رد: سواقي الرويس   سواقي الرويس Emptyالأحد 03 أغسطس 2014, 9:44 pm

الله عليك يا ايها الرائع البهدير وانت تنقل هذه التجربه المتفرده للمتفرد عثمان الحليبى الذى ينقلك الى عالمه 
المبدع بدون مقدمات فسواقى الرويس هى تجربه ابداعيه رائعه وفى غاية الدهشه من دفاتر كاتب مدهش 
وهى امتداد وكما زكرت انت لمجمل الاعمال السودانيه الادبيه المتفرده وبالتالى هى اضافه لمشروع 
البحث عن الهويه السودانيه  من جهة الادب الروائى التوثيقى الذى يندرج تحت مظلة الواقعيه الهادفه 
فسواقى الرويس تحتاج لوقفات و وقفات وقراءتها من اكثر من زاويه فكم نحنا فى حوجه اليها ونحنا فى نعانى 
من واقعية انهيار هذا المجتمع النبيل عزيزى البهدير ولى عوده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16604
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

سواقي الرويس Empty
مُساهمةموضوع: رد: سواقي الرويس   سواقي الرويس Emptyالأربعاء 06 أغسطس 2014, 2:06 pm

شكرا عوض على المرور
الحليبي مبدع ومدهش في كتاباته دوما
له مفردة انيقة وعبارات بليغة واسلوب ساحر غاص به في عمق تراثنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سواقي الرويس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة  :: المنتديات الادبية :: الحكايات والخواطر-
انتقل الى: