كلمة الإمام الصادق المهدي في ختام المؤتمر الاقتصادي القومي بالسودان
بسم الله الرحمن الرحيم
حزب الأمة القومي بالتنسيق مع الأحزاب السياسية
المؤتمر الاقتصادي القومي
في الفترة 27-29 نوفمبر 2011م
الجلسة الختامية
كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي
سيدي الرئيس، أخواني وأخواني أبنائي وبناتي
السلام عليكم ورحمة الله،
وأبدأ بالشكر الجزيل لكل من ساهم في هذا المؤتمر من محاضرين ومناقشين وحاضرين ومناقشات وحاضرات وكافة الذين جعلوا هذه المحطة الفكرية السياسية ممكنة: السكرتارية، والذين أنعشونا بالغذاء والماء، وغيرها من الخدمات من إعلام وإعلان ومساهمات في هذا النجاح كل حسب ما قدم ولا شك أنهم أحسنوا جميعا:
قيمة الإنسان ما يحسنه أكثر الإنسان فيه أم أقل
النقطة الأولى: القيمة المضافة: السؤال المهم الأول ما هي القيمة المضافة لهذا المؤتمر؟ أعتقد أنها هي:
- تشخيص المأساة وحيثيات وصفها: تشخيص موضوعي للحالة الاقتصادية في السودان بأرقام لا يستطيع أن يُختلف عليها، حتى المتهمين بالتقصير فيها، وقد حضروا، وقالوا ذلك. هذه حسنة أن تكون الأرقام المقدمة موضوعية.
- تقديم توصيات محددة حول أهم قضايا الاقتصاد، وسأتحدث عن التوصيات التي سيكون لها قيمة في حل المشكلة.
- تزويد هيكل الأجندة الوطنية باللحم والدم والأعصاب. فنحن لسنا بصدد مجرد ممارسة أكاديمية بل سيكون لها أثر في الواقع.
- يشكل هذا المؤتمر عتبة من عتبات الطريق لنظام جديد. لأنه مهما تكون الأوصاف جيدة لا بد أن ننظر كيف يكون أثرها في الواقع. الفيلسوف اليوناني سقراط قال إذا عرف الناس الحق من الباطل لاهتدوا إليه، ومشى على هذه النظرية أيضا تلميذه بلاتو، ولكن أرسطو تلميذهم الثالث قال لا يكفي معرفة الحق والباطل يجب أن تتوافر إرادة تنفيذ الحق.
هذه هي معالم القيمة المضافة من هذا المؤتمر.
النقطة الثانية: سمات عطاء المؤتمر: اتسم عطاء المؤتمر بالتالي:
· التشخيص الموضوعي للحالة.
· تقديم مشروع سودنة وقومنة لقضايا السودان، لأن قضايا السودان للأسف كلها بأثر اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات التي تبعتها تقوم على أساس أجنبي وعلى أساس ثنائي والقومية غائبة عنها، فكانت ثنائية بالاتفاق بين حملة السلاح وتحت رعاية أجنبية فحاموا بنا كل عواصم العالم في بحث مشاكل السودان، ونريد للحل أن يكون قوميا، وضرب في أم درمان ليكون أساس الصفحة الجديدة.
· تفسير لغز أزمات السودان وتوطينها. فالبعض دائما يتساءل لماذا انفجرت مشكلة الجنوب ولماذا حينما حللنا مشكلة الجنوب عملت لنا مشكلة دارفور ويقولون كل هذا مؤامرة علينا. لا شك حسب كل الروايات الموجودة فمن الطبيعي أن عدوك يعاديك وإلا لما عاداك، ولكن المؤتمر أثبت أن السبب من عندنا، وأنت وفرت لعدوك المداخل كما قال نزار قباني:
لم يدخل الأعداء من حدودنا
لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا
ما دار من محاضرات ومناقشات في المؤتمر فسر اللغز ووضح من أين جاء لنا هذا الشر وهذا الضر.
· التبشير بأن الخلاص ممكن إذا دفعت استحقاقاته، فلو توافرت السياسات ولو توافرت الأجهزة والكوادر فإن السودان به مقومات مبشرة حتى بعد انفصال الجنوب. مثلا ملف الأسماك كما قال الأستاذ توماس توفيق، وملف الغابات، والزراعة كلها مبشرة لو صارت هناك وسائل من إرادة ورؤية:
سيوف حداد يا لؤي بن غالب مواضٍ ولكن أين بالسيف ضارب؟
النقطة الثالثة: التوصيات: أهم معالم التوصيات الجديدة الصادرة من هذا المؤتمر في رأيي، هي:
- إبطال صناعة التأزم: فالتوصيات تشير إلى أننا في تأزم خطير ولا بد من الوعي بهذا التأزم لنخرج عن حالة الرضا عن الذات التي يريد الإعلام الرسمي أن يخدعنا بها. لا بد أن ندق على هذا الباب بأقوى صورة ممكنة، لينتبه الناس كلهم. أكثر الناس نايمين عن الانتباهة هم أصحاب (الانتباهة) لأنهم يتكلمون باسم الانتباهة ويعتقدون أن أفضل شيء نفصل الجنوب ونتخلص منه، وبعد أن انفصل الجنوب (بفضل) مجهوداتهم هذه بدأوا يتكلمون الآن عن أننا لا بد أن نسقط الحكومة في جوبا، وكأن هذا تمرين صيد! وكل هذا تعبير عن أقصى حالة من الغيبوبة، هي حالة أسميها (النعامزم) داء النعامية هذا يجعلهم يرون في كل خطأ فائدة وفي كل تقصير إنجاز ولكننا من الضروي أن ننبه لهذه الحالة. وللحديث عن صناعة التأزم استشهد بأبيات أحد شعراء الدبلوماسيين السودانيين تصور هذا المعنى، قال:
يا كل أبناء الوطن
في جميع أصقاع الوطن
إن شيئا ما يمد ظله على الوطن
وإنني أرى فيما أرى وحشا من النار
وفي كفيه سيف وكفن
فكذبوا نيوءتي!
يجب أن نرفع مستوى الوعي واليقظة بحالتنا. التأزم في السودان صنع محلي وله أوجه عديدة ينبغي إبطالها هي:
1. التأزم الاقتصادي صنع محلي ومعالمه واضحة:
o إهمال الموارد المتجددة.
o انفجار في الإنفاق لأغراض التمكين وليس لغرض آخر.
o الاعتماد على البترول وعدم الاستعداد للانفصال.
2. صنع التهميش: هنالك سياسات صنعت التهميش أوضحها محاضرون بوضوح تام. هناك من يغالط في وجود التهميش ولكن التهميش صناعة. كيف صنع التهميش؟ قدمت لنا الأرقام أهمها من قبل الحبيب محمد إبراهيم كبج. توزيع الخدمات مختل وتوزيع الإمكانات مختل وبذلك صنع التهميش، وهو يعني إهمال في إعطاء هذه الخدمات والإمكانات فالتهميش مصنوع. هناك من يقول إنه موروث. نعم إن سياسة التهميش موجودة منذ الماضي، لكنها كانت بصورة مخففة وكانت هناك محاولات للتقليل منها. ولكن في ربع القرن الماضي كان هناك اتجاه لتركيزها لدرجة قضوى. والحقيقة هي أن التهميش موجود ومصنوع والفقر موجود ومصنوع لأسباب كثيرة جدا تتعلق بضآلة مدخلات القطاع التقليدي والريف، وهذا كله ينبغي تبيينه بوضوح لا يحتمل المغالطة. وأن هذين التهميش والفقر المصنوعين لا شك يؤديان لعدم الاستقرار في السلام الاجتماعي.
3. صنع الاحتجاج المسلح لوجود تظلم ومنع المطالبة. كانت في السودان حرب شمال/ جنوب عمقت ولكن الآن لدينا على الأقل ثمانية جبهات حرب إما هي حروب قائمة أو حروب قادمة: توتر مع دولة الجنوب حرب مع إيقاف التنفيذ، وأبيي، والنيل الازرق، وجنوب كردفان، ودارفور، مع توتر مماثل في الشمال والشرق والجزيرة. نعم توجد قضية، نعم استغلها آخرون، وما لم نعالج هذا الأمر فإنه سيمضي لنهايات مأساوية. ومؤتمرنا هذا لا بد يدق على هذه الحقائق ويوضحها لتكون معروفة لجميع السودانيين.
4. صنع الفساد: الفساد كظاهرة موجودة. نلسون مانديلا قال بعد انتصارهم: كنا نعتقد لو جلبنا الحرية والديمقراطية فإننا الفساد سيختفي ولكن للأسف وجدنا أن الفساد ثقافة ولا بد من معالجة الموضوع من هذا المنطلق. ولكن علينا نعترف أن الفساد ليس ثقافة بل الفساد إرادة وأيضا صناعة وتبين لنا تماما صناعة الفساد، وبعضها:
- غياب المساءلة، جزء من الصناعة.
- خلق طبقة داعمة بالتمكين، وهي فساد مصنوع.
- تشريد كوادر وإحلال الكوادر الحزبية- فساد مصنوع.
- الخصخصة بصورة غير موضوعية والتقديرات الخاطئة لحجم وقيمة المال العام العام المخصخص - فساد ظاهر.
- العطاءات التي تمنح بطريقة غير مفتوحة ولا ديمقراطية فيها وأغلبها (تحت التربيزة).
- اشتغال المسئولين وأقربائهم بالتجارة، وهي أشياء ظاهرة بدون مراجعين قانونيين بل متفق عليها.
- القطاع الخصوصي كشركات الأمن وغيرها، وهو قطاع يعامل بمنطق نعامة المك (ما في زول بقول ليها تك) يأخد ما يأخذ من إعفاءات وأثر ذلك على الميزانية.
- الفساد في القطاع الخاص كما ظهر في الورقة المقدمة وسمعنا القصة المتعلقة بالسكر ولكن ليس وحده، بل كثير من السلع المستوردة فيها درجة عالية من الفساد الكبير.
والنتيجة: إهدار الموارد.
5. صنع التوتر الدولي. التوتر الدولي الحالي مصنوع وليس مؤامرة أجنبية فحسب. لقد استقل السودان منذ 1956 ولم يكن هناك قرار مجلس أمن واحد ضد حكومته ولا جندي أجنبي واحد حتى 1989م. ما الذي أتى ب30 الف جندي وأكثر من 29 قرار مجلس أمن؟ هذه الوصاية الأجنبية والتوتر بين بلدنا والخارج مسألة مصنوعة.
هذه المصنوعات تعني إذا زال الصانع بطلت هذه الصناعة. هذا واضح جدا ولا بد أن نبين أن هذه المسائل ليست مؤامرات ولا مستغربات بل هي نتيجة أشياء محددة صانعها موجود بعيونه وآذانه وقدراته.
النقطة الرابعة: بشريات المؤتمر:
أ. أن السودان مع كل ما ذكر من أزمات لديه إمكانيات واعدة حتى بعد الانفصال.
ب. الفرصة في تقديم بديل اقتصادي محدد لا ريعي. فالكلام الأساسي في المؤتمر أن نبطل السعى للتحول من اقتصاد ريعي يقوم على الذهب بدلا عن اقتصاد ريعي يقوم على بترول أغلبه من الجنوب. بل توصيف لنهضة اقتصادية تقوم على الاستثمار والإنتاج في الموارد المتجددة: الزراعة والصناعة. والفكرة الأساسية هو ترك الوهم حول الاقتصاد الريعي هذا واضح في كل الأوراق خاصة ورقة الحبيب إبراهيم البدوي. فالمؤتمر قدم البديل الاقتصادي الذي يحل محل المفاهيم الريعية ويحدد المطلوب في كل الجوانب زراعية وصناعية وخدمية والبنية التحتية..الخ.
ج. الفرصة في العلاقة مع الجنوب. لا بد من علاقة خاصة مع دولة الجنوب. نحن ودولة الجنوب حقيقة من الناحية الجغرافية السياسية توأمين مهما كانت الحكومة في الخرطوم مستقلة من حكومة جوبا وحكومة جوبا مستقلة من الخرطوم. لا توجد أي طريقة أخرى، إما أن نحترب ليملي أحدنا إرادته على الآخر أو نتفق لنعمل إرادة مشتركة. خيار أن نحترب معناها أن نبحث عن كل حلفائنا وقدراتنا لنهزم الجنوب لنملي عليهم إرادتنا، أو هم يتحالفون هم مع آخرين ليملوا علينا إرادتهم، وهذه خطة صفرية فاشلة وكل ما سوف تؤدي له هو مزيد من الاحتراب. والخط الآخر هو أن نتفق على أن نعيش كجيران وعلى علاقة خاصة تحقق مصلحة الطرفين. وليس هناك غير هذا فهذا حتمي وأي كلام غير هذا هو دروشة سياسية أو انتحار سياسي لأنه سيؤدي لنتائج ضارة علينا وعليهم. من المستحيل أن نفتح الجنوب ونستعمره أو يفتحون الشمال ويستعمروننا. هذه خطة بلهاء لا معنى لها يجب أن نتفق على أن هناك أشياء حتمية تجمعنا نتفق على تنظيم هذه الحتمية مما سيؤدي لما نسميه العلاقة الخاصة مع دولة الجنوب، فبيننا أشياء كثيرة مشتركة بيننا ذكرها الأستاذ صدقي كبلو. الانجليز كان هواهم فصل الجنوب باعتبارها أفضل سياسة لهم. فعملوا سياسة المناطق المقفولة وكانت خطوة أولى لفصل الجنوب وفي الآخر رأوا أن ذلك غير ممكن لأسباب كثيرة وكتبوا ذلك في مدوناتهم فهم موضوعيين، وفي آخر عهدهم بالسودان غيروا مع أن عاطفتهم لم تتغير، فعاطفتهم كلهم بدءا بمذكرات غردون وما بعدها كانت تهدف لفصل الجنوب عن الشمال ويعتقدون أن الجنوب فراغ حضاري يملأ بالثقافة الإنجليزية الأنجلوفون والدين المسيحي بدلا عن العروبة والإسلام في الشمال، ولكنهم وجدوا ذلك غير ممكنا لأسباب موضوعية. وقد بين تفاصيلها الحبيب صدقي كبلو الأشياء المشتركة المقربة بيننا وبينهم وسوف نركز عليه مستقبلا وهو بند أساسي في الأجندة الوطنية:
o مزايا نسبية تحقق مصالح مشتركة.
o الجنوب عنده بترول والشمال عنده بنى تحتية.
o التوجه شمالا أفضل اقتصاديا للجنوب.
o مسألة المراعي والتداخل فيها.
o الكهرباء والتعاون الممكن حولها.
فالمصلحة المشتركة غالبة ولكن الظروف الذاتية مانعة. وما يحصل اليوم نوع من الانتحار: حكاية أن نقول نمنع ترحيل البترول عبر الشمال، لأن بيننا حسابات، وحكاية منع التجارة مع الجنوب، وكل هذا عمل ضار للغاية (زول يطبز عينه بيده). يجب أن نتعامل مع الجنوب بصورة فيها درجة عالية جدا من كرم الأخلاق لأن الجنوبيين قدموا لنا عرابين: سموا نفسهم جنوب السودان أي احتفظوا بالمرجعية السودانية، وأدخلوا في نشيدهم كوش وهو توجه سوداني، وهذا شيء جميل جدا، وكل هذا يعني أن هناك أشواق وهناك مداخل لنستثمر هذه الاشواق وهذا يحتاج لمن يدرك ذلك ويترك تماما النظرة الاستعلائية بل يقلبها ويتعامل بالاعتذارية وليس الاستعلائية، لأسباب أساسية فالجنوبيون لديهم تجارب معنا أشعرتهم بالدونية لا بد أن نمسحها وإلا فسوف يستغلها عدونا ضدنا. القوة النفسية حقيقية ولا بد نزيلها وإلا سوف يستغلها عدونا.
من أهم الاشياء التي ركز عليها المؤتمر وينادي بها خصوصية العلاقة بيننا وبين الجنوب كتوأمة، وهي وحدها التي يمكن تكون أساس نواة لتوأمة بين أفريقيا شمال وجنوب الصحراء، وهذه أمانة نخون أمانتنا إذا قصرنا فيها. لأن قوى الاستعمار وقوى الهيمنة الدولية تريد أن تبني استقطابا بين شمال وجنوب القارة الأفريقية لتؤسس عليه صراع حضاري لديهم فيه مواقع والسودان يجب أن يقوم بأعلى درجة من المجهود ليركز على العلاقة مع الجنوبيين. هذا المؤتمر لا بد يعتبر جزء من رسالته المهمة التركيز على هذه المهمة وضرب وإزالة النهج الحالي الذي يتعامل مع الجنوب بمنطق (شايلوك) في (تاجر البندقية)[1] إذ أصر على أخذ حقه من مدينه وقال له لو لم تسدد الدين فسوف آخذ منك رطلا من لحمك! هذا المنطق يهلكنا ويهلك مستقبلنا ولا بد أن نتجاوز منطق شايلوك.
د. موضوع مياه النيل ويتطلب بعد نظر. النيل بالقانون كان كله مصريا: اتفاقية 1929م والاتفاقيات القديمة كلها كانت تحصر مياه النيل على مصر. وفي مصر للنيل مركز ممتاز جدا: ألم نك من قبل عيسى بن مريم وموسى وطه نعبد النيل جاريا؟[2] كان المفهوم أن النيل ملك لمصر ثم بعد استقلال السودان صارت المياه لمصر والسودان معا. الآن الشعوب الأخرى لو تكن محتاجة للمياه ثم صارت نسبة لظروف تكنلوجية متعلقة بالكهرباء وظروف مجاعات فيها وحاجات السكان صارت تريد نصيبا في المياه. النيل سيادة مشتركة وهذا الكلام لا بد أن يقال بوضوح لأنهم في مصر يقولون تعالوا فاوضونا ولكن لا تفاوض في نصيب مصر، ولا تدخل في اي شيء يخص النيل. كيف ذلك وفيم التفاوض إذن؟ لقد شننت حملة منذ العهد السابق في مصر والعهد الحالي لأننا نقول إن النيل سيادة مشتركة لذلك عدم الدخول في الاتفاقية الحالية وفي مفوضية حوض النيل حماقة كبرى، لا بد نوقع وندخل في أي نوع من التفاوض داخلها، لأننا خسرانين من هذا الاستقطاب وحتما دولة الجنوب سوف تكون في الطرف الآخر. لا بد للمؤتمر أن يدق على هذا المعنى باعتبار النيل سيادة مشتركة وأي كلام غير ذلك حماقة. هنالك ثلاثة مشروعات ممكن إقامتها في الجنوب يمكن تزيد الدفق في النيل بمقدار 20 مليار متر مكعب. لا بد نتعامل في موضوع مياه النيل كمشروع شراكة تنموية. ومياه النيل أكثر مجال لاستغلالها هو المجال الزراعي في أراضي السودان المنبسطة، ولكن ذلك لا يكون إلا اذا اتفقنا على الحصص في المياه ونعمل اتفاقيات ثنائية مع الدول لتزرع بحصتها في أرضنا على أساس المزارعة.
ه. هذا المؤتمر يقدم فصلا في كتاب الخلاص الوطني، الـ Blue print للنظام الجديد. وحبذا لو استطعنا أن نواصل مشروع هذا الكتاب ليصدر بعنوان: كتاب الخلاص الوطني في الاقتصاد، ونصدر بعده:
o كتاب الدستور فنتفق عليه وعلى الدستور الانتقالي، ذلك أن الدستور الحالي ليس إلا اتفاقا ثنائيا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فهو اتفاقية مقننة بين حزبين وليس دستورا، ولا بد أن نضع أساسا للدستور الانتقالي لبلدنا، ومبادئ الدستور الدائم، ونخرجه كجزء من التعبئة للنظام الجديد.
o ثم كتاب السلام نحن يجب أن نتفق على أن الحروب القائمة حاليا يجب إنهاؤها بسرعة، ونضع الأساس للمشورة الشعبية ونتيجة المشورة الشعبية وغيرها من المعاني ونتفق مع القائمين بالقتال على إنهائه على أساس اتفاق سلام يحقق طموحاتهم المشروعة. نضيف ذلك لكتاب الخلاص الوطني. ومعروف بالنسبة لكل الحركات الاحتجاجية لا بد أن تعامل بصورة تعالج القضية السياسية.
o كتاب الإسلام: لأن لدينا تجارب إسلامية كثيرة. تجربة السودان في الإسلام تجربة فاشلة يجب تجنبها، وهناك تجارب ناجحة كالتجربة التونسية، ولكن الكلام لا ينبغي أن يصير ارتجاليا بل يعقد مؤتمر ليقول ماذا نعني بدولة حديثة ذات مرجعية إسلامية؟ وما هي الدروس المستفادة من التجارب الحالية؟ وأرسل بهذه المناسبة تحية للأخوة في تونس وقد قاموا بعمل عظيم جدا، إنهم وقبل كل شيء صاغوا وثيقة مهدت للحاضر وهي تنطلق من درجة عالية من الرشد الديني والإنساني. ولا بد كذلك من أن نقدم مشروعنا الذي يبين مثالب التجارب الفاشلة ومحاسن الناجحة. ولدينا كذلك النمكفئون وهم حقيقة مشروع حرب بين المسلمين مذهبيا وبين المسلمين وغير المسلمين وبيننا وبين العالم، هو مشروع حرب جاهز. مفهومهم للولاء والبراء، مفهومهم للتعامل مع بالآخر، مفهومهم لحقوق الإنسان، كلها في نهايتها حروب معلبة: حروب معلبة مذهبيا وحروب معلبة بين المسلمين وغيرهم في داخل الوطن، وحوب معلبة مع العالم، هؤلاء يجب أن نميز موقفنا منهم تماما ونبين حقائق الإسلام بالصورة التي تستجيب لمقولة رسول الله (ص): "لا بد لهذا الدين من عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". لا بد من اجتهاد بهذا المفهوم على هدى التجارب القائمة.
أخواننا في "الإنقاذ" يتحدثون وكأن هذه الحركات الإسلامية الآتية تؤيد نهجهم، لا بد يفهموا كما تفهم هذه الحركات نفسها أنهم في الحقيقة يريدون أن يكون بينهم وبين جماعاتنا بعد المشرقين، فهم جاءوا بالديمقراطية وهؤلاء جاءوا بالدبابة أولا، ثانيا: هؤلاء جاءوا بنظام أحادي إكراهي وهؤلاء قادمون بنظام طوعي ديمقراطي، فالمعاني مختلفة تماما، وكل نظام من النظم القادمة بالانتخابات وهناك أسباب كثيرة أدت لغلبة الصوت الإسلامي في الربيع العربي، وكل هؤلاء قابلناهم وتكلمنا معهم وواضح لهم أنهم لا بد أن يضعوا مسافة بينهم وبين إخواننا في الخرطوم لأنهم حقيقة في تجربتهم أساءوا للإسلام. إن ما يحدث من نبرة وتوجه إسلامي في المنطقة العربية شيء عظيم لأنه لا توجد ثقافة ولا حضارة ولا تنمية يمكن أن يقدمها الإنسان بدون أن تنطلق من هويته، بشرط أن هويته تأخذ في حسبانها وجود هويات دينية وثقافية وإثنية آخرى أي احترام الآخر. لا بد نوضح موضوع الإسلام وهذه النظرات المنكفئة.
وهذا البحث يجب أن يطال كل بنود الأجندة الوطنية لتفصيلها بوضوح تام.
هذه الكتب ليست تمرينا أكاديميا بل لنتخذ منها أساسا لحوار وطني للتوافق الوطني، ولنعمل بموجب ذلك تعبئة شعبية فلن نقف عند حد التمارين الفكرية، ولا بد أن نخطط وننفذ عملا حركيا وتعبويا فلا يمكن تنفيذ هذه المعاني في غرفة بل في زفة، مما يقتضي عمل هذه التعبئة الحركية. وفي هذا الصدد يمكن الاتفاق على إستراتيجية واحدة وإن اختلفت الوسائل لتحقيق هذه الاستراتيجية. والوسائل مهما اختلفت تكمّل بعضها الآخر.
ظروف التغيير الموضوعية مكتملة في بلادنا. والتغيير الخشن وارد ولكن هناك مخاطر كبيرة لذلك نتحدث عن الأسلوب الآخر لكن دون تغيير في الاستراتيجية (نظام جديد).
قد يدرك المتاني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
نحن تاريخيا كنا قابلة أكتوبر. بدليل حينما جاءت مرحلة محددة من الضغط أرسل لنا نظام عبود ضابطين قلنا لهما مرحب بالتفاوض من أجل التغيير ولكن بشرط أن يكون التفاوض شاملا وأرسلنا لجبهة الهيئات في الخرطوم فانضموا لنا، وكان هذا أول مراحل المولد الجديد، ثانيا الدور الذي قمنا به في التفاوض مع السلطة، وثالثا التسوية الآمنة التي قمنا بها مع نظام الفريق عبود وكان هذا دور القابلة. نتطلع أن نعمل هذا مرة ثانية ولكن هذا يتطلب من الناس في السلطة أن يلمسوا هذه الدرجة من الخطورة ليكون هناك استعداد. هذا الجنين بلغ تسعة شهور تبقى الآن المخاض، فهل قيصرية أم ولادة طبيعية؟
نقول لهم: شوفوا ياخوانا عندكم الآن فرصة تلعبوا فيها دورا تاريخيا لصالح بلدنا ولصالحكم، ولكن إذا تقاعستم سينفتح الباب للأجندات الأخرى حتما، فهي خيارات وفيها نقول أفضل لنا حسب المعطيات (حللا باليد ما بالسنون). ولكن إذا استحال باليد ستفرض السنون نفسها، وقد قلنا المخاطر فيه وأهمها: أن السودان سيفتح الباب والصدر والنوافذ لكل الأجندات الأجنبية تدخل لصوملة السودان. ولذلك فإني أنهي حديثي هذا بالقول: هل يسمعنا صناع القرار؟ قال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)[3].
والسلام عليكم ورحمة الله.
ملحوظة: ألقيت هذه الكلمة شفاهة وتم تفريغها من قبل المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي.
[1] رواية شكسبيرية
[2] بيت شعر لأحمد شوقي