طربت في احتفال العيد الخمسين للاستقلال في 2006 لقول الأستاذ أحمد أدهم بالتلفزيون بإن ما يميز "صه ياكنار" أنه نشيد غير إيدلوجي أومتحيز لفريق دون آخر. وقد أجاد حين واصل القول إنه حتى "صرخت روت دمي" ، وهو نشيد مؤتمر الخريجين الرسمي، إيدلوجي لأنه يقول" أمة أصلها للعرب ودينها خير دين يحب". كما أعجبني قول الدكتور أنس العاقب الذي كاد يعتبر فيه "صه ياكنار" محض موسيقي من الدرج الأعلى. وهذا حجة في حيدة النشيد الجميل المتجاوز للقيل والقال السياسي.
وتسمرت أمس أمام اللابتوب عند بوست للأستاذ يحي قباني على السودانيزأونلاين جاء فيه بتسجيل نادر ل"صه ياكنار" بأداء الكابلي وأبوعركي. وغنى فيه الكابلي مقطعاً من القصيدة لم أسمع به من قبل عند سائر المؤدين لها. ولم يكن بوسعي الرجوع إلى ديوان الصاغ محمود أبو بكر (أكواب بابل من ألسنة البلابل) لمواضعة المقطع على أصل القصيدة. والمقطع عجيبة العجائب رسخت به قناعتي أن "صه يا كنار" ليس نشيداً وطنياً. وإذا كان لابد من نسبته إلى الوطنية المعروفة لقلنا عنه إنه "سيوبر وطنية". فجاء في المقطع بصوت الكابلي الفصيح الأغر:
أنا يا كنار مع الكواكب ساهر
أَسري بخفق وميضها المتعدد
وعرفت أخلاق النجوم
فكوكب يهدي البيان
وكوكب لا يهتدي
وكويكبٌ جمُ الحياءِ
وكوكبُ يعصي الصباحَ بضوئه المتمرد
ولم أتمالك نفسي. لم أصدق أن بوسع الشعر أن يطالع "أخلاق النجوم" فيبسطها fسطا. وبدا لي في هذا المقطع طلوع على "الكفر" الشعري الذي هو سلطنة تعجبني في أماديح الكباشي التي تتقحم السيريانية لأن اللغة قاصرة في حضرة من يهوى. ولم أرتو من إصاخة السمع مكرراً لأخلاق هذا الكوكب:
وكوكب يعصى الصباح بضوئه المتمرد
زسألت: هل قيل مثل هذا من قبل يا ربي! لا حول الله.
ثم وجدت أن الأستاذ كبر علق في سودانيزأونلاين على مقطع الكابلي المبتكر. وصرعه البيت:
وكويكب جم الحياء
وأضاف إن "الطلع ديكنا ذاتو حكاية وكويكب جم الحياء". واتفق معي ومع محمد أدهم أن "صه يا كنار" ليس نشيداً وطنياً: "يا خي دي لا عندها علاقة بوطنية ولا يحزنون". بله، هي عندي وطنية لم نكتشفها بعد؟ فلربما هي من قواف المتنبي التي إدخرها لسيف الدولة. فهن لا يختصصن من الأرض دارا، ومتى أطلق عقالها "وثبن الجبال وخضن البحارا" وتسري إلى مناح لم يطرقها قمر من قبل. وهذه حالة ندرت من التنزيل الشعري
د. عبد الله على إبراهيم