ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: الفاضل فرن وذكرى ايام مضت ! الأربعاء 17 مارس 2010, 12:05 pm | |
| الفاضل فرن وذكرى أيام مضت ! على الرغم من حمله لسكينة حادة أحيانا على ذراعه، إلا أنه ذا أدب جم وصمت خجول، لا يضاهيه فيه سوى خدش أعلى وجهه يستبين الحين ويختفي الحين الأخر، كعلامة فارقة لهذا الرجل الذي لا يشارك الناس الحديث إلا نادرا، يتحدث بصوت خفيض وخافت. هكذا عرفناه بإسم؛ الفاضل فرن، التصق به أوان عمله بفرن حى الموظفين، وأقترن الفرن بإسمه، كوشيجة حب عميقة، ودلالة إسمية لا ينفصل فيها الخاص عن العام. للفاضل قامة سامقة تصبغ عليه هالة من الجلال من على البعد، إضافة إلى تقطيب يرتسم على جبينه، مع عرق يبلله بإستمرار، وشعر مجعد لا يرجله إلا إذا دعت الضرورة. مع ذلك، تستطيع من أول وهلة أن تميزه بلكنته المميزة من إي الأصقاع بالسودان، وأن كان ذلك لم يكن مهما في تلك الأيام الجميلة، والتي مرت كريح عاصف. على كل حال ينتمي الفاضل إلى إقليم كردفان، لكن حتى هذه اللحظة لا أدري إلى أي القبائل ينتمي، ذلك شأن دونه خرط القتاد في تلك الفترة من عهود المصنع الذهبية، وليس من السهل أن يشغل بالك، ويحتل فيه مساحة. كنا نهم عندما نلتقيه صدفة في الشارع، ونحن في همة ونشاط نتقاذف بكرة قدم كبرت أم صغرت، جلدية أم بلاستيكية، لايهم. وداعي خوفنا وقلقنا ليس من بطشه وقوته العضلية وطوله الفارع، أو لحظات غيابه عن الوعى والتي نادرا ما تحدث، بل كان خوفا صنعه ركله القوي للكرة وقذفها لمسافات بعيدة، مسافة يصعب تصديقها أن لم تراها واقعا أمامك. يذكرني دوما بلاعب المريخ العاصمي السابق عاطف القوز، ولاعب المنتخب الالماني بريغل، كانوا نجوما في فترة الثمانينات، يمتازون بالركل بالقدم اليسرى، يحسنون الضربات القوية والمباغتة والثابتة. الفاضل لا يقل عنهم جسارة، بل عند مشاهدته يسحرك، ويستلبك، ويصبح خيارك المفضل، فقط يختلف عنهم في إجادته الركل بالقدم اليمنى، ويكتفي بذلك، ولا يرهق نفسه البتة في إستخدام قدمه اليسرى، ولا يجهدها في ذلك مهما كلفه الأمر. عاطف القوز كما نعرفه سابقا، صاحب ضربات موجعة لا تحيد عن إصابة الهدف، لعب بملعب حلفا الجديدة ومعه نجوم لامعة من العاصمة ضد فريق مريخ حلفا إبان مجده وسطوته، كان يحرس مرمى المريخ اللاعب عاطف المشهور بـ"عطوفة"، فعل عاطف القوز العجب في تلك المباراة، سدد ضربة قوية ومباغتة من منتصف الملعب بالضبط، تصويبه أرضية تهادت نحو الشباك مسجلة أروع هدف أشاهده لعاطف بيساره، وأعقبه بكرة عالية كأنها مجرد مزحة، قذفها من منطقة رأس خط "التمنتاشر" في إتجاه فضاء السماء وكأنها خارج الملعب، وكان حينها متجه بجسمه ومواجها للشرق الجغرافي، حتى تندر الجمهور منه قائلا ماذا يفعل هذا الأرعن بهذا التصويب الطائش، وكنت من ضمنهم في هذا الهراء، وإذا وسط دهشة الجميع، بين مصدق ومكذب، تدخل المرمى من أعلي سقفه معلنة عن هدفا غريبا ورائعا في ذات الوقت، هكذا كان عاطف القوز. عمر العلمين، سدد ثلاث أهداف بطريقة واحدة اشتهر بها عن طريق إستخدام الراس، وعلى نحو صحيح بطريقة آلية ان جاز لنا التعبير مستفيدا من ركلات عاطف القوز، ولمن لا يعرف العلمين، صاحب أكبر قدم مفلطحة، دائما ما تخلق مشكلة للنادي الذي يلعب له، هو من أبناء خشم القربة، وسبق له أن درس بمدرسة حلفا الجديدة التجارية، في بداية الثمانينات، وأيضا شارك إسطورة الملاعب السودانية حامد بريمة بتسديد هدفا رائعا بيسراه. الفاضل كانت له هواية غريبة ورائعة ومحببة إلى نفسه، قريبة من تسديدات القوز، لا يكل ولا يمل منها، ما أن يجدنا حتى يمسك بتلابيب الكرة، ويقذف بها إلى عنان السماء، ننتظرها للحظات طويلة حتى تعود، بين وجل وإبتهاج، وجل من أن نفقدها، وفرحة غامرة بالإستمتاع بمشاهدة لقطة لم نعتادها في ملاعبنا. وخوفنا صنعه الفاضل حينما أمسك ذات نهار بكرة صغيرة من البلاستيك، ونحن على مقربة من زاوية البرهانية في الفضاء المواجه لها من الناحية الشمالية، ناحية الطريق القديم المفضي إلى مدرسة المصنع الإبتدائية (أ) بنين وانت قادم من حى "البيوت الكبيرة"، ومنه يقودك طريق فرعي صغير إلى الفرن، من ناحية غرب الزاوية، لا أذكر لمن كانت الكرة، وكل ما تبقى في مخيلتي، أذكر أن الكرة عادت خالية ومفرغة من الهواء بعد أن أحدثت جلبة ودويا، ودونه وضعنا أصابعنا على أذاننا تفاديا للصوت الضخم. تنقل الفاضل في عدة فرق رياضية بالمصنع، ولكن تعرفنا عليه كلاعب كرة قدم عريق حينما كان يلعب في فريق الصداقة، وهذا الفريق وقتذاك ليس له علاقة بالمنطقة السكنية، وينتمي معظم لاعبي الفريق لمنطقة "العشش" والتي إنتقل مسماها إلى "الحلة" فيما بعد، وفي الغالب الأعم حسب متابعاتي المتواضعة كان يتبع للكنيسة التي تقع غرب السوق وجنوب حي التجار، ولكن ذاك الوقت، ربما لا يقال مثل هذا الكلام. ثمَّ إنتقل الفاضل إلى فريق الوفاق "حي الموظفين"، ولعب له لعدة مواسم، زامل في تلك الفترة، على الحلو، ابوبكر ابوقصيصة "ببلو"، عبد الحميد حسن احمد، عبد القادر المصري "قدوره"، عبد الله قرني، عمار محجوب عمر، أمين محجوب عمر، عادل الحاج مؤخرا، وذلك على سبيل المثال ليس الحصر. وعندما كان يلعب الفاضل للصداقة، أتذكر وقتئذ اللاعب كرويف، والذي يرجع لقبه إلى اللاعب الهولندي الشهير كرويف، نجم زمانه. وأيضا من ضمن نجوم الصداقة آنذاك، أرجو ألا تخونني الذاكرة الخربة؛ إسماعيل النقاش، أصبح فيما بعد حكما بدوري المصنع، وأيضا عبد الرحيم الذي صار حكما في نفس الفترة، وزامل إسماعيل. تلك أحداث لا زال شهودها أحياء يرزقون من خير المصنع، يتثنى لهم سرد تلك الذكريات، ولو قليل منها، حتى يقف الجميع على هذا التاريخ الحافل. تصيدني الرجفة وحالة من الشلل المؤقت وهستيريا البكاء الداخلي كحال مفجوع وموجوع بفقد عزيز، عند لقاء أهلي (ناس السكر)، وكأني في مهمة فريدة من نوعها إلى كوكب أخر. ويصيبني شعور بالتمزق بين الغياب الأبدي، وعشقي اللامتناهي للمصنع الذي أشعر أنه وطني الأول والأخير. رهق يتملكني من فرط إحساسي، يدمي قلبي، في ذكرى أيام خوالي سرقت خلسة من بين أيدينا، لم نكن نحسب لها بعدا، إفترقنا فرادى، ومتسللين هربا وخيفة من مجهول يطاردنا كلعنة بني إسرائيل، لم نلق وطنا بديلا يحمل كل ما تعلمناه وخبرناه في المصنع؛ هذا الوطن النبيل. لن يخمد أوار شوقنا تجاهه، تمور خلجات أنفسنا، وأرواحنا هياما به، لم نكن ندري بأن الأقدار سترسم لنا طرق أخرى من المصاعب، والمسالك الوعرة التي لم نعتاد عليها، نحن الذين تربينا في أحضان أحزمة البان، والترع الممتدة على إمتداد المشروع، وترلات القصب التي تجوب شارع المصنع الرئيسي، ترهبنا رغم عشقنا لها، ورغم ذات يوم من نهارات شتاء الأعوام الأخيرة من عقد السبعينات بالضبط كما أعتقد أواخر العام 1979م، تخيرت تلميذا من بيننا من أبناء إحدى قرى المصنع الزراعية، فرحل مأسوفا علي يفاعته، فكان مشهدا مأسويا ذاك النهار المشئوم، وغيرها من الحوادث المفجعة التي راح ضحيتها الكثيرين. شمال هذا الشارع وبالقرب من زاوية البرهانية يقع فرن حي الموظفين، وتلك قصة طويلة، ما نود أن نذكره هنا، فترة إنضمام الفاضل إلى إدارة الفرن، في وقت كانت البلاد في عمومها تغلي كمرجل إبان عهد المشير الراحل جعفر النميري؛ سنين إضطرابات وسوق سوداء، وصفوف في إنتظار الخبز. بحكم معرفتنا بالفاضل، كان لنا وجود كثيف لفترة طويلة من الوقت بالفرن تحت النخلة الواقعة جنوبه مباشرة وملاصقة له. جاء الفاضل إلى الفرن عن طريق إدارة الخدمات التي كانت تدير هذا الفرن في تلك الفترة العصيبة، رغم ذلك لم نحظ بأوائل من يمنح الرغيف، وحظنا الإنتظار في الصفوف كحال أي مواطن بالمصنع، وكما لم يشفع لنا عمل الوالد بقسم الخدمات الاجتماعية أيضا في إغتنام الفرصة، وتجاوز الصف. وفي الفرن قضي الفاضل فترة قصيرة نسبية، أكسبته معرفة الكثير من سكان المنطقة، وأضفت عليه حيوية في علاقاته، ومنحته إسم الفاضل فرن، ومنها عرف بين الناس بهذا الإسم، حتى مغادرته المصنع. وشكل حضورنا اليومي للفرن، ومرورنا إلى المدرسة، إضافة نوعية في علاقتنا بالفاضل مما كبر في نظرنا وأصبح محل تقديرنا وحبنا بتعامله المهذب. ويحضرني هنا موقف عالقا بذاكرتي بالقرب من منزل الامين العوض والد التوائم هشام وهاشم، ويقع منزلهم مجاورا للمنزل المواجه للروضة الشرقية بحي الموظفين من إتجاه الجنوب، كنا مبكرين في طريقنا إلى "درس العصر"، كان له سمته وألقه البهيج، معي ياسر شقيقي، إلتقينا الفاضل صدفة في هذا المكان، ومعه رجل كان يعمل خفيرا للمنازل التي كان يجري فيها أعمال البناء، وتقع في الفضاء الواقع أمام منزل المرحوم مدثر مرغني، وهذا الفضاء في السابق كان يمتدأ حتى زاوية البرهانية وحدود "ميز" الموظفين، الذي كان في السابق مخصص للموظفين، يقع شرق الزواية، في البيوت "الثلاثة" التي يقطنها الآن، العم احمد حاج الصادق، والمهندس محمود زائد، ولا أعرف من ثالثهم، ومن ثم إنتقل هذا "الميز" إلى المباني التي شيدت بالقرب من ملعب المدرسة الابتدائية (أ) بنين لكرة القدم، والتي أخيرا آلت إلى مستشفي مدينة المصنع. هذا الرجل الذي إلتقيناه برفقة الفاضل، يسمى أحمد من قبيلة الهدندوة، نعرفه حق المعرفة، له شلوخ على صفحتي وجهه، كان يعمل في حراسة الجانب الغربي من البناء، أما من ناحية الوسط يحرسها رجل منتفخ البطن، أذكر أنه، ونحن في الصف الثاني الإبتدائي، وفي طريق عودتنا من "الفطور" إلى المدرسة، كما كنا نقول، فجاءة من دون أي مقدمات، أمطره غزالي مدني بالحجارة، وبعد ذلك في نفس اللحظة أنضم إليه ياسر حسن احمد، وكانا وقتئذ بالصف الأول، الرجل لم يشاهد لسوء حظي الا شخصي الضعيف، وياسر شقيقي وآخرون، بينما الفاعلان الحقيقيان لم يذكرهما عند قدومه إلى المدرسة، التي قدم فيها لائحة إتهام رصينة ضدنا للاستاذ عبد المنعم دقينة، ونلنا ضربا موجعا بسبب هذا الشغب المبكر لـ"غزالي وياسر الحلبي". المهم في الأمر، تمثل المشهد الذي إلتقينا فيه الفاضل واحمد، أخر اللحظات لـ"تيس" ينازع الروح، أسلمها وهو في الطريق إلى مكان سكن احمد، ولم يجد احمد مناص من أن يستل خنجره، ناحرا عنق هذا الحيوان، بعد أن فارقت الروح الجسد، إنتظرنا للحظات طويلة حتى سُلخ وأعد للطبخ، وعندها غادرنا إلى سبيل حالنا، مخلفين الفاضل واحمد يعدان أنفسهما لوجبة دسمة من لحم "التيس" الفطيس. هذه المباني التي تحدثت عنها آنفا، تقريبا إكتمل بناءها خلال السنين الأخيرة من عقد السبعينات، وتعاقب في السكن فيها العديد من الموظفين؛ المرحوم احمد عمر، والمرحوم عبد المجيد حسن صالح، والمرحوم كمال الدين عباس، ورجل أخر لا اتذكر إسمه، على أية حال، كان زوج ثريا الزين، وثريا تنتمي للأسر العريقة والقديمة بالمصنع، كان لأبيها مسكن يقع جوار منزل المدير العام من الجهة الجنوبية الغربية، ومن غرائب الصدف أن تسكن ذاكرتي زيجتهما حتى هذه اللحظة، ونحن صغار في السن لا ندري كنه الأشياء، ومثل حدثا فريدا في ذلك الوقت، ومما أختزنه في ذاكرتي، أوصاف والدة ثريا، كانت أمراة بدينة الجسم، كثيرا ما كنا نطالعها، ونحن مرورا بالشارع الضيق الذي يفصل بين سكنهم والبيت الأخر الذي يسكنه أيامئذ السيد عطا محمد الحسن، هذا البيت تقريبا كان يسكن فيه إلى وقت قريب المهندس ابراهيم عبد الله، أما الشارع كان ممرا لأهالي حى "خمسين بيت" إلى رئاسة الشركة، وحلة "الخدمات" لشراء اللبن والبيض، وأيضا من الذين كانوا قاطنين في هذه البيوت، الزراعي ابوزيد عيسى، وعبد الله التوم. وأخر عهدي بهذه البيوت، كان يقطنها، حسن عيسى، والنقابي محمد احمد، والرشيد ابوسن، والمهندس خالد صلاح، والمهندس احمد حسن، لا ادري الآن من يسكنها. نال الفاضل تعليما لم يتجاوز المدرسة المتوسطة، ولقد إلتحق بمدرسة التدريب المهني "التلمذة الصناعية" المعروفة بمدرسة سليمان كوكو، الاستاذ الراحل سليمان كوكو، وكانت للفاضل علاقة بالأستاذ سليمان، يبدو أنها صلة قرابة في غالبها الأعم، لأنه أحيانا في كثير من الوقت يقيم بصفة مؤقتة بمنزل الاستاذ، ومن هنا يحتمل أن يكون الفاضل من ناحية جذوره ينتمي لقبيلة التعايشة. تخرج الفاضل من تلك المدرسة، وإلتحق بالعمل مجددا بالمصنع كفني في الورشة، وبعدها عمل في القسم الزراعي، وتركه وإنتقل للعمل بقسم الحصاد، كسائق موسمي، ومنها لا أعرف له أثرا ولا خبرا، إختفى كما جاء أول عهده بالمصنع، كطائر سقد عاد إلى مخبئه. وأذكر في العام 1985 أو 1986 كنت في زواج الأخ يونس محمد ادم زميل الدراسة بمدرسة المصنع المتوسطة، صادفت الفاضل داخل راكوبة صغيرة داخل إحدى البيوت بالحارة الأولى "الحلة"، ولكنه ليس في كامل وعيه، لم أستطع أن أفهم منه شيئا، وتلك من اللحظات النادرة التي شاهدته فيها غايبا عن الوعى، وفيما يبدو لي لم أراه منذ تلك الفترة إلا لماما، ومن بعيد. مارس 2010
عدل سابقا من قبل ناصر البهدير في الثلاثاء 13 ديسمبر 2011, 5:12 pm عدل 1 مرات | |
|
???? زائر
| موضوع: يالها من ايااااااااااااااام الخميس 13 مايو 2010, 5:38 pm | |
| تسلم اخي ناصر والله رجعت بنا لسنبن وايام لن ننساها وستظل محفورة باذهاننا ما بقينا.. فعشق المصنع وانسانه يجري مجري الدم فينا... لك التحية مجددا.... |
|
نقطة : 40098 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: لك التحية والاحترام الخميس 24 مارس 2011, 7:46 pm | |
| | |
|
خالد حسن بخيت مشرف
عدد المساهمات : 1936 نقطة : 13117 تاريخ التسجيل : 10/02/2010 العمر : 48 الموقع : www.3aza.com/vb المزاج : مسلم
| موضوع: رد: الفاضل فرن وذكرى ايام مضت ! الخميس 10 أبريل 2014, 10:28 am | |
| فيا تري اهناك مقارنة او مقاربة بين حدة الشوق ولهيب نار الفرن ؟؟ ام ان هناك فوارق كثيرة لا محسوبة ولا معدودة | |
|