| صديقنا جِلِقر | |
|
+3هيثم أبوالقاسم (البرقيق) عبد الرحمن موسي ادريس ناصر البهدير 7 مشترك |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: صديقنا جِلِقر الأربعاء 19 ديسمبر 2012, 7:36 pm | |
| صديقنا جِلِقر معارف الحكماء دائما تصحي فينا ما طمرته الأيام من ذكريات في خضم عراك الحياة.. في بالي وذاكرتي موقف لن انساه طالما لا تزال خيول انفاسنا جامحة على ظهر البسيطة .. زمان ليس مثل هذا كان موغلا في الحن والشجن وحنايا الروح السمحة بنواح مصنع سكر حلفا الجديدة .. اعتقد لا تزال هى الحياة تمضي بالمصنع لم يتغير شيئا فيها مهما تبدلت الظروف .. فالموقف متعلق بالكلاب أكرمكم الله وأسال الله ان يدخل في قلوبكم محبة الناس وعشرتهم ومعروفهم .. جاء جِلِقر ربما مصادفة على الأرجح يمكن أن نقول عنها.. على وجه الدقة في نهار يوم شتوي غامض ومُترب ومليء بالتعب أوان أوبتنا نهار كل يوم من مدرسة اكاديمية حلفا الجديدة .. وفي ذلك اليوم المشهود، والذي فيه إستطاع جِلِقر أن يجد له صاحباً وعشيرة، هربنا من المدرسة باكراً كعادتنا صوب مدخل السكة الحديد المؤدي إلى المصنع بصحبة الاصدقاء عمر عبد القادر مختار ابوقصيصة ومعتز الطيب حسن الشيخ وخالد حسن طويل وعبد الخالق محجوب العمدة وجمال محمد ناصر وشخصي إن لم تخن الذاكرة ويغشاها غبار الحياة والوهن .. وفي منتصف المسافة او ثلثها تقريباً وتحديداً عند مدخل حى التجار قريباً من نادي الشبيبة الجديد وقتها على الارجح ظهر كلب صغير وضعيف في بنيته لا يقوى على المشي في ملامح كلاب الخلاء، فما كان من عبد الخالق إلا أن يخطفه ويحمله على صدره وكأنه ابن صلبه حتى استنكرنا كلنا في موقف واحد، كيف يفعل ذلك؟ وما الذي يريده من هذا الجراء الهزيل والممتليء بالقذارة؟ .. بينما هو حامل الجراء تقاطعنا في طريقنا بطالبات عائدات من مدرسة محمد عيد المتوسطة بنات الى بيوتهن في حى تبس، فكان بينهن قريبة لي .. وفجاءة ابتدع عمر ابوقصيصة حيلة ماكرة كعهد للتخلص من اليتيم حيث كانت فرصة نادرة وهبتها اللحظة العابرة فاغتنمها ابوقصيصة وقال بصوته المميز: "تشتروا كلب".. وقتها كانت تلك العبارة رائجة كنوع من الهذر (التريقة) فالمهم جاء رد البنات مغالياً في الجلافة والنفور وبصوت واحد متفق عليه: "نسوي بيهو شنو كمان" .. ولم تلحظني قريبتي ضمن أصدقائي لأنهن كان جل نظرهن مصوباً على الشاب والكلب الذي يرقد على صدره، ولم أشاء أن ألفت نظرها ويبدو لي أخبرتها فيما بعد بالحدث العابر .. ومضينا كل في سبيل حاله لم نكترث لذلك كثيراً حتى وصلنا مدخل السكة الحديد الملاصق لحى الاشغال من الناحية الشرقية الجنوبية وقضينا من الوقت كثيراً حتى وجدنا عربة أقلتنا إلى المصنع ..وطيلة وقتنا المهدر في الانتظار حاولنا أن نقنع الأخ عبد الخالق بالعدول عن فكرة إستصحاب الكلب إلى بيتهم.. وخابت رجأتنا وماتت في مهدها لما عرف به عبد الخالق من قوة في الاعتداد برأيه وقرارته حتى وجد جِلِقر حيزاً كبيراً في قلب كل ساكني الدار في زمن وجيز وصار صديق كل أهل الحى .. في بدايات الانقاذ رحل الكثير من أهل المصنع بسبب رعونة لازمت أصحاب المشروع الحضاري فالمهم ضمن هؤلاء رحل إلى مسقط رأسه جارنا العزيز والأب الروحي لنا في الحياة والمعرفة العم محجوب العمدة والد الصديق الجميل عبد الخالق واخوته طارق وسامي وسارة وسلمى وبقية زغب الديار.. فكان يوم وداعهم رهيباً إختنق الناس فيه بنشيج البكاء المر حتى كلبهم الحنين شق طريقه بين الجموع وأصر ان يكون معهم في شاحنة رِحلهم في لحظات صادقة من الوفاء الموسومة به فصيلة الكلاب مما أصاب الجميع بالدهشة .. وما بين أصرار عبد الخالق واخوته وموقف والدهم الرافض لحمل الكلب مضت الشاحنة بدونه في مشهد من الأسف والاشفاق عالق بذاكرة كل من كان حاضرا تلك اللحظات العصيبة... بالطبع غزت البيت العامر وحشة كئيبة وصمت مطبق لا يمكن معه الحياة بعد ان كانت الديار تضج بالحياة وصوت الصغار .. فاتن وحمادة والحسين .. ومع ذلك لم يغادر الكلب إلى جهة مأوى ورزق أخرى طالما يهدهد بين جوانحه عشقاً كبيرا ومعزة لأهل الدار فظل صامدا على أمانته ودفق وفائه لا ينتظر معروفاً من أحد فقط كل ما يرجوه ويتمناه عودة أصحابه كما كان يظن حتى رحل عن الدنيا بعد عمر مديد في الصبر ومقارعة الصعاب .. ومضت الأيام الأولى والكلب في موقفه لا يتزحزح قيد أنملة وظل رابضاً أمام باب الدار طيلة يومه ما بين اليقظة والغفوة والسهوة والنوم لا يلوي على شيئاً سوي أن تكون بمعيته حاشية الصبر وجحافل الأمنيات بعيدا عن الملل حتى يلقى أصحابه من جديد .. وكحال تلك الفرص التي تتاح كلما نُقل عامل بقطاع السكر إلى جهة ما او أُحيل إلى التقاعد او الصالح العام او الفصل السياسي التعسفي او غيرها م محن الافندية الجدد يمنح البيت إلى آخر.. فكان أن ملأ فجاج البيت تقريبا العم احمد قيلا .. وفي حضرة الوجوه الجديدة لم يعد الكلب يجد مكاناً مناسباً ينال فيه راحته وحريته فقرر الرحيل – منعتقاً من ربقة القيود - الى الفضاء الواسع الذي يقع شمال خمسين بيت ضمن قطيع من الكلاب الضالة التي كانت تستقطع جزءً مقدراً من مشتل مطار المصنع القديم فصار يقضي سحابة نهاره هنالك تحت ظلال أشجار البان والسنط حيناً وحيناً آخر في مجري الترعة العفنة الواقعة شرق خمسين بيت .. وما ان تتكىء شمس اليوم وتميل نحو الأفول في مواعيدها المعروفة يتأهب الكلب إلى رحلة عكسية كل يوم بعد يرخي المساء سدوله ويخيم الليل على المكان ينسرب بنشاط وحبور يغمره من نشوة الحنين إلى عبق المكان الذي عرف فيه الدنيا ويعبر كل المسافات منتشياً إلى شارعنا في ذات المكان ولكن قريبا من بطن الشارع المحاذي لمنزل العم العمدة فيمكث في مكان واحد لا يغيره حتى قبيل شروق شمس اليوم الثاني ومن ثم يغادر إلى مرقده النهاري وهكذا دواليك لمشاويره اليومي لا يفكر يوما ما في الانقطاع، مهما كانت احوال الطقس ودفق الوجوه الغريبة التي لم يحظ بمعرفتها، فهو لا يزال على عهده متئداً على حشاشات النفس والغاً في لفافات الصبر .. وفي يوم ما تقريبا بُعيد عام على رحيل أسرة العم العمدة عاد الأخ والصديق عبد الخالق في مساء ثمل بالحياة والشمس تعلن فيه نهاية ساعات الضوء .. عاد إلى المصنع وخمسين بيت وهو أكثر جزالة وحنيناً وبعد ساعتين تقريباً على عودته بينما نحن في حوش الديوان الكائن بمنزلنا دخل علينا بكل وسامة صديقنا جِلِقر وهو في كامل أهابه الذي عرف به، محتفظا بوده وحنينه وأشواقه تجاه صاحبه عبده نحاس كما كنا نطلق عليه هذا اللقب .. لم يكن دخول جِلِقر عادياً كما كنا نراه سابقاً وهو في رداء الدعابة بل أصابنا بالدهشة وفغر أفواهنا بروعة المشهد ورونقه .. دلف بكل قوة إلى بيتنا راكلاً الباب بعنف وعنفوان وشغف حاشداً كل قوته في لهفة وجبروت عشق غير متناهي، فشد بين أركان الجسد الفارع والرشيق وثاق نفسه وقفز على كل احتمالاتنا وتوقعاتنا وقام بحركة كبيرة وأنيقة حيث وقف وهو يئن من فرط محبته على رجليه الخلفيتين بقامة محبه الطويلة في مشهد لم أر مثيله حتى تاريخ اليوم.. عانق جِلِقر صاحبه عبد الخالق والتف حول جسده كالتفاف السوار بالمعصم عناقاً لم يكن مشهوداً من قبل، لبث في ذاكرتي على مدى عقدين من الزمان ولا يزال ندياً وطرياً كحال تلك العلاقة التي ربطت بينه وعبد الخالق تماما في أروع حالة جسدها هذا الموقف بنبل طاهر وجميل ..ومرت لحظات العناق كمر السحاب على مهل وصوت البكاء والفرح يرتفع وجِلِقر حيوان نادر على طريقته في تفسير اخلاصه وانتمائه الكبير لتلك الأسرة فعلاقته لا تشبه حال الكثير من الكلاب التي يختارها أصحابها منذ الصغر وتتم تربيتها داخل البيوت من أجل الحراسة فقط او فرط إعجاب طفل صغير بهواية تربيتها في ذلك الوقت حيث كانت أغلب الشوارع مكتظة بها وفي كل بيت كلب جميل يرقد أمام بوابته .. وقضى عبد الخالق أسبوع بحاله وسط ترحيب واحتفال جِلِقر الذي لم يغادر منزلنا بتاتا طيلة فترة وجوده بيننا وكانت من أجمل الأيام التي عرفت فيها وفاء الكلاب الباذخ ..
عدل سابقا من قبل ناصر البهدير في الخميس 20 ديسمبر 2012, 4:30 pm عدل 2 مرات | |
|
| |
عبد الرحمن موسي ادريس المدير العام
عدد المساهمات : 1830 نقطة : 12423 تاريخ التسجيل : 19/09/2011 العمر : 67 الموقع : مصنع سكر حلفا الجديدة المزاج : مسلم/سنى
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الخميس 20 ديسمبر 2012, 9:25 am | |
| هذا الوفاء الذى تبديه الكلاب يفتقده كثير من البشر... وهذه اللوحة البديعة التى زادها قلمك الرائع الحبيب ناصر.. طلاوة وحلاوة...وخطوط إضافية ذادت اللوحة نصاعة فى الألوان.. وجزالة فى البيان..وإجترار زكرى الناس الحلوين وأيام حلفا الزاهية.. تحية للأخ ..العمدةوإبنه الجميل عبد الخالق...وشكراً لك أيها المترع إبداعاً ووفاءاً حتى الثمالة... | |
|
| |
هيثم أبوالقاسم (البرقيق) عضو ذهبي
عدد المساهمات : 222 نقطة : 10126 تاريخ التسجيل : 27/05/2011 العمر : 51 الموقع : السعودية /الرياض المزاج : ضارب الهم بي الفرح
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الخميس 20 ديسمبر 2012, 3:53 pm | |
| لك التحية أخي البهدير وأنت تسطر قطرات الدمع علي أعيننا برسمك لهذه اللوحة الرائعة التي تجسد وفاء صادق لإنسان المصنع الذي يستحق الوفاء في زمن جميل وناس أجمل لعلي إلتقيت أحد أحفاد صديقنا جلقر بس دا اتربي في حي السنير واليك قصته في يوم دخل بيتنا جرو سمين كثيف الشعر ونظيف يبدو من هيئته انه كلب خواجات , أعجبنى الكلب فقررت الإحتفاظ به لحين ظهور صاحبه وان لم يظهر فرزق ساقه الله إلي.فاحتفظت بالكلب وأعتنيت به ,وبعد أسبوع واحد وقفت سيارة السيد أبو عمورى المدير الادارى في ذلك الزمان عند باب بيتنا ونادانى قائلا يا هيثم اولادى ديل عندهم كلب رايح وقالوا شافوا عندك ,قلت ليه الكلب موجود فى الحفظ والصون وسلمته الكلب .ثم سافرت بعدها للدراسه ولم اعد الى المصنع الا في الإجازات وبعد سنتين ثلاثة مشيت على السنير فسمعت احد المارة ينبهنى جاك جاك والتفت ورائي فاذا بكلب سمين يهجم علي كالأسد طار قلبى من شدة الخوف والتقطت حجر كبير واردد بخوف جر جر جر . ولفت انتباهي ان الكلب كان يهز زيله وعندما اهدده بالحجر يهرب فيدخل منزل ابوعمورى ويعود إلي مره أخرى فتزكرت صديقي الصغير ,والله إنها عشرة أسبوع واحد فقط لم ينسها هذا الكلب فمسحت علي رأسه وادمعت عيناي أخي ناصر كما ادمعتها قصه صديقنا جلقر . وشكرا
| |
|
| |
ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر السبت 22 ديسمبر 2012, 10:52 pm | |
| سيرة صديقنا جِلِقر كعادتنا وصيروة الأشياء التقينا في ديار صديقنا ود العمدة في مساء مشبع بنثيث دفء الأنس الشفيف المغالي في الإنفلات .. هرعنا مصادفة إلى صعيد وسامة الفاتن صديقنا جِلِقر حيال مروره بنا، تشحذ خيالنا حمى المقارنات والاصطفاف النبيل صوب مقاربات تضوع بالمسك وهسهسة أوراق شجرة الليمون المتساقطة أمامنا حد البصر وثاني اكسيد كربون نتن يملأ فراغات المكان، وبيدنا لفافات الدراسات وبعض أكواب شاى عمتنا أم الحسين نتوغل في دخان النهارات وطعام أمهاتنا بين إزقة بيوتنا وتلك البيوت البعيدة والممهورة بتواقيع تلك الفتاة الكاعبة في وهاد الإشراق والجمال والرشاقة.. لا شيء البتة أحوج إلى نفوسنا في تلك اللحظات من شيء إلا وطرقنا بابه على عجالة خوفاً من أن تداهمنا جنية البال المفتوح على ملايين الأسئلة المرهقة والتي لا نجد لها إجابة حين نزرع الليل بتهاويمنا وهرطقاتنا الساقطة على نواح مصطبة جزارة عمنا سعيد هذا إذا إبتعدنا عن الحلة قليلاً أما إذا اقتربنا فنكون بمقربة بيت عمنا إبراهيم صالح من مصطبة موضوعة على بلاعة صغيرة تهتم بتصريف مياه الشرب إلى البيوت الغنية بالثبات واليقين .. وفي الحلة كان جنوننا يمتد كل يوم في سيرة تلك النار التي تشتعل بنواص القلوب وتدميها على إستحياء خجول ونادر في مراهقته .. كنا مجرد لصوص نتلصص على مفاتن جِلِقر وهو يعبرنا سيان أن كان ممتعضاً او سعيداً بوجبة من فراخ قطيعه وكان في ذلك ماكراً يبدو لنا حين ينتصف الليل وينتهي إلى الثلث الأخير والعواء يشتد ولا مغيث من فحولته إلا شمس تشق أديم الحلك وتستر حيامن سره المستغيث جسارة بفتوة نالت من صبايا جيله الناعسات الطرف بحمل مرغوب في جهة أعالي ما بعد حلة الهدندوة حيث هنالك مناهل للرغبة المفتوحة تمتد بطول الطريق ولا يغل يدها إلا نهار يتوكأ على رهاب العيون وبيننا وبين المنطقة ملايين من الساعات الضوئية للتخلص من رغبتنا .. وفي جلافة إمعاننا حكاية لا تنتهي بانتهاء جلساتنا تمضي معنا إلى اسوار المدرسة فنمنحها طيناً لازباً ومعجوناً من كيمياء شهوتنا العجولة لاكتشاف سر العلاقة والشبه الكبير الذي يجمع تلك الفتاة بصديقنا جِلِقر، والتي ما زلت أسميها تراتيل كما أشتهي في صمتي وضجري وحنقي عليها.. يخلق من الشبه الاربعين جوار مغارة على بابا واللصوص او على مرمي حجر من أشجار زرقاء اليمامة التي سارت بقرب جٍقِلر ذات يوم من أيام الدنيا ووقتها تعلمنا كيف تكون الحياة شبقة بطعم البصيرة الكالحة .. إذن لماذا نشغل تفلتات أناملنا ونحاول أن نصنع من متعة كرة البصر مرة أخرى سنابل صفراء ومزركشة كما ود أبرق وعشوشة على حقول النصوص الممدودة على صدر الأمسيات الناهدة ولا حياة لمن تنادي يا صديقي ساعة أن تداهمنا حمى الإنتظار في المكان الذي كان يصنع فيه عمنا بيرق أفلامه المتجولة على شاشة قماشية صغيرة بيضاء يثبتها على ظهر عربته المتجولة والتي ماتت فجاءة بفعل صديقي بطة.. كان شليقا ومنكفي على المعرفة حتى غدا طبيبا رائعاً يقدم خدماته للعالم .. دائرة جهنمية كانت خلفية وواجهة للحلة وسوق صغير .. ترلة الخضار .. بيت عمنا مدني الحلاق .. اسكريم التاية .. مصطبة بيت عمنا ابراهيم .. حاجة حواء صاحبة أطعم فول مدمس وسمسمية .. سينما بيرق .. عمود الكهرباء الرئيس واكبر مكب للجراد وطير الخداري .. جوغة من الطبالي (المرحوم مجاهد مدني ومرتضى حلفاويز حتى بضاعتي وجدت طريقا إلى هنالك) .. ورشة مجاهد .. وبيت صاحبتنا الماجدة .. وبحكم سفوري أعرف أن الكلمة تتقىء صهد الزنوخة وبعض عش غراب مزروع على مياه البالوعات ولكنها كانت تجيد مساء كل يوم دلق الماء ورشه على أطراف شوارعنا حتى يضحك عوض شى ملّ جفونه وخدوده المتورمة بفعل الحبور والانتشاء ويمتطي ذيله المعطون بعطر معباء عند حانوت السر هتش بسوق المدينة متى ما هاج شوقه لعبور شارعنا بكل فخر .. أنا كم كنت ضليعاً في بهاء الغى الذي يسكن أقطار قلب شى صديقي وليس وحده في ذلك .. ثلة من أوغاد الحى ينتظرون بفارغ الصبر ذهاب بعض الناس إلى صلاة المغرب حتى تخلو الشوارع لرغبتهم الصفيقة .. كهذا كانوا يظنون أن السماء ستمطر بالحسان وتفيض شوارعنا كما يشتهون .. وهى ليس تراتيل .. ماجدة بناصية الجمال تسكن وكفى .. وكلنا نقول إنها أجمل صبايا الحى .. وود زرقة تهتاجه حالة من الهيجان والاستغراق في تضاد لا يستقيم .. ويصرخ بمنتهى الصدق: "ح نموت انحنا هنا الليلة .. معقول غزال زى دا ما نقدر نقبضو حتى لو ضنبو يا الله ما تحرمنا من زى ديل" وكل يوم يجتر الضجيج والجذب ومسغبة العشق التي تمتد بخلاياه .. وحميراء كانت تختلس النظرات وتكتم وترحل بسرها المهيب وجلال صمتها وكم في الغرام من ضحايا..!! تراتيل كانت مجيدة وممشوقة القامة على امتداد مصلاية جسدها الفارع قطعا لم تبذ صديقي جِلِقر كما اعتقد أوان أيام كنت مسجونا في كراكير الكراهية وبرغل متراري على بيادر روحي غنياً بالحياة ينتظر مواعيد حصاده ونسج نوله بين شعاب الإنتظار .. وانتظار يمسد الذاكرة بقطع الحديد وبعض مزامير مواقيت العمل التي تضج في ليال المصنع ونواميس الشغيلة وعقدها المنضدد على دفاتر الحضور .. وفي الانتظار نصنع مزاجنا ونضبطه على ترانيم ولهيب قهوة عمنا على كيك وننتظر حتى يمر ويقطع جِلِقر قول كل نمام وأفاك بيننا وكنا في الهم غرب حينئذ تسربلنا بإهاب فضيحتنا وتسورنا سوء ظننا الكسيح.. إنحزت إلى رشاقة صديقي جِلِقر وفي الانتماء وطن للضالون والهاربون مثلنا .. والمسافة التي مشاها جِلِقر لم تزد بحسابات التوقيت أكثر من نعد باصابعنا المتورمات بفعل النسنسة بلغة إنجليزية ركيكة 1... 2... 3... 4... ونعيد الأرقام مرة أخرى وتكتمل فصول المسرحية... ويعبر صديقنا الوفي بكل سماح والمقارنة يشتد أوارها بيننا.. وأنا أقسم بأم الجميل وبعض أوراق من نبات الموليتة، وكتاب مزقته أنواء الفراغ، وريح صرصر من أحابيل الظنون، وثيمات من تميمة تقطن أعلى أثداء بنت الريح بنت الهلال .. ود العمدة يقسم بلات صداقته، وبعض كتب أبيه المتينة والمكتنزة صدرها بدهن المعرفة، وعصب وتر من عود مركون بناحية بيت صديقنا ملح.. أما الماكر فينا دوماً عمر أبوشيبة يقسم بصوته النشاز ومقلتيه وبعض أعشاب حواجبه وخصلات من شعر، لم يكن وقتذاك غشاها غبار السنين، تتدلى هائمة على جبينه كحال ريش ديك جيراننا سعدية، ورائحة بيض السمبر الذي يأكله وتتعافه نفوسنا .. جميعنا أقسمنا بأن جِلِقر سيد نفسه ولا يمكن مقارنته بسفوح وهضاب (تراتيل) المغضنة والمتلفة كأوراق اللبلاب ونبات الليف الذي يخدش جلد الأمسيات المترفة بحديث لا يلون سوى الفضاءات بأكذب ألوان الجير ونشارات القهقهة ومسامير الحقيقة التي نحتاج إلى تطهيرها من كل جريرة إحتقان علقت ببواطن سريرتنا الفالتة.. ورابعنا أميرنا ود محاسن، صاحب الفتوى وقصة بت ود العطا التي قصمت ظهرنا، لم يكن يجيد أداء نصوص قسمنا الممجوج بل سلك مفازة مسرح الرجل الواحد وامتطى صهوة الدراما واقفاً على قدميه مرتجلاً قصيدة عصماء أفحمت أكثر حديثنا بحركة جسدت في مشهد كبير كل تقاطيع (تراتيل) وهى بين مسارب خصلها سادرة في تقارب خطواتها تسد عجزها بايقاع سريع يتزن كما يشاء ككفتى الميزان عند الإنطلاق نحو الكيل والتعادل كما نراها بنفس الطريقة في طريق المدرسة .. كان هذا الفاصل تقريباً في نفس المساحة التي عبرها جِلِقر على ممشى الحوش الرئيس المؤدي إلى باب البيت بنفس وجه الشبه والتراتبية والتفاصيل الغارقة في وحل المقارنة.. وصديقنا معتز مرور كانت قافلته هنالك بعيداً لا في العير ولا في النفير تبحث عن وعاءه الذي ضاع نواح شوارع أنفه المتربص بأواني مطبخ أمه يفضلها كمثل الثريد على سائر الطعام ويسدر في محنه وطلاسم حديثه العذب حتى تتهاوى صروف الحياة .. وفي ذلك كان معني بعجوة يثرب بالزبد ومع ذلك رفع عقيرته بالصياح قائلاً: "انتو بتنضمو في شنو؟ شايفكم من قبيل بتوسوسو براحة كدا .. في شنو بالجد؟".. وطحن قصبه ومضى مع لازمة هرش حنجرته.. وغاب أجمل مافينا في ذلك اليوم ولأنه موسوم بالصلاح والوقار إنتبذ حلفاويز ربذة بعيدة عن هوس هترشاتنا وكأنه حاضر الغيب بأفعالنا غير الناضجة وفي ذلك كان منيحاً حد الإرتواء.. النباح يتسلق كل مفاتن الجسد ويختبئ بين ذيل جِلِقر صديقنا المرتفع في عناق أبدي مع قدلته وكأنه يعد العدة للاحتفال بحسناء جديدة, ويتحين الفرصة المؤاتية لإغراق صغيره بحمم ملتهبة ودفقات متتابعة بين فخذى شهوته المندلعة يقدر هو حجمها بمقاس وقفته البهية عند ظل الشارع المنتهي على جنينة السائح.. وفجاءة دخلنا في شتاء خفوتنا المظلم والتبس علينا الطريق فجاءتنا سحباً تترا وأيادي تنمو تجاه جنوننا وسيسبان إختلافنا .. لا هو زيت الخروع سال على مزالقنا ولا هوهوات رغباتنا المنسالة بدأت في الترهل على صعد رهو أحلامنا الفطيرة !!.. عضيرة هى الأمنيات حين تسافر بلا أمل في العدم!! وغبنا في هفوتنا وغفوتنا مسافة أن نبدأ حكاية جديدة للحظة قادمة تشعل فينا قوائم مرجنا وهرجنا العظيم .. ومضي جِلِقر في نومة عميقة في كهف راحته الأبدية يقلب أطراف حلمه على أفق السماء منتصبا بقامته جلوساً كما يحب صاحب الوفاء المفرط..
ونواصل،،،
| |
|
| |
عائد السيد الادارة الفنية
عدد المساهمات : 1020 نقطة : 11384 تاريخ التسجيل : 04/02/2011 العمر : 49 الموقع : سكر حلفا المزاج : inconsistency
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الأحد 23 ديسمبر 2012, 8:33 am | |
| دائما الكلاب هي مضرب المثل في الوفاء النادر في هذا الزمان ,, وتحضرني مجادعات بين امراء الشعر الحديث شوقي وحافظ ,, قال حافظ: يقولون ان الشوق نار فمالي اليوم ارى شوقي باردا... ورد عليه شوقي: اعطيت انسانا وكلبا امانة فخانها الانسان والكلب حافظ... وقديما قال علي بن الجهم في وصف احد الامراء: انت كالكلب في الوفاء وكالتيس في قراع الخطوب | |
|
| |
منى احمد عضو نشيط
عدد المساهمات : 144 نقطة : 10318 تاريخ التسجيل : 03/01/2011
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الأحد 23 ديسمبر 2012, 7:14 pm | |
| جميله مغامرات جلقر واوصافه ووفائه وفعلا وفاء الكلاب ليست فى الانسان الا الجزء اليسير ومزيدا من احاديثك الشيقه ناصر واهلا بعائد وامير المنتدى الاخ عبد الرحمن .
| |
|
| |
yahya mohammed ibrahim عضو نشيط
عدد المساهمات : 41 نقطة : 9053 تاريخ التسجيل : 21/07/2012
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الإثنين 24 ديسمبر 2012, 11:58 pm | |
| يا اخي هل لماذا كتب احد العرب كتابا عنوانه(فضل الكلاب على كثير مما لبس الثياب)؟؟؟؟؟؟
| |
|
| |
علاء الدين حسن بخيت مشرف سابق
عدد المساهمات : 625 نقطة : 10626 تاريخ التسجيل : 14/05/2011
| موضوع: رد: صديقنا جِلِقر الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 2:59 pm | |
| الحبيب ناصر كم كانت رائعة ونقية تلك الأزمنة وكم كانت جميلة ومدهشة تلك الأمكنة وكم تمنيت أن يتواصل هذا السرد السلس الموفق الى ما لا نهاية اعجبت كثيرا بهذا النص وزاد من اعجابي وفائك لهذه البقعة الطاهرة التي انجبت أمثالكم ونرجو منك المزيد حقا إبداع كامل الدسم شكراً شكراً شكراً
| |
|
| |
| صديقنا جِلِقر | |
|