محمد سليمان دخيل الله:
٭ ما ان يغني الفنان أحمد الجابري والا تأخذك كلماته والحانه الى عالم سوداني يحمل رائحة التراب والجروف والسواقي والشوق والحنين وذلك من خلال ملكات الفنان في التطريب ، ويتدفق الجابري شلالات من الابداع في اغنية «انشغال» للشاعر عوض جبريل:
شغلني ما إنشغل قلبه مخير هو في حبه
شغلني ما سأل عني دا ظالم ما بحن قلبو
ازاني وهجرو ألمني
٭ وهنا يراهن الشاعر على وجدان المستمع في ملامسة شروده وغروبه وشروقه في الحب والعشق، والمقدرات الصوتية للفنان تعطي للكلمات بعداً جمالياً، ويتجدد لقاء الفنان الجابري مع الشاعر عوض جبريل في أغنية «بستطلفا»:
حبيبتي بستطلفا ما داير زول يعرفا
لي مده بتذكرا وعينيا جافوا الكرى
لو تلقى يزول فكرا الريدة ما بتذكرا
٭ وقد غنى الجابري لعبقري الشعر في الاغنية السودانية عبد الرحمن الريح، وقد كان عبد الرحمن الريح هو أول من اكتشف مواهب الفنان الجابري وجمع بينهما الفن والشعر والموسيقى، وغنى الجابري لعبد الرحمن الريح «حكمة» وقد أجاد في ادائها:
حد يشعر بالسعادة ويمشي يختار البعاد
حكمة والله وحكاية تشغل أذهان العباد
ناس بتتعذب وحيدة وناس بتنعم بالوداد
٭ وقد كانت أغنيات عبد الرحمن الريح هى بداية المشوار الفني للفنان الجابري وصارت لجمالها وروعتها تتردد في شفاه العاشقين وذلك لجمال المفردة وجزالة التعبير وأغنية «الطاؤوس» لعبد الرحمن الريح من أجمل ما تغني به في مسيرة الاغنية السودانية، وبها لحن جيد وتطريب جميل ومدهش وفيها ظهرت الامكانيات الكبيرة للفنان الجابري من ناحية الاداء والتطريب:-
ملك الطيور ارقص وسط الرياض نشوان
خلي الزهور تفتح مختلفة الألوان
ارقص وهل في الكون طائر جميل مثلك ليه الوجود
٭ والجابري اضافة حقيقية لأغنيات عبد الرحمن الريح وقد يكون القرب المكاني والزماني بين الجابري وعبد الرحمن قد اتاح للجابري اضافة نغمات جمالية و«قلبي والحب» تحمل نموذج لابداع الجابري:
مظلوم في حبي مالي إيه ذنبي الجنيت
حبيت لكن نسوني ونسو عهدي الرعيت
الحب في قلبي خالد ما ممكن يزول
مهما تجنى واشي واتنكر عزول
ترعى الحب قلوبنا ونرعى الاصول
٭ ويتميز الفنان الجابري بأن أية اغنية من أغنياته لها مذاق خاص وميلودية مختلفة فهو ملحن وعازف حاذق بوضع الالحان المتميزة، ويتضح ذلك في أغنية «هوج الرياح» كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحيم:
هات يا زمن
جيب كل أحزانك
تعال جيب المحن
طول يا أسى وكتر ينابيع الشجن
٭ وينبوع الشجن يتدفق رقراقاً بالجمال وعذوبة الاداء من الجابري ويصور قيم العشق والحب والوفاء والعطاء ، وعندما يلتقي الجبري بالشاعر المبدع ابو أمنة حامد ، في «ما نسيناك» وعندما نسمعها من الجابري فإنها تلامس الجانب الانساني في تقلباته وانتقالاته عند الاكتشاف والانقلاب عند الشخصية بكل تجلياتها:
ما نسيناك جاي تعمل إيه معانا بعد ما بدلتنا
وما سقيناك أحلى مافي عمرنا من عواطف ما لقيناك جاي تعمل إيه
٭ وقد تكون كلمات القصيدة بسيطة ولكن عندما يغنيها الجابري فانها تصبح لها أبعاد جمالية وتصير تحمل رؤية أجمل لأن الجابري يضيف من ألقه وألحانه مساحات من الفرح والتطريب، وأغنية «أسمر» للشاعر عوض جبريل توضح وتبين كيف يتعامل الجابري مع أية كلمة على حدة، وتصير الكلمات دفقاً من الابداع:
أسمر يا أسمر سكر وأكتر
منو القال ليك سيبو وقلبك منو جيبو
عوازلك ما بتوبو وما بخلو الأذية
أرجع لى تاني وعيد لي الأماني
يضحك بحناني وحنان روحي الوفية
٭ والجابري بعطائه يعتبر من مدارس التجديد الحديثة في الاغنية السودانية، وفي اغنية «سيد الاسم » للشاعر كامل عبد الماجد تظهر النغمات والموتيفات التي تتحرك في داخل الفنان وبمهارته في العزف على العود يترجمها إبداعاً في سيد الاسم:
سيد الاسم محبوبي وكتين يبتسم
الدنيا يا ناس تنقسم
الفرحة تملاها وتزغرد فيها والشوق يرتسم
٭ وللجابري أسلوبه الخاص ومدرسته وبصمته في الغناء ، وعند الرسائل إن كانت رسائل الصادق الياس او بدون رسائل للشاعر سيف الدين الدسوقي، تترآى لنا شخصية الجابري الفنية وهو يدوزن ألحان رسائل:
من طرف الحبيب جات أغرب رسائل
يحكي عتابه فيها وقال ناسنو قايل
ياما قال حكاوي ما خطرت ببالي
قال في كل كلمة إني جفيت وسالي
لو في كل لحظة لو تعلم بحالي
ما ناسينك والله وذكراك شاغلة بالي
لو أنساك انت أكون غدار وخنت
أسال عني غيري وأحكم في مصيري
ياما تشوف دلائل
٭ ودلائل الجابري ظاهرة للعيان من خلال معايشة إحساسه في الغناء ، فان احساس الجودة يتسرب لوجدانك كمستمع.
وقد غنى الجابري كثيراً وابدع إبداعاً كبيراً ان كان ذلك في اغاني الحقيبة الشهيرة او في «الجريف واللوبيا» للصادق الياس، أو في اغنية «مر العام» للشاعر مبارك المغربي.. و«يا رشا يا كحيل»، «وبدون رسائل»، فيها نجد ان الجابري قد شكل الفضاء بين الأحبة بالموسيقى والالحان:
مافي حته رسالة واحدة بيها اتصبر شوية
والوعد بيناتنا إنك كل يوم تكتب إليا
هل يجوز والغربة حارة بالخطاب تبخل عليا
لما آخر مرة شفتك قبل ما أودع وأغادر
كنت حاسس اني خائف اني متردد وحاير
٭ فقد كان الجابري حائراً في المشاعر التي يصورها الشاعر ، ولكن إحساسه كان صادقاً في الاداء، ولو تأملنا جيداً في أغاني الجابري لوجدنا أنها من الجمال والروعة والسعادة:
وحد يشعر بالسعادة
ويمشي يختار البعاد
حكمة والله وحكاية
٭ وحكاية الجابري قصة فنان مولود بام درمان وصار رقماً من ارقام الغناء السوداني باضافته وإبداعاته وهو من قادة التجديد في الموسيقى والالحان.. وإن غناءكم ايها الجابري كان جيداً وموزوناً يحمل دلالات ومعاني ويحمل قيم الحق والخير والجمال، وقد كنتم ملتزمين تجاه الطرب الاصيل والرصين.. ولكن يا للحسرة فقد صار الغناء عند البعض هذه الايام مبتذلاً وركيكاً ومعانيه سخيفة ومنحطة..
لك الرحمة بقدر ما قدمت وقدر ما أجدت وصورت ودوزنت.. فلك الجنة إن شاء الله بقدر ما قدمت من رعاية وحب واحترام، وتجلة وتقدير لوالدتك لأنك كنت فنانا في سلوكك وفي غنائك في طلعتك، وتحية لكل فنان يحمل قيم ومعاني في غنائه ولامثالك الذين عطروا وجداننا بالغناء الجيد ، وسلام عليك وعلى أهلك ومحبي غنائك والسلام.
جريدةالصحافة
كلمة التحرير/ ومن اجمل مادوزنه الجابري من كلمات الحلنقي التي تجلت فيها جل عبقرية فناننا من خلال اللحن والاداء حينما تغنى برائعة قلبي المتيم : جيت لقيت باب الغرام فاتح,,, دخلت/ومن شراب الريد يامسكين نهلت /وابتديت تعشق ياقلبي وانشغلت/كنت جاهل ,,,والعشق ظنيتو ساهل/الاياريتك عرفت,, وماجهلت/ انت ياقلبي المتيم كنت خالي/كنت نائم ومارايت سهد الليالي/كنت قايل كل شئ في الدنيا حالي...
الجابري بدون منازع هو صاحب مدرسة العشق والشجن,,, وماابياته السابقة الادليل على تناوله لحالة العشق المطلق وكذلك الشجن المطلق حينما يشجينا مترنما ,,, هات يازمن جيب كل احزانك تعال جيب المحن وكتر ينابيع الشجن!!!....