قالها الشاعر وهو عليل بالاسكندرية
داءٌ ألَـمَّ فَـخِـلْـتُ فِيهِ شَفَائِي ** مِـنْ صَـبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي
يَـا لَـلـضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا ** فِـي الـظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَـلْـبٌ أَذَابَـتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى ** وَغِــلاَلَـةٌ رَثَّـتْ مِـنِ الأَدْوَاءِ
وَالـرُّوْحُ بـيْـنَـهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ ** فِـي حَـالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ
وَالـعَـقْـلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ ** كَـدَرِي وَيُـضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي
هَـذَا الَّـذِي أَبْـقَـيْتِهِ يَا مُنْيَتِي ** مِـنْ أَضْـلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي
عُـمْـرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي ** لَـمْ يَـجْـدُرَا بِـتَأَسُّفِي وَبُكَائِي
عُـمْـرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ ** بِـبـيَـانِـهِ لَـوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ
فـغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِي جَهْلٍ وَلَمْ ** أغْـنَـمْ كَـذِي عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ
يَـا كَـوْكَـباً مَنْ يَهْتَدِي بِضِيائِهِ ** يَـهْـدِيـهِ طَـالِـعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ
يـا مَـوْرِداً يَـسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ ** ظَـمَـأً إِلـى أَنْ يَـهْلِكُوا بِظَمَاءِ
يَـا زَهْـرَةً تُـحْيِي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا ** وَتُـمِـيـتُ نَـاشِـقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ
هَـذا عِـتَـابُكِ غَيْرَ أَنِّيَ مُخْطِيءٌ ** أَيُـرَامُ سَـعْـدٌ فِـي هَوَى حَسْنَاءِ
حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى ** وَالْـحُـبُّ لَـمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ
نِـعْـمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي ** أَنْـوَارُ تِـلْـكَ الـطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
نِـعْـمَ الـشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ ** مَـكْـذُوبَـةٍ مِـنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء
نِـعْـمَ الْـحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ ** مِـنْ طِـيـبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ
إِنِّـي أَقَـمْـتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى ** فِـي غُـرْبَـةٍ قَـالوا تَكُونُ دَوَائِي
إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا ** أَيُـلَـطَّـف الـنِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ
أَوْ يُـمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا ** هَـلْ مَـسْـكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ
عَـبَـثٌ طَـوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ ** فِـي عِـلَّـةٍ مَـنْـفَايَ لاِسْتشْفَاءِ
مُـتَـفَـرِّدٌ بِـصَـبَـابَتِي مُتَفَرِّد ** بِـكَـآبَـتِـي مُـتَـفَرِّدٌ بَعَنَائِي
شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي ** فَـيُـجِـيـبُـنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثـاوٍ عَـلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي ** قَـلْـبـاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
يَـنْـتَـابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي ** وَيَـفُـتُّـهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي
وَالـبَـحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ ** كَـمَـداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ
تَـغْـشَـى الْـبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا ** صَـعِـدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
وَالأُفْـقُ مُـعْـتَـكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ ** يُـغْـضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
يـا لَـلْـغُـرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ ** لـلِـمْـسْـتَـهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي
أَوَلَـيْـسَ نَـزْعـاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً ** لِـلـشَّـمْـسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ
أَوَلَـيْـسَ طَـمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً ** لـلِـشَّـكِّ بَـيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ
أَوَلَـيْـسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً ** وَإبَـادَةً لِـمَـعَـالِـمِ الأَشْـيَاءِ
حَـتَّـى يَـكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا ** وَيَـكـونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَـقَـدْ ذَكَـرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ ** وَالْـقَـلْـبُ بَـيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَـوَاطِـرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي ** كَـلْـمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي
وَالـدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً ** بِـسَـنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي
وَالـشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ ** فَـوْقَ الْـعَـقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ
مَـرَّتْ خِـلاَلَ غَـمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً ** وَتَـقَـطَّـرَتْ كَـالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَـكَـأَنَّ آخِـرَ دَمْـعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ ** مُـزِجَـتْ بِـآخِـرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي
وَكـأَنَّـنِـي آنَـسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً ** فَـرَأَيْـتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي