الموال الشعبي: من "البرامكة" إلى محمد طه
القاهرة ـ محمد كريم
23 مايو 2015- السبت – العربي الجديد
عرفت المجتمعات العربية جميعها "الموّال" وتفننت في تكييفه وتفصيله بما يناسب أذواق الناس وأمزجتهم، بل أصبح "الموال" في كثير من الأحوال بوابة رئيسية للغناء الشعبي في العراق، ومصر، والحجاز، وغيرها. وهو، وفق تعريفات بعض مؤرخي الأدب: "فن من فنون الشعر، وضع للغناء".
تعددت أسماء المواويل تبعاً للبلاد التي يُغنّى فيها، فهناك، الحلبي، والمصري، والحجازي، واليمني وغيره. بينما الأصل هو الموال العراقي، الذي يشتهر في المشرق العربي باسم الموال الزهيري.
أسهمت الأفلام المصرية منذ منتصف القرن الماضي في الترويج للموال المصري ومطربيه، فعرفت الجماهير أساتذة الموال المصري محمد طه، وسيد درويش طنطاوي، وعزيز عثمان، وغيرهم حيث اشتهروا بمصاحبة المزمار البلدي الطويل الذي قد يصل طوله إلى متر ونصف، وافتتاح الموال بعبارة "يا ليلي يا عيني". في العادة؛ يتركب الموال من بيتين على بحر البسيط، وتختم أشطرها الأربعة بروي واحد، وقد يتسرب إليها الطابع العامي من تسكين بعض الكلمات المعربة، كأن يقول المغني:
إن رِدْتْ تِسْلَمْ بِطولِ الدَّهرِ ما تِبْرَحْ
لا تيأسنَّ ولا تقنَطْ ولا تمرحْ
واستَعْمِلِ الصّبرْ لا تحزَنْ ولا تفْرَحْ
وإنْ ضاقْ صدْرَكْ ففكّرْ في (ألَمْ نَشْرَحْ)
وقد تطور الموال عبر التاريخ وتعددت أنواعه وفقاً لزيادة الأشطر وتنوع الروي، فصار منه البغدادي، والخماسي، والسداسي، والسباعي. وسوف تلاحظ كيف يقوم المغني الشعبي (يسمونه: الريس) بعملية المد المحببة والمشوقة للبيت الأخير. وهو ما يطلق عليه أهل الصنعة اسم "غطا الموال"، أو "الطاقية". ولكل مجموعة شطرات اسم خاص، فالثلاث الأولى "الفرش" ثم تليها "العتبة"، ثم "الطاقية". ويعتمد النص دائماً على المجاز والتورية والمحسنات البديعية الأخرى كالترصيع والطباق.
يا واخد القرد إوعى يخدعك مالُه
تحتار فى طبعه وتتعذب بأحوالُه
حبل الوداد إن وصلته يقطعِ اِحْباله
تقضّى عمرك حليف الفكر والأحزان
ويذهب المال ويبقى القرد على حاله
أما من ناحية الموضوع فكانوا يطلقون على النوع الذي يعالج قضايا الحب والإقبال على الحياة "الموال الأخضر"، وعلى ما يتطرق لقضايا الثأر والدم والمأساة "الموال الأحمر"، بينما يطلقون على ما يتحدث عن الكون وحكمة الخلق "الموال الأبيض".
يربط المؤرخون نشأة الموال بنكبة البرامكة أيام الرشيد، فيحكي السيوطي أن أول من نظم الموال جارية من موالي جعفر البرمكي ترثيه سنة 187هـ، ويومها قالت:
يا دار أين الملوك الفرس أين الفرسْ
أين الذينَ حموها بالقنا والترسْ
قالت تراهم رمم تحت الأراضي الدرس
خفوت بعد الفصاحة ألسنتهم خرسْ
وكانت الجارية بعد كل شطر تقول: "يا مواليا"، ومن هنا جاء الاسم الذي تحرف لاحقاً إلى "الموال". وقيل إن أول من نطق بالموال هم أهل واسط بالعراق، وقد حفظت المصنفات الأدبية القديمة نماذج مميزة، مثل:
أنتم أساس بلائي في الهوى أنتم
آذيتم الجسم من بعد النوى أنتم
ما لي طبيب يداويني سوى أنتم
بالله.. هذا الجفا ممن تعلمتم؟!
تفرع عن فن الموال العادي الذي يمتاز بالقصر، فن آخر طويل هو "الموال القصصي"، وهو يشبه في الغرب ما يسمونه "ballad"، وهو موال درامي يعالج حكاية شعبية، مثل: "حسن ونعيمة" و"ياسين وبهية" و"أيوب وناعسة", و"شفيقة ومتولي"، وهي مواويل ترتبط بمفاهيم الحب والشرف الصعيدي. ومنها مواويل بطولية مثل: "أدهم الشرقاوي".