شكرا أخي خالد لطرقك باب هذا الفن والابداع الشعبي الدوبيت والمسادير ,ونشارك بمجادعة أو مساجلة غزلية خطيرة دارت بين شاعر البطانة الرائع ودشوراني مع الشاعر الصادق ود آمنة والتي حملت جماليات وإبداعات فذة، وارتبطت بروح المنافسة الشرسة. فقد حدث أن جلس الشاعران في مجلس قهوة تديره فتاة فاتنة، فتمت إثارتهما من أحد الحضور لينظما شعراً في هذه الحسناء، فبدأت المنافسة الشعرية الغزلية بينهما، وحبس الحضور أنفاسهم ليطلقوها مع آهات الإعجاب، وأخذ الصادق زمام المبادرة وأنشأ يقول:-
إِنتي فَريدةَ العَصرِي ونَخِيل الشَبرَه
شَوفتِكْ تَذْهِب الهَمْ واللَيالي الغَبرَه
بي فـــَرة براطمِـك وقَامتِك المِنتَبرَه
أَحيتِيلي نَــــــار قَبرَه البِتَوقِـد كُبرَه
وبذلك وضع الصادق الكرة في ملعب ود شوراني الذي أخذ ينقر بعصاه في أرض المجلس كأنما يستدعي شيطان شعره وأخذ يقول:-
البارِح نَسيم ريحـاً طَــــلقْ مِـن جَبرَه
ذَكَّـرْ عَقلِي بيْ وَدْ الــــعَنَانِيفْ هَـبرَه
أَحْ مِـن فِـلانَه وجرحَها المــــا بِبرَه
قَلبي عَليها نَاح بَعدَ اليَقين والصَبرَه
ثم أخذ الصادق يصف مشاعره ويصف هذه الحسناء التي تتربع بينهم فقال:-
العَينْ سـاقَدَتْ بالحَيــلْ وقَاسى نَفعْهَ
رَبيع القَامه فـي سَهرَ اللَيــالي دفعْهَا
رَبَّ العِزه في سابعَ السَماوِي رَفعْها
رَوقْ ذِهنَها وفطَّنَـــها مَـا صَفَحْــهَـا
وقام ود شوراني وهو يحمل هموم الرد في إتون هذه المنافسة الحامية، ليقول على منوال القافية ذاتها:-
وا أَسفاي عليْ صَبرِي الضِعِفْلِي وشَحَّه
سَبَبُو العَارضَه فَوقْ شَتَمْ النِحاسْ القَحَّه
الخَـلاقَـه لَيّـــــَنْ طبعَـــهـا وسمَحَّـــــهـا
زَولَه فَدُورَةَ النُوق فـي العجَيجْ قَمَحَّهـا
وتستمر القافية دون تغيير ليقول الصادق:-
تَقيـــــلةَ المَجلِس المِـنَ القَـبيح تتْسَحَّـه
مِنْ حَرْ شَوقَا قَلبي يِنُوح ولِحَيمِي إتْلَحَّه
الخَـلاَنِي فِيكِي القَـايـــــْلَه مـا بَسْمَعْهَا
مَقْطُوعْ النَصِيبْ بَيك نفسُو مَـا مَتــعَها
ويتصدى ود شوراني للرد بذات القافية ليقول:-
لَهـجِك كَلمةَ الحَنى السَبِيطَه تَفَحَّـه
يِنْدِي نَدَاكْ يـا الشَتْله أُمَ أَدُوباً نَحَّـه
الخَـلاني خَـلقـــِكْ بالشُـكر نَمْدَحَّـه
أَردافِـك فُلُو وقَـدَمِك تَقِيل مَـارَحَّه
ثم ترتفع حرارة المنافسة ويحمى وطيس المعركة، ويأخذ ود شوراني زمـام المبادرة بقافية مغايرة، ليقول وهو يصف الفتاة وقد أقبلت عليه بقهوتها إقبالاً مشرقاً تزينه خطى رزينة:-
شَرْفَتَا رِيلْ وكَفيَتَا خَـيلْ وطُولـــهـا مَوَسَطْ
سَمحَه الرِيكَّا دَرْ صَهبَا وضميرهَا مَبَسَطْ
مِـن تَـاتَاي قُدومهَــــــا وخَطْوَتَا الِلتْرَصَّتْ
حَسَيتْ بيْ قَلبِي فَارَقْنِي وكَبِدتِي إِنْقَـصَّتْ
وأطلق الحاضرون آهات الإعجاب، فأحس الصادق بخطورة الموقف، وأدرك أنه أمام خصمٍ شرس وشاعر متمرس، فأخذ يجيل النظر على خصمه والحاضرين وعندما وقعت عيناه على الفتاة ألفاها تنظر إليه وتبتسم فتدفق الشعر وانساب:-
رَفعْ أبصارُو حَتى النَظرَه ليْ خَصَّاها
فَـرَّ فَاطرُو تَمْرَةْ فُؤَادِي كَـعْ قَصَّـاهَا
قَدُر مَا يطــولْ أَوانْ أَقــــولْ أَنْسَـاهَا
مَجْلُوخْةً تقابِض فِي البَـدَنْ دَاسَـاهَا
وامتدت المسابقة لأكثر مما أثبتناه واحتوت على المزيد من المربعات التي يمكن الرجوع إليها كاملة في المصادر الأدبية الشعبية الموثقة أو في صدور الرواة الثقاة، وتعد هذه المباراة الرفيعة المستوى ـ التي رسمت الدهشة على وجوه المتلقين ـ سبباً في إيقاعهم في حيرة كبرى عندما أرادوا أن يفاضلوا بين المتسابقين الكبيرين، وما زالت وإلى يومنا هذا تتشعب الآراء في تساوٍ في شأن المفاضلة بينهما. رحم الله شعراء أدبنا الشعبي المبدعين الذين سموا بوجداننا إلى حيث الثراء وإلى حد الإثراء،.