صدي
التقدم إلى الخلف؟؟!!
أمال عباس
٭ في المساحة الفاصلة بين الحياة والموت أو الوجود والعدم أقف وأشعر باحساس غامض يلف روحي.. لا أجد من الكلمات القادرة على وصفه... لكنه احساس يجعلني في أسوأ حال من حالات الكآبة والتمزق الوجداني.. وأنا أحاول أن أكتب عن ظاهرة جديدة في مجتمع المرأة في السودان.
٭ مجتمعنا.. مجتمع متسامح ودود يعيش معاني الحياة بأبعادها الانسانية المرهفة يتعاملون مع الحياة بأعماقها الوجدانية النبيلة.. في الأفراح يبتهجون ويرقصون ويغنون.. يرتدون الزاهي من الثياب ويتعطرون بالمبهج والمعتق من العطور... وفي الأتراح والمصائب يحزنون ويضعون ألف حساب لمشاعر من فقد عزيزاً أو ألمت به مصيبة.
٭ وفي هذه الدائرة كان يتميز مجتمع النساء بشيء من المغالاة «يتملصن» يخلعن حليهن ويشلن الوسخ والحفه ويتحفظن حتى في نوع الونسه في بيت البكاء.. بل وصلت هذه المغالاة حدوداً بعيدة استوجبت على الاتحاد النسائي في بدايته أن يحارب عادات الحد وشيل الوسخ وامتداد أيام المأتم للأربعين والسبعة شهور.. بل والسنوات ولبس الدمورية والقنجه.
٭ عموماً جميل أن تنتظم حياة الناس معاملات متناغمة مع الحياة بقطبيها.. الفرح والحزن... ولكن متغيرات الحياة وفرضيات واقعها المتشابك واختلاط المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يؤدي إلى ظهور النشاز من الايقاع.
٭ ومثلما وقفت الحركة النسائية في يوم من الأيام ضد الحِد وشيل الوسخ والمبالغة في اظهار مشاعر الحزن.. عليها أن تقف اليوم ضد الخلط المريع بين محاربة العادات الضارة واستفزاز دائرة الحزن عند الانسان.. الحزن كعاطفة انسانية وأساسية في الحياة طالما هناك موت وكآبة ومنغصات.
٭ بيوت البكاء هذه الأيام تشهد ظواهر غريبة بدءاً من أنواع الطعام المقدمة ونهاية بمظهر النساء المعزيات كأن الحياة فقدت معناها ومغادرتها تفرض قيام مهرجان تتبارى فيه النساء في لبس الحلي اشكالاً وألواناً.. والدخان والبخور والحنة وغالي الثياب... الزوجات يتبارين في عرض القوة الشرائية للأزواج على أجسادهن ابتداء من الثياب الباهظة الثمن.. وأرطال الذهب من العقود والغوايش الملونة وانتهاء بالخواتم الماسية ومفاتيح السيارات ذات «الدلايات» الذهبية.
٭ في يوم خرجت من بيت بكاء تلف مشاعري سحابة داكنة من الحزن على الفقيد الغالي... مع حزني كنت غاضبة ولأنني أغضب بصمت يمزقني.. ظنت من معي أنني مذهولة من مستوى الاناقة ومهرجان الأزياء والحلي والعطور.. اكتفيت بالتحديق في وجهها علها تفهم بينما غمرني غم لا حدود له.. ولكنها استمرت في حديثها معي.. «بالله شفتي جنس الحالة دي.. حاجة تمام شفتي توب فلانة تمنه خمسمائة ألف جنيه اللبس يا كده يا بلاش... شفتي حنة علانة كيف دي آخر موضة.. قالوا دي حنانة في كوبر ترسم الحنة حسب المناسبة.. رسمة لبيت البكاء ورسمة للسماية ورسمة للعر?.. الحياة مطورة.. عاد جنس ملايات وكبايات وترامس.. البكاء يا كده يا بلاش.
٭ لا أدري كيف استطعت أن أكون معذبة ولم أصرخ في وجهها قائلة.. كل هذا عبث.. انها وسائل مبتذلة لاستعراض الثراء والجاه والاناقة.. وأنه اعتداء على المشاعر الانسانية واحترام أحزان الناس.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة.
ألا يستحق النقاش؟؟؟؟