صوت التلفاز بدأ يرتفع مجدداً ، قد نسي أن يصلحهُ ، كان يشاهد أحد أفلام محمد خان طائر على الطريق ،،،
واقفاً في المطبخ يصنع فنجان قهوته ، ثم تذكر أن البن قد نفد ،،،،
عاد وجلس أمام التلفاز ، الأريكة متسعة تساعد على النوم فدفع الجريدة القديمة بقدمه فسقطت على الأرض بجوار زجاجة المياه الفارغة ،،،،،
صورة أمه وأبيه المعلقة على الحائط رُدمت بالتراب بعد رياح أمشير التي هبت أمس ، تلفت حوله على الفوطة فوجدها خلف الأريكة ، فمسح التراب من على البرواز ثم عاد فأستلقى على الأريكة كما كان ,,,,,
الرياح لم تتوقف من الأمس وأمواج البحر تكاد تصل للشارع ، لم يفتح الشبابيك منذ يومين منتظراً هدوء أمشير .........
أمسك الهاتف ثم أبتسم ، حسناً لم تتصل ، لم يبالي بعدم أتصالها منذ أكثر من أسبوعين ، كان مريضاً وقتها وأخبرته أنها لن تنتظره هي وأهلها أكثر من ذلك ، أما يتمم الزواج وأما تقطع العلاقة ، كيف أنه حب استمر خمس سنوات ، قالت : لم يعد بمقدوري تحمل الضغوط أكثر من ذلك ،،،
حسناً كما تشائين لن أكون أبداً مصدر إزعاج وضغط عليكِ ، فكري قليلاً حتى تتحسن الظروف وأتصلٍ علي إذا استطعتِ أقناعهم ،،،،
قالت : ربما أستطيع ......
فتح الشُرفة المطلة على البحر ، كانت رياح أمشير قوية وبعض الأتربة المتراكمة على الشيش دخلت في عينيه ، مسح عينيه بيديه ، ثم نظر الى الأفق البعيد في البحر ، كان الضباب والرياح تقف كحاجز بينه وبين البحر والشمس تسعى جاهدة لأختراقها ، فأرقه هذا التأزم وأصابه بالخنقة , لم يستطع حتى التنفس .....
ظل واقفاً لدقائق ثم عاد وأغلق الشرفة مرة أخرى ، أزعجه صوت احتكاك الشيش بالبلاط فأغلقه بقوة وقرر أن يخرج ويجلس على البحر ......
أمبوبة معجون الأسنان قاربت على الانتهاء ، أعتصرها جيداً حتى خرج منها القليل ، كان بخار الماء المتصاعد من الماء الساخن يحول بينه وبين المراه حتى اختفى وجهه من عليها ، فمسح بيده البخار ، فكان وجهه متعرجاً لا يُرى بوضوح .....
الشارع لم يعج بالمارة والزحام كالمعتاد ، المقهى مفتوح بينما محل الملابس الذي بجواره مُغلق ، وكُشك السجائر يختبئ فيه صاحبه العجوز , السيارات قليلة يبدو أن الناس تُفضل عدم الخروج في مثل هذا الجو الكئيب !!
عبر الشارع وتمشى بجوار البحر ، القى السلام على جاره العجوز الذي يقيم وحيداً بعد موت زوجته وهجرة أبنه الوحيد ، فرد عليه العجوز برفع يده فقط وصوت مرتعش ضعيف ......
الفتاة الصغيرة ذات الشعر الأسود الطويل تجلس وحيدة على الدكة ، مبتسمة لا تُبالي بالرياح الشديدة ، يتطاير شعرها في الهواء بحرية ثم يهدأ مع الرياح وينساب في نعومة على كتفيها ....
محل لعب الأطفال أقام حفل موسيقي من اول اليوم للدعاية بمناسبة ألافتتاح ويوزع الهدايا على الأطفال ، كانت هي لا تلتفت أليه كأنها لا تراه ،،،،
جلس بجوارها ، فألتفتت أليه ثم ابتعدت لأخر الدكه ، ظل صامتاً ثم قال : أنتي هنا من الحي ولماذا تجلسين وحيدة ؟؟
ظلت ناظره الى البحر ولم ترد عليه ....
قال وهو ينظر لمحل اللعب : لماذا لم تذهبي الى محل اللعب ، هناك يوزعون هدايا للأطفال !!
لم تلتفت أليه وبقيت كما هي تنظر للبحر ....
صوت الموسيقى أصبح صاخباً والرياح تزيد من قوته ، وظل هو صامتاً ، والفتاة تنظر الى البحر كأنها تنتظر أن تخرج منه الجنية الزرقاء او عروسة البحر كما قرأت في الحواديت .....
الشمس مازالت تجاهد كي تخترق الضباب والشبورة الترابية التي سببتها رياح أمشير ، والرياح تشتد تارة وتهدأ أخرى ,,,,
صوت قوي يأتي من بعيد ، اصتدام سيارتين وتجمهر المارة حولهما ، هذا يحدث كل يوم على الكورنيش لقد أصبح شيء أعتيادياً ،،،،