في بلادنا كثير من المدهش بحق وحقيقة خاصة على المستوى الاقتصادي. تكاد ظاهرة السماسرة والافندية الذين يقفون في المنتصف بين المنتج والمستهلك ان تكون ظاهرة خاصة بالمجتمع السوداني والتي اقعدت بالبلاد كثيرا وفرخت مجتمعات مخملية جديدة نراها في غابات الاسمنت الجديدة ودائما ما يظهرون سريعا على وجه المجتمع وكما يذوبون سريعا مثل اثرياء الغفلة والكوارث وبعض الموظفين الصغار والكبار اصحاب الدخل المحدود وعلى ذلك شاهد وليس منقولا الى كما اعتاد البعض السماع.
وهذه واحدة من المفارقات، قبل فترة جاءت شركة صينية لسمسار ايجار عقار وهو على قدر حاله يتخبط في السمسرة وفن سرقة الناس البسطاء، وطلبوا منه البحث لهم عن ايجار عمارة. بالفعل ذهب صاحبنا السوداني بكل ما اوتى من قوة في الفهلوة والسمسرة للبحث عن هذه العمارة والتي بالفعل وجدها للايجار حيث وجد العمارة اصلا معروضة للبيع. وعندها فكر في شراءها بالتقسيط وان يدفع القسط الاول من الايجار الذي سيدفعه الصينيين وبالفعل نجحت خطته واشترى العمارة عبر هذه الطريقة واستمر في ايجارها. عموما هى ليست معيبة ولكن هنا السؤال .. كيف يبيع رجلا ويشترى وهو اصلا لا يمتلك راسمال كافي في السوق؟.
قبل قليل من نشر هذا الموضوع كان يتجاذب اطراف الحديث معي صحفي مصري ويشكو لي كيف سيذهب الى مصر في الاجازة وهو يحتاج الى مبالغ طائلة كعادة المغتربين في قضاء اجازاتهم. ومكمن شكوته تمحورت في ان مصر اصبحت غالية جدا هذه الايام بسبب ثورتهم التي جاءت وبالا عليهم خاصة اللحوم. وقال لي في ثنايا كلامه انتو محظوظين عندكم ثروة حيوانية هائلة.
ببساطة قلت له ان كيلو اللحم الضاني عندنا ما يعادل حوالى ثلاثة ونصف دينار بحريني (الدينار البحريني يعادل 2.65 دولار امريكي وهذا سعر صرف ثابت منذ اربعة اعوام حسب علمي)، وفي الوقت الذي يبلغ فيه سعر الكيلو الضاني بالبحرين حوالى دينار فقط واحيانا يقل عن ذلك ولا يزيد البتة وهذه دولة مستوردة للحوم من استراليا وباكستان والصومال ...
استغرب بشدة. ولقد حللت له المسألة باننا نمتلك قطيع من السماسرة والافندية وحكومة لا تجيد الا تصدير الثورة للاخرين ولا تشغل بالها بتصدير الثروة الحيوانية والصمغ العربي والقطن طويل التيلة والسكر والقمح ولا حتى معالجة الفوضى الضاربة في الاسواق لانها هى تضارب في رزق العباد عبر الشركات الحكومية المهولة في الوقت الذي فيه هى التي نادت باقتصاد السوق الحر.