منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل المصنع     مجموعة الفيس بوك

اهلا وسهلا بناس المصنع عزيزى العضو فى منتدى مصنع سكر حلفا الجديدة تفضل بالدخول الي المنتدي واذا ما مسجل معانا تكرم بالتسجيل والتمتع معنا ولقاء الاحبة والاخوان ومن فرّقتك عنهم طرق الحياةولو ما عارف كيف تسجل في المنتدي فقط إضغط زر ( تسجيل ) واتبع الخطوات ,واحدة واحدة,(الادارة بتفعل حسابك )

 

 عسلاية وطني الآخر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالأربعاء 12 سبتمبر 2012, 1:44 pm

عسلاية وطني الآخر (1)
أعود بعد غيبة مجدداً إلى عسلاية الأم الرؤوم والوطن الآخر الذي يسكن ضلوعي ويتوهطه كما يشاء، والذي بحق يمثل عندي الملاذ لسدرة مبتداى ومنتهاى .. ولعل عسلاية في ذاكرتي لما تبارح المكان منذ أن كنا طلاباً بأبتدائية مصنع سكر حلفا الجديدة (أ) بنين وذلك عهد فقدنا فيه الكثير من الأصدقاء والزملاء وثلة من الجيران الذين قدرت لهم الظروف في ذلك الزمان الباكر موقعاً آخر في الحياة بأنتقال أبائهم إلى عسلاية بعد أن بدأ العمل في المصنع على ضفاف النيل الابيض جوار قرى قوقيلا، الفردوس، الهجاليج المدرسة وعبد الله الشيخ، الرواشدة، ابو طليح، وحجر عسلاية وغيرها من القرى الواقعة في نطاق المشروع ..
وغادرنا في أواخر عقد السبعينات أبناء جيراننا الأعزاء مراد ومهند عبيد عبد الرسول، على (جامبو) وعثمان ومختار عبد الله محمد خير، هاشم عوض عوض الكريم، معاذ نوري، محمد ومعتز جمال محمد احمد، خليل عبد الله خليل، الجار العزيز العم عيسى محمد عثمان (عيسى السنجك)، والزملاء صالح وفرح ونجم الدين مكي محمد صالح، رمضان ملوال يونس، والزميل الفاضل الكردي ابن الراحل الجليل مصطفى كردي، وبما فيهم عمي سعيد محمد محجوب رحمة ابن خال والدي الذي كان يسكن معنا في البيت بحى خمسين بيت بمصنع سكر حلفا الجديدة، وغيرهم لا تسعني الذاكرة بسرد اسمائهم ..
وكانت تعتبر تلك العملية أكبر نقليات تمت في السودان خلال تلك الفترة وفي قطاع السكر تحديداً اذ زامنتها نقليات أخرى من مصنع الجنيد الشقيق الأكبر لمصنع سكر حلفا الجديدة وتوام الروح والجسد وشيخ مصانع السكر السودانية ولا يزال ..
وتزامنت مع حركة التنقلات تلك إلى عسلاية أيضا تنقلات أخرى إلى مصنع سكر سنار والذي بدأ الانتاج فيه متقارباً مع بدء الإنتاج في عسلاية، مما شكل فراغاً عريضاً بمصنعى حلفا والجنيد خاصة أن المنطقتين فقدت الكثير من العمال والموظفين المهرة الذين كانوا يشكلون عماد الإنتاج والنسيج الاجتماعي المتسم بحياة شغيلة جليلة وعظيمة ربطت جميع أهل السودان في بوتقة واحدة ولا تزال تمضي المسيرة بذات النسق صانعة وطناً مصغراً في مصانع السكر وهذا ما فشلت فيه كل الحكومات المتعاقبة بما فيها الانقاذ التي شتت شمل الوطن في مماحكة كبيرة قضت مضجع أبنائه حتى ساعة الناس هذه وكانت القشة التي قصمت ظهر بعير بلادنا وتنميتها..
وفي ذلك الوقت تناهي وتسرب إلى مسامع وعينا منطقة تسمى (عسلاية) وبهذا دخلت البلدة الجديدة قاموسنا اللغوي والمعرفي في أُبهة بإضطراد سريع حتى إحتلت مكاناً لا يزال وريفاً كما كل بلادي الطيبة ..
وفي هذا الأثناء انضم إلى ركب التعيين بالمصنع والدي الآخر وعمي وصديقي العزيز سيد احمد محمد الحسن البهدير شقيق والدي مما شكل علامة فارقة في إنتمائي إلى عسلاية جنة مصانع السكر السودانية فيما بعد..
وأمتدت الايام بنا وإذ بها تمنحني فرصة بعد منتصف عقد الثمانينات أن أكون حضوراً بملاعب هذه الروضة الغناء .. وكان ذلك في أحد إجازاتي المدرسية، وهى تصادف فصل الخريف، والتي كان في العادة نقضيها في القرير وعلى وجه التحديد بالكنيسة مسقط راسي ومولدي .. لقد صادفت عمي سيد احمد البهدير في الخرطوم حيث أصر على للذهاب إلى عسلاية كعادته وطيبته التي تملأ كل أركان قلبه الكبير والممتليء بحب الناس جميعاً وهذا حاله حتى يومنا هذا وما نكس هذا الجميل عن واجبه وعادته .. رجل لا يملك عيونه ولا محاجر شوقه وحنينه المنهمر كالسيل دوما نثيث متصل محبة للناس ولا ينتقص إلا إستزادة..
فما كان مني حيال فرصة كهذه إلا أن حزمت أمتعتي ويممت وجهتي صوب عسلاية مع عمي بدون أي تردد، عسى ولعل أن التقى زمرة الاصدقاء وزملاء الدراسة والجيران بسكر حلفا الجديدة سابقاً ..


ونواصل في هجيج الشوق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تساب
مشرفة سابقة
مشرفة سابقة
ام تساب


عدد المساهمات : 1151
نقطة : 11374
تاريخ التسجيل : 14/05/2011

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالأربعاء 12 سبتمبر 2012, 8:35 pm

نكتفى بالمتابعة الجيدة حتى لا نفسد عليك روعة التوثيق ولنا عودة بلا شك
بس بصراحة لايك شديد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالسبت 15 سبتمبر 2012, 5:19 pm

عسلاية وطني الآخر (2)
في تلك الأزمنة من خريف العام 1986 كان الصباح بهياً كجحافل شوقي وإشراقات شمس أغسطس المغسولة برزاز المطر والباهرة بخيوط الوان قوس قزح بما يكفي لهطول دموع الفرح وسط زخات غمام هامي خاصة وأن كل حنايا الروح وخلايا الجسد رهن سماحة عمي العزيز سيد احمد الذي لا أرد له حاجة.. وقتها حزمت حقيبتي ووطنتها إلى رحيل مباغت يتوغل جنوباً وطريق جديد لم يألفه القلب من قبل.. وفي هذا أنشد بعض عبق الماضي وفي خاطري حكايات تنبض بالحنين وتعيدني إلى الوراء .. زمن كنت أدخر فيه ملامح لأشياء لم تولد بعد في رحم الغيب كمثل هذه اللحظات الجامحة..
غادرنا الخرطوم على صهوة باصات ذلك الزمن العتيق وكان وقتها للنيسان سطوة وبأس شديد على رمال بلادنا حتى أسفلتيها لم يخلو من رهق مراهقتها وأصوات شخيرها العالية..
فلخ الرملة مقنطرة
جاء ماشي فيها قطع مسطرة
وطالما على ظهر هذا الشارع المهول الممتد من الخرطوم حتى كوستي ومرورا بالكثير من قرى ومدن النيل الابيض، كان لابد من وقفة وبعض ذكرى لروح الراحل المقيم صابر ادم عبد الله المعروف بـ(صابر جرا) رحمة الله عليه، حينما كان يظعن راحلته متئدا بالصبر والصلاح الجميل على نواح هذا الطريق.. ومعه فيما بعد، في مطلع تسعينات القرن الماضي، قطعت عتامير هذه الكتل الخرصانية وجلمود الزفت وعرفته ما بين الابيض والخرطوم عن قرب صائماً .. قائماً .. راكعاً .. زاهداً .. كريماً.. وعنده القيادة فن وذوق وقضية وأخلاق..
لذا لم يكن غريباً أن تخلده الأغنيات والوجدان الشعبي في أنصع صورة تبين مهابة المهنة أيامئذ حين صدح المغني جميل الصوت صديق احمد عبر حنجرته بلحن:
وين .. وين ..
يا صابر جرا؟ ..
البلد مالك هاجره؟
* * * * * *
سمى بسم الله وقرا
وفارق امدرمان غادرا
وين يا صابر جرا..
* * * * * *
قوة اليابان فترا
باليمين ايدك قصرا
وشوف تعاشيقك باصرا
ومثل هؤلاء شكلوا وجداننا وجملوه وصقلوه لمقارعة جحافل القبح ونسل شر الذات.. لذا لا يمكن نسيانهم وحرىّ بنا أن نخلد جمال أريحيتهم ووفادة كرمهم الباذخ ..
دى السواقة انتا مكنترا
وفيها ماخد كم دكترة
وفي أحشاء هذا الشارع المرهون لمياه المطر على إمتداد البصر إكتحلت عيناى لأول مرة بصور شتى لجملة مشاهد بديعة وفاتنة .. الخضرة والماء ... بيد أن الوجه الحسن كان رفيقي ولا يزال يبرنا بسنابل تبسمه اليانعة بلا تكلف كأعشاب تطول وتقصر كسلالة دهشتي المتناسلة صوب هاتيك السهول أينما جال بصري..
جبل أولياء .. ود الكريل .. القطينة .. نعيمة .. ود الزاكي .. الدويم ومشرع المعدية وصفائح جبنتها..الكنوز .. الكوة .. الرقيق .. اولاد ناصر .. المرابيع ود اللبيح .. الشوال .. حجر عسلاية ..
ومثلما أضحى القلب يتلفت بذات الوهج تتفلت العيون في فضاءات الطريق ومحاجره ومنابعه وصنوف البيوت الرقيقة والمتبرجة على غنج متواطيء مع طبيعة النهر الضليع والخجول ..
وهذا أول ما لفت نظري وأسترعى إنتباهي منظر المساكن المفتوحة بلا أسوار على طول الطريق والمتمثلة أكثر وضوحاً في القرى الواقعة بمحاذاة النيل حيث لا تزيد عن غرفة تعانقها مظلة من أعواد الشجر من جهة شروق الشمس ولا غير .. وهذا نمط يبدو لقد تعارفت عليه قرى النهر في توافق لا تخطئه العين ..
ومما أثار إنتباهي أيضاً مسرح الأرض المتشح بالإخضرار بجانب رائحة الحياة الطازجة والمجبولة بطينها الفائح في تصالحه النبيل مع الناس رغم زخومة البلل والأجواء..
وإمتلأت عيوني لبرهة من الوقت بهذا المسرح المتخم بروائح المطر وأضواء الرعود وفيض الضروع وما فتئت الأمكنة تمنحني إسرافاً في الحياة وأفواجاً منهمرة من زرافات الحنين وإحساساً صادقاً بنبض الطبيعة الساحرة وتلك البلدة التي أقبل عليها بكل جوراحي وظمأ إلتياعي وأشواقي والتي ستكون فيما بعد وطني الآخر ..
وقبيل مدخل الجزيرة أبا بدأت تلوح في الأفق حقول قصب السكر ورائحة تلك المياة اللطيفة كما نعرفها نحن أبناء مصانع السكر ونسميها (ريحة الترعة العفنة) .. وكانت الترعة العفنة واضحة للعيان وهى تهرول صوب النيل الابيض ببطء تعلن وصولنا أرض عسلاية الطيبة والتي عند مدخلها أيقنت بأن هذه البلدة تخصني بصداقتها المبجلة وإلفتها الدافقة وطيبتها المنفلتة كعصافير الشوق وإصطفافها المتزن أوان عبورنا الاسفلت إلى الشارع المؤدي لقلب المدينة التي أحببت ولا تزال تسكن قلبي ..


ونواصل هجيج الذكريات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالإثنين 24 سبتمبر 2012, 10:21 pm

عسلاية وطني الآخر (3)
ما أن وطئت قدماى الأرض التي تتضوع وتتضمخ بعطر التسامح وتدخل باستئذان مسامات الروح وتبعث فيها الحياة، بدأت في داخلي شلالات من اليقين تتدفق برفق حيناً وحيناً أخر بعنف إلي الحد الذي كادت أن تعصف بشراييني بعد أن أمست طيوف من التخمين تطن وتوشوش على مسارات مِتك الحنين وأزهار تعلو أشجار قلبي ورغبتي في قطف طلع الزمان وتلقيح وقت مضي للوراء..
وتعلق بصري وكل حواسي وكياني بتلك الأرض التي لم أراها من قبل إلا في خاطري المدهون بالذكريات وأيام تعلمت فيها كيف أنسج نول القول ولا يزال المترار بين الأنامل يتذوق طعم الحشمة.
وعلى زاملتي أثمرت أعشاب قلبي ورغبتي من جديد في نظم النشيد وغمرني رضاً تاماً أزاح ضبابية وغشاوة كانت تستر وتظلل مشاويري التي مشيتها بدون الجميلة عسلاية ..
وخدشت تلك الجذوة الحانية بؤرة الضوء التي لامستها في وجه المدينة المغسولة بندى أرواح أهلها وتلافيف الزمن الذي منحنا فرصة أن نسامر أحبتنا مرة أخرى ونعانق أغصان ذاتهم المتهدلة على أعطافنا ..
إنها أوراق الحياة تتجدد ببوح صمتي العجول ونثار الريح وصبابة العشق. أوراق تحيل نفسها إلى توق قلبي المركوز على فضاء هشومي ومزيدة أولاد سيدة عوض الكريم، ومراد ومهند ومعتز وتهاني أولاد عبيد عبد الرسول، وعلى وعثمان ومختار أولاد فاطمة محمد خير، ولبنى وتهاني وايمان بنات سيدة السنجك، ومحمد ومعتز ومعتزة أولاد سميرة جمال ..
تلك الدائرة التي كانت تفسح لنا براح من نفس الطفولة وذكريات مشدودة إلى العاب بدنية شكلت وعينا من خلال نبلة وشرك للطير، شليل، ترتار لشبق يفاعتنا، ام الصلص، شدد، الرمة والحراس (الجاك كاد أن يموت فيها بعد أخفى أحدنا حجراً كبيراً في قميصه وضربه متعمداً .. وبكى ما شاء له حظه من البكاء)، زكوكية، كمبلت (كمبليته)، كم في الخط، تك تراك، الضقل، صفرجت، والسيجه،...الخ وهذا ما يخصنا.
أما ما يلزم البنات .. ام الحفر، بنات ام لعاب، اركيه وعمياء نط الحبل، هركش، وحتى العروس الآن أتذكرها جيداً ومواد صناعاتها من فول حاجة حواء المدمس وبقايا أقمشة مهترئة وقد تكون جديدة وعيدان من البوص، ومع ذلك لم تكن عروستنا!
وعادة في غمرة ولعنا بالعابنا فجاءة بدون مقدمات تمر ام زين .. أمراة طاعنة في السن وكل زادها من الدنيا دابة من دواب حمير عبود كما يقال في المقولة التاريخية السائدة وحيناً حمير الحرب العالمية الثانية حيث كانت تستخدم ككاسحة الغام أمام الجنود على نواح حدود ارتريا ..
وفي شغبنا هذا .. كانت لنا مرايات صغيرة بين أيادينا نستخدمها حين مرور أم زين البدوية القادمة من حلة أم رهو على ضفاف الاتبراوي الأنيق .. وكل حيلتنا تنصب في عكس أشعة الشمس في وجه أمنا أم زين التي تزمجر وتتضجر بعنف وتقذفنا بكل ما تملك من قوة وشكيمة وتشتت شملنا (عاوزين تحرقوني يا اولاد ..........) .. ورائحة عيار الكلمة يملأ فراغ صيوان أذاننا الغضة حتى الكعبرة فما بال المطرقة والسندان أما الطبلة فتهتز بصدى رعد رهبة الكلمة والرعب الصادر من فحولة صوتها الأجش والخشن .. صوت يلامس الشعيرات الداخلية ويصيبها بهزة البذاءة التي نطرب لها جميعاً وكاننا كنا نتفق لإستخراج هذا الكنز الفاحش ..
ونتراجع في جلوسنا تحت ظل شجرة دقن الباشا التي كان جذعها في داخل منزل أولاد عبيد عبد الرسول الذي يقع غربنا مباشرة بمحاذاة ديوان بيتنا، أما أغصانها فمنحتها للطريق ولنا وللعابرين حتى عبد الله قنونة الفتي السوداني المنشأ واليمني الأب والارتري الأم يتخذها مسرحاً لجنونه وسحره وغنائه الجميل حتى يغافلنا ويسرق طاقية ابو نفاش أخي الأكبر ويعبر بدراجته سريعاً شوارعنا ويرحل .. وصدي غنائه في أسماعنا حزناً على فقدان الطاقية (آآنا سرقوا . ومين سرقوا ...) ..
والشجرة كريمة في عطاياها. تجاوزت ترفعاً وأدباً وبذلك أعفت أختنا تهاني من مهمة كنس حوش بيتهم بأن أرسلت (كاويكها) للشارع ليصادف عمي يوسف بكل طيبة قلب وإهتمام وهو في دوام واجبه الرسمي والتزامه اليومي بتصفيف شوارعنا وتهذيبها..
وتختلط على تلك المشاهد بما أراه أمام ناظرى في بيت عمي سيد احمد البهدير الماهل بعسلاية وقلبي ما بين أيام مضت وحاضر يكرس عهداً جديداً لماضي انقطع عن العيان ماثلا الآن في وجوه الناس البشوشة ورائحة حقول قصب السكر وعصير القصب وزخات المطر المتواصلة وتلك البيوت المتشابهة كعلب الكبريت التي تحمل يافطة واحدة لعنوان واحد، وكأنها أعواد ثقاب تنتظر من يقدح زيتها.
فسواحل بحر الناس يتلاطم موجة مودته، ومداه يتسع، وعمقه يزداد في الحنايا. وبذا أضحيت في ورطة شوق عليل يلعب دور رمانة الميزان في حفظ توازن كل عواطفي وانفعالاتي. وعندها تعلمت كيف أوزع اشتياقي بلا تطفيف في أرض عسلاية الحنينة لأخرين دخلوا كل خلايا الجسد.

ونواصل هجيج الذكريات،،،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالأربعاء 10 أكتوبر 2012, 4:41 pm

عسلاية وطني الآخر (4)
ما زلت أسير ذكرياتي رغم حرارة إستقبال أهلي بعسلاية وتدفق أشواقي كالمطر إنهماراًً وقت لقائهم الحميم في ظل قوس قزح الممتد على محيا حقول قصب السكر البضة والغضة بإمتداد الأفق والبلدة جلها.. وصرت بين فيضين أحلاهما يغرقني في يقيني وعباب الماضي، وبدورها السماء شاطرتني هذا الفرح..
ومضيت عبر خاطري إلى القرية (22) إسكان نواح حلفا الجديدة التي أنجبت رجلاً نبيلاً ساد سكر حلفا الجديدة وعسلاية بخلقه الرفيع وأدبه الجم وكرمه الفياض بمجرد ما أن وقع نظري عليه، وإلى ذكرى إبنه الذي شغل الناس إلى يومنا هذا بشغبه وجنونه وغيابه الطويل..
وما لم أكن أتوقعه البتّة قد سمعته من عمي الراحل مصطفى كردي، حيث كان من حسن حظ عمي سيد أحمد أن يكون له جاراً عزيزاً وكريماً ملاصقاً لبيته وقبل ذلك أباً جميلاً، حين أسرّ إلى بذهاب إبنه الفاضل مصطفى كردي إلى بلاد الرافدين ويبدو لي حتى ساعتنا هذه لم يعد.. والفاضل لمن لا يعرفه نوع من الشباب المغامر لا يركن إلى هدوء اللحظة ولا يستطيع أن يكون جزءً منها بروحه القلقة وأماله العريضة والوثابة للإنطلاق إلى الجديد والمثير ..والفتى تسكنه طاقة جبارة تهد الجبل وحيله أن لم تصبه بشر وهكذا حاله منذ أن عرفناه في صباه..
عهدنا به في إبتدائية مصنع سكر حلفا الجديدة (أ) بنين في حقبة ما بعد منتصف سبعينات القرن الماضي حيث كان فتىً مشاغباً مملؤءً بالزهو وجنون الصبا لا يمر يوم دون أن يترك أثره على طاولات وأدراج المدرسة والحبر يدلقه بمهارة على ملابس الجميع حتى عمي نور الدين صاحب بوفيه المدرسة لا ينجو من معاركه المستمرة حول الفول والجبنة والساردين وصف استلام السندوتشات المجبولة برحابة صدره..
وفي كل خطواته على الشوارع يشيع الصبي هالة من الضوء الكافي حول نفسه أينما ذرع المكان بأرجله العملاقة وجسده الفارع وفتوته الجامحة بين أسوار المدرسة وحقول الزراعة المدرسية ومكان صفوف طابورها الدائم والعظيم، وقليل من يقف في طريقه ..
وغانم بخيت واحد من هؤلاء القلة الذين تصدوا له بكل صلف وجبروت حتى أدخل نفسه في معمعة عقاب المدرسة الجسيم .. وغانم لا يقل عنه في الجنون وبسطة الجسم سواء في مقدار الكيف أو النوع .. يتشابهان في كل شيئ حتى أدق التفاصيل، فقط يفصلهما لون إهابهم الخشن؛ غانم بلون فاحم والفاضل المايل للبياض الشديد مثل قلب أبيه وجسده ..
وذات يوم من تلك الأيام التي لا تنسى، إصطف الجميع في طابور الصباح الباكر وكأننا كنا على موعد في مائدة مستديرة ومختلفة من فوضى الفاضل المتناثلة والتي إعتدنا على وجباتها الصباحية المعدة في إحدى الأمكنة أو في حى البركس مسكنه أو شارع البركس الفسيح غالباً ليأتي خاتماً كرنفاله على إيقاع طابور المدرسة الصباحي بعقاب كبير يحتشد له أربعة من كبار تلاميذ المدرسة وكانت هذه حصته كل يوم أن لم أبالغ في ذلك..
وبدأت سيرة الصباح المنفتحة على ألف باب من الدهشة والتساؤل عن أصل الغريب القادم ذلك اليوم حيث تلاها السيد غانم بخيت إبن النيل الابيض المسكون بالشغب عكس هدوء مسقط رأسه ..
وبصوت أجش وغليظ موغل في القسوة إعتدنا عليه، صدع به الاستاذ عبد المنعم دقينة حتى ملأ باحات المدرسة وكل مساحاتها (عصي .. عصي .. يا عم نور الدين!).. عبارة نحفظها جميعا كجملة تجد حظها من الإعراب على لسان كل طالب يفشل في حصة اللغة العربية التي كان يشنف بها أذاننا الاستاذ الكبير عبد المنعم .. وقتها إختلط حابل غانم بنابل الفاضل ورجع صوت الصدى يهز مراحيض المدرسة الواقعة في الجزء الشمالي من الحوش ولم يستثن أرجلنا التي مادت على الأرض..
لحظات.. وشد وثاق غانم على الملأ وحمله أربعة من عتاولة المدرسة .. ادم بركة .. هاشم حريري ..كمال طاحونة .. كبرجل .. .. لا أتذكرهم جيداً وعلى نحو صحيح لأنهم كُثر في ذلك الوقت .. فالمهم تم نصب غانم وضمه على أعواد الرجال بكل صلابة عجز فيها عن الصراخ والبكأ في ظل الصمت المطبق بأحداق المكان والسكون الذي أرخى سدوله وخيم على حين غرة، والجميع وجلاً وفي نفس اللحظة مشغولاً بالقادم الجديد من أصقاع الجزيرة والذي لا زال حديث عهد بالمكان وكل أركان المصنع..
وفي تلك الجغرافيا المشحونة بالخوف والرهبة وبينما غانم معلق ومصلوب على أكباد السماء ومرفوع على أيادي رجال أقوياء وأشداء بلغوا مبلغ التكليف، وجد الفاضل نفسه مواجه بالهروب من خشية سكنت مداخل قلبه الرهيف ومن هول الموقف وفظاعته..
لحظات وتمدد الهارب على راحة المكان ونفذ من خلال مدخل صغير تخلل سور أشجار التمر الهندي التي تلتف حول المدرسة بتناسق بديع من جميع جهاتها الأربعة مشكلة حائطاً من الشجر الأخضر، وكان ذلك المكان تقريباً في شمال الباب الكبير الحالي للمدرسة من الناحية الشرقية وحينها بوابة المدرسة الرئيسية الكبرى تفتح جنوباً على شارع الترلات الرئيسي الذي يمر بمنتصف مدينة المصنع من أقصى غربه إلى شرقه، والمدرسة الآن تختنق وتتسربل بسور من الطوب الأحمر يحبس كل رحيق مفاتنها وأشجارها وزهورها اليانعة..
ويبدو لي إن تلك المسافة التي ساعدت الفاضل في الهروب قد أُغلقت بعد هروبه الكبير لسد تلك الحالة حتى لا يتكرر شبيهها من الشخص نفسه ..
وفي قفزتين لم يتوقعها أحد، بوسامته الفارهة وهندامه الأنيق وحذائه اللامع وشرابه الملون على غير عادة جيلنا، ومن نقطة وقوفه المشحونة بالتوتر وبعض عرق سال، إستطاع الفاضل بكل قوة أن يعبر كل طابور المدرسة الواقف في خطوتين بمهارة فائقة وسرعة خيالية عزّ نظيرها على عينى حتى يوم الناس هذا ..
سرعان ما تحول الكبار إلى مهرجان من نوع آخر وإلى ركض متواصل في مضمار مختلف خلف الهارب الفاضل بدلاً من إكمال مهمة حمل المشوطن غانم تفرغوا تماماً إلى بعثة جديدة وشاقة في ذات الوقت بين فخذى مفازة تحتمل الغرم والغنم .. إذ شكل هروبه سابقة فريدة وعلامة فارقة من نوعها على إمتداد عمر المدرسة منذ إفتتاحها في العام 1969م.
وتفرق الجمع الصباحي على أمل إلقاء القبض على الفاضل والذي إمتد هروبه إلى ناحية أحياء الموظفين المتاخمة لحدود المدرسة حتى أعادته عصبة الكبار مرة أخرى في زمن وجيز إلى مكتب المعلمين حينها أكمل الطابور دورته وغادر كل منا إلى فصله .. ولم نر ما تبقى من مسرح الرجل الواحد وما دار هنالك في خباء المعركة التي حسمها الكبار لصالح حركة النظام والضبط المدرسي..
وما لم أقوله في الفاضل كثير وكثير .. حال بيني وبينه حضور ذكرى حزينة كان يشتعل أوارها كاسية ملامح وجه الراحل المقيم مصطفى كردي عظيم عسلاية وكبيرها وكريمها وجميلها وسليل شغيلتها على رحيل إبنه وفلذة كبده الفاضل إلى بلاد دجلة والفرات وعدم عودته بتاتاً..
وبت على حزن يقين طالما ما زلت أحمل بقلبي ذكرى عمي الراحل مصطفى كردي أول رجل منحني صك للعبور لتلك البلدة الجميلة طيلة فتراتي المتقطعة التي عشتها هنالك على تخوم حبه للناس وجليل أعماله التي قدمها للجميع بلا من ولا أذى..
عليه رحمة الله ونور يغشي قبره.. وسلام لطيب ذكراه العبقة..


ونواصل هجيج الشوق والذكريات،،،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

عسلاية وطني الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عسلاية وطني الآخر   عسلاية وطني الآخر Emptyالأربعاء 31 أكتوبر 2012, 8:18 pm

عسلاية وطني الآخر (5)
رفيقي علوبة
طفقت بخاطري وأرجلي أطوف أربعة أركان البلدة الجديدة على جسر الحنين تسندني ينابيع بوح لا تنضب كلما عبرت تلك الباحات والطرقات طارقاً أبوابها وقلمي عالقاً في بحور الماضي العميق وسط رَذَاذ المطر وبلله المتواصل.. وإذ بي أجد نفسي أمام علوبة نديدي وصديقي عبر ذلك النفاج الذي طالما منحنا فرصة أن نكون بقربه على بواطن إنسانيته وشفافيته العريقة بحى خمسين بيت في سكر حلفا الجديدة .. وبين بيتنا وبيتهم مسافة أعبرها في لمحة بصر وفيها أرى على وعثمان ومختار وسكرة .. وعبرنا هذا النفاج حين مغادرتهم العام 1978م إلى عسلاية، وانتقلنا كلية إلى منزل طفولتهم حتى العام 2006 حين غادر والدي قطاع السكر، وأضحى الأمر معنوياً أكثر منه مادياً .. غادرونا على عجل وتركوا لنا هزيم الحنين يرتع على مضمار القلوب؛ ذكرى شجن وأشواق لا تهدأ على مرافئ الغياب .. غاب علوبة رفيق الطفولة وبقى المكان فينا يشحذ قوى فلول الذكريات التي تطاردنا بين الفينة والأخرى بأمل اللقاء ذات يوم..
ولصديقي على محمد خير عبد الله قصص لا تنتهي بإنتهاء النهار بل تمتد زمانئذ إلى حدود رحاب المساء وتعتصم بالسماء في نداء فلكلوري مموسق يفضح صمت الليل ويشقه بعنفوان ليوسمه بالحبور والضحك الوسيم الذي يصدر بعمق من جوفه المتين .. وهكذا علوبة الجميل بصمة لن تتكرر على وسادة الليل اليانعة يمنح الخاطر عافية ونقاء..
وكنا نغني ونشد وثاق ساق الدجى ونعلقه على مشاجب لهونا الطفولي وعلى سناج الأيام المسربل بالبراءة، ونقدح ناره كما طوارق العتامير في الليل.. حيناً نوشم أوراق ذاكرتنا المخضرة وحيناً آخر على مؤخرة شغبنا المنصوب على وهن الشوارع وبعض أعواد الرصاص والدفاتر .. ونبري قلقنا بين ضفتين؛ الأولى من انعتاق الجسد من ربقة حوش المدرسة وتلك الأصوات التي تجوس في ظنها بين سعى الغياب وهرولة الحضور، والثانية من اصطفاف لزج على عورة سذاجتنا الموغلة في غور اللاشيء ..
ونصيح بأعلى ما فينا من هياج..
علي علوبة
دق النوبة
جرينا وراه
لقينا (...)
وكم كان فخوراً بتلك الأهزوجة المعطونة في روث البذاءة والضحكة ملء أشداقه وعيونه التي تأوي بلداً بأكملها، وهى تتلصص علينا برفق ورقة تفسح للبال راحة وإشتهاء ونضارة ..
والأمكنة على كثرتها؛ مقيل لوطء جسده المترامي وهول أنفاسه المتلاحقة، لا ترتبك خيوله فقط بل تنضح بنشيج الأزمنة وبعض دلال خفي .. وقلبه ناهد صوب جنونه المسرف في حصحاص الحياة وبينه وبين الإنفلات مسافة تعري مفترق عروف العتاق واستباحة نواصيه وأذنابه .. وللجياد قصص تطول كما تستطيل وتستدير نوادر علوبة التي لا تنتهي بقدر بسطة جسده الممتد كحوافر الضجيج فينا في كل واردة وشاردة..
ولعل حريق (البقاس) واحد من المفازات التي قطعها علوبة في تضام لا يحسد عليه وسط مخلفات حقول الكيمياء وطين قصب السكر التي تخرج للعراء متبرجة كنفايات صناعية تلفظها مصانع السكر عبر عملية مبسطة ولكنها تصنع مادة طينية لزجة مشبعة بمواد متخمرة ناتجة عن غسل أعواد قصب السكر بعد عملية الطحن حيث تصير المادة عبارة عن عصير سكري مخلوط بشوائب الحقل .. وفي تلك المرحلة يمر هذا السائل عبر أنابيب معدة لهذا الغرض ليمرر تحت أسطوانة كبيرة والتي بدورها تقوم بعملية شفط السوائل عبر فتحات فيها، وهى في حركة دائرية لا تنقطع .. وفي هذا الأثناء يصعد العصير نقياً وخالياً من الشوائب العالقة به إلى أنابيب صغيرة وعديدة داخل الأسطوانة ومنها ينتقل إلى أنبوباً خارجياً أكبر ومن ثم إلى الغلايات البخارية الكبيرة.. وخلال هذه العملية غير المعقدة يخلف العصير على ظهر الاسطوانة كميات كبيرة من الطين والأوساخ بطريقة محكمة ومعدة بإتقان لا تترك فرصة للمصادفة كلها ..
وما أن يصعد السائل السكري إلى الأنابيب سرعان ما تتجمع حبيبات الطين وتترسب في شكل طبقة على سطح الأسطوانة بطريقة متوالية لا تتوقف، وفي ذات الوقت مع إستمرار حركتها وعبر طريقة آلية يسقط الطين إلى الأسفل على ظهر عربة معدة لهذا الأمر حتى يٌنقل خارج مبنى المصنع إلى منطقة بعيدة ودائماً لا تتعدى دائرة المنطقة السكنية دون التوغل بين حقول قصب السكر..
وكان جوار مدرسة مصنع سكر حلفا الجديدة الابتدائية (أ) للبنين من أكثر الأماكن حظاً بمخلفات المصنع الطينية، والتي بفعل الحرارة ومرور الوقت تتفاعل داخلياً مخلفة حريقاً في باطنها لا ترى العين منه سوى منظر سحب الدخان أحياناً، وتحت هذا الطين تشتعل نار لها زفير وضرام لا يفتر من الإستمرارية ..
وبمرور الوقت وأشتعال البقاس والذي ربما يمتد لأيام تذوب كتل الطين وتتلاشى إلى رماد هش يتساوى بالأرض ويعود إليها من جديد تاركاً لوناً داكناَ وأحياناً خليط من الألوان على الأرض ومسرحاً رائعاً لهوام المصنع من الحمير والتي كانت تنتشي بغمر نفسها فيه بكل إرتياح ..
وعادة لا يرى المتجول وسط أكوام الطين أي مظهر لنار مشتعلة إلا إذا تصاعدت سحب الدخان .. وفي هذه الهضاب الطينية الصغيرة كنا نتجول بحكم العادة التي جُبلنا عليها بحثاً عن شيئاً يخص لعبنا أو غريباً عنا في شكله ومضمونه، لأنها كانت تجاور مكبات النفايات التي تحمل لنا بعض فوارغ العلب وقطع الحديد التي تصنع العابنا خاصة في مواسم الإجازات الرسمية .. ولكن كانت هذه المرة مختلف حضورنا خلال العام الدراسي حيث مضينا بذات ولهنا نحو الكتلة المجاورة للمدرسة من الناحية الغربية الجنوبية حتى الشمالية منها ..
وفي ذات نهار شتوي موغل في الدفء بعد أن غادرنا المدرسة إنصرفنا إلى همومنا الخاصة حتى ولجنا مراتع كتل النفايات وتوغلنا حتى سقط علوبة فريسة لإغواء الطين (البقاس) بجسده المهول وأحترقت قدماه بالنار تاركة جرحاً غائراً لفترة من الوقت ..
ورغم الألم البادي على محياه، إلا إنه أطلق وجهه للبسمة التي لا تغيب عنه وهو في أحلك الظروف وأقساها .. وحمل جرحه المتقيح بالنار وعاد إلى ذات بهائه ولطفه بكل ثبات ويقين..
وكلما ألتقي الجميل والانسان الشفيف على محمد خير عبد الله الذي الذي أضحى رزقه بين أفخاذ البحار وأعاليها، أجدد أنفاس رئتي وأعبيها من جديد بأريحيته وبشاشته التي لا تعرف الضمور والإنزواء والتراجع..
ثمة أزمنة بهية لا تزال تسكن القلب .. صنعها أناس أمثال علوبة المشهور في عسلاية بـ(علي جامبو) لا تزال مشرقة وخير معين لنا في دروب الحياة الملتوية ..


ونواصل في هجيج الشوق والذكريات،،،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عسلاية وطني الآخر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حريق بمحطة توليد عسلاية الجديدة
» سعة الصدر والقدرة على تحمل الآخر
» القومة ليك يا وطن
» عظيم انت يا وطني
» وطني يا وطن الصلابة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة  :: المنتديات العــــــــــامة :: التوثيق-
انتقل الى: