ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16598 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: سيرة صديقنا جِلِقر الجمعة 10 يناير 2014, 10:15 pm | |
|
سيرة صديقنا جِلِقر جِرْوُ عوير النقابة معارف الحكمة دائماً تصحي فينا على عجالة متسقة ما طمرته الأيام من فاتن الذكريات وحلوها وغضها في خضم عراك الحياة وإن كانت من جنس سلالة الحيوان، قد نجد فيها الراحة والاطمئنان وتباشير الانتماء إلى هذا الكون العامر بجلال عظمة خالقه سبحان الله تعالى وبديع خلقه الوافر على سعة.. في بالي وذاكرتي مواقف عدة لن انساها طالما لا تزال خيول الأنفاس جامحة على ظهر البسيطة بوتيرة واحدة تغسل عضلات الروح ولم يكتب لها شوط ونقطة نهاية الأفول.. زمان ليس مثل هذا نافراً وبارداً.. أزمنة كانت موغلة في الحن والتضامن والشجن وحنايا الروح السمحة بنواح مصنع سكر حلفا الجديدة.. اعتقد لا تزال هى الحياة في كثافتها الناقعة تمضي بالمصنع بذات الايقاع المفعم بفجر الندى وأصوات العصافير على فنن الغصون وغدو ورواح الشغيلة إلى أعمالهم في الصباحات الباكرة والمساءات المعطرة بشذى زهور حقول قصب السكر والباشندي الوريف على أغصان شجيرات الكتر الممدودة على مهل وطائرها المزركش بألوان داكنة في قفز متواصل بين أسافل سوقها دون ملل رغم طول أجنحته الباتعة.. لم يتغير شيئا فيها سواء في باطنها أو حول أركان قوامها مهما تبدلت الظروف سوى تبدل طفيف في المعمار والمعالم والبيئة المحيطة بتفاصيل جسدها اللادن.. فالمواقف متعلقة بالكلاب أكرمكم الله وأسال الله أن يدخل في قلوبكم محبة الناس وعشرتهم ومعروفهم.. على غير العادة أن يلتقط إنسان ما كلبا من فضاء الشارع ويعمل على تربيته في فناء حوش منزله ليحرسه من اللصوص وعاتيات ونوائب الدهر ومكروهات الدنيا العديدة.. ومثل إقتناء الكلاب يتم من خلال الأجيال المتوفرة في الأحياء عادة.. وبطن أناث الكلاب تفرخ ما بين الـ 4 و6 من الجراء الصغيرة وفيها متسع للذين لهم هواية في تربية الكلاب لأي غرض كان، فالسلالة النادرة تفرخ جِرْوُ واحد فقط وفيها حوبة الناس جميعا وحاجتهم ومبتغاهم.. جاء جِلِقر ربما مصادفة على الأرجح يمكن أن نقول عنها.. على وجه الدقة في نهار يوم شتوي غامض ومُترب ومليء بالتعب أوان أوبتنا نهار كل يوم من مدرسة اكاديمية حلفا الجديدة.. وفي ذلك اليوم المشهود، والذي فيه إستطاع جِلِقر أن يجد له صاحباً وعشيرة. هربنا من المدرسة باكراً كعادتنا صوب مدخل السكة الحديد المؤدي إلى المصنع بصحبة الاصدقاء عمر عبد القادر مختار ابوقصيصة ومعتز الطيب حسن الشيخ وخالد حسن طويل وعبد الخالق محجوب العمدة وجمال محمد ناصر وشخصي إن لم تخن الذاكرة ويغشاها غبار الحياة والوهن.. وفي منتصف المسافة أو ثلثها تقريباً وتحديداً على مقربة من سور دار نقابة المعلمين بحلفا الجديدة المكنتز بنبات العوير وعند مدخل حى التجار قريباً من نادي الشبيبة الجديد وقتها على الأرجح ظهر كلب صغير وضعيف في بنيته لا يقوى على المشي وهو في ملامح كلاب الخلاء، فما كان من عبد الخالق إلا وأن يختطفه ويحمله على صدره وكأنه ابن صلبه حتى استنكرنا كلنا في موقف واحد، كيف يفعل ذلك؟ وما الذي يريده من هذا الخلوي الضال والصغير الهزيل والممتليء بالقذارة؟.. فمنطقة سور دار المعلمين تكتظ بالكلاب الضالة والتي تتخذ من نباتات العوير المنتشرة على طول السور الكبير موطناً هادئاً لها حيث لا يعكر صفوها أحد في ظل انشغال النقابيون وقتها بالفضاء الديمقراطي الذي أمخر في عبابه الجميع عقب سقوط حكومة ثورة مايو بكل نشوة وحبور.. بينما عبد الخالق - ونحن في طريقنا للعودة إلى بلدتنا- حامل الجِرْوُ تقاطعنا في طريقنا بطالبات بزيهن البني عائدات من مدرسة محمد عيد المتوسطة بنات إلى بيوتهن.. وفجاءة ابتدع عمر ابوقصيصة حيلة ماكرة كعهده للتخلص من اليتيم حيث كانت فرصة نادرة وهبتها له اللحظة العابرة فاغتنمها، وقال بصوته المميز: "تشتروا كلب؟".. وقتها كانت تلك العبارة رائجة كنوع من الهذر (التريقة)، فالمهم جاء رد البنات مغالياً في الجلافة والنفور وبصوت واحد متفق عليه: "نسوي بيهو شنو كمان".. ومضينا كلنا في سبيل حالنا لم نكترث لذلك كثيراً حتى وصلنا مدخل السكة الحديد الملاصق لحى الاشغال من الناحية الشرقية الجنوبية، وقضينا من الوقت كثيراً حتى وجدنا عربة أقلتنا إلى المصنع.. وطيلة وقتنا المهدر في الانتظار حاولنا أن نقنع الأخ عبد الخالق بالعدول عن فكرة إستصحاب الكلب إلى البيت.. وخاب الرجاء وماتت الفكرة في مهدها وتوسلنا لتوه لما عُرف به من قوة في الاعتداد برأيه وقراره حتى وجد جِلِقر حيزاً كبيراً في قلب كل ساكني الدار في زمن وجيز وصار صديق كل أهل الحى.. غربة الروح والسفر في بدايات الإنقاذ غاب الكثير من أهل المصنع بسبب رعونة لازمت أصحاب المشروع الحضاري والصالح العام، فكان ضمن هؤلاء رجل متخم بالانسانية وحب الناس والعمل العام وصاحب قسمات صارمة في دروب الاستقامة.. رحل إلى مسقط رأسه بعد سياسة الفصل التعسفي القاصرة وغير الرشيدة جارنا العزيز والأب الروحي لنا في الحياة والمعرفة الراحل المقيم العم محجوب أحمد العمدة والد الصديق الجميل عبد الخالق وإخوته طارق وسامي والحسين ومحمد وراشد وبقية زغب الديار.. فكان يوم وداعهم رهيباً إختنق الناس فيه بنشيج البكاء المر حتى كلبهم الحنين شق طريقه بين الجموع وأصر أن يكون معهم في شاحنة رِحلهم في لحظات صادقة من الوفاء الموسومة به فصيلة الكلاب مما أصاب الجميع بالدهشة والصدمة في آن واحد بين باك لفراق الأسرة ومشفق لحال الكلب البائس.. وما بين أصرار عبد الخالق وإخوته وموقف والدهم الرافض والمتعنت لحمل الكلب وشغف الكلب للصعود معهم مضت الشاحنة بدونه في مشهد من الأسف والإشفاق عالق بذاكرة كل من كان حاضرا تلك اللحظات العصيبة والحرجة.. وخاب أمل جِلِقر وضاع حلمه في المغادرة وصحبة العائلة في رحلتها الأولى والأخيرة.. وبات الكلب ليلتها في نحيب مستمر أمام باب المنزل حتى صباح اليوم الثاني وعاش ممزقاً بين الأرق والبكاء وندب حظه لمفارقته عائلته الوحيدة التي تفتحت عليها عيونه بعد أن رأى الشمس.. بالطبع غزت البيت العامر وحشة كئيبة وصمت مطبق لا يمكن معه الحياة بعد أن كانت الديار تضج بالحياة وصوت الصغار.. فاتن وحمادة والحسين.. ومع ذلك لم يغادر الكلب إلى جهة مأوى ورزق أخرى طالما يهدهد بين جوانحه عشقاً كبيراً ومعزة لأهل الدار، فظل صامداً على أمانته ودفق وفائه لا ينتظر معروفاً من أحد فقط كل ما يرجوه ويتمناه عودة أصحابه كما كان يظن حتى رحل عن الدنيا بعد عمر مديد في الصبر ومقارعة الصعاب.. ومضت الأيام الأولى والكلب في موقفه لا يتزحزح قيد أنملة وظل رابضاً أمام عتبة باب الدار طيلة يومه ما بين اليقظة والغفوة والسهو والنوم لا يلوي على شيئاً سوي أن تكون بمعيته حاشية الصبر وجحافل الأمنيات بعيدا عن الملل حتى يلقى أصحابه من جديد.. وكحال تلك الفرص التي تتاح كلما نُقل عامل بقطاع السكر إلى جهة ما أو أُحيل إلى التقاعد أو الصالح العام أو الفصل السياسي التعسفي أو غيرها من محن الأفندية والمطففين الجدد يمنح البيت إلى آخر.. فكان أن ملأ فجاج البيت شخص آخر.. وفي حضرة الوجوه الجديدة لم يعد الكلب يجد مكاناً مناسباً يليق به وينال فيه راحته وحريته، فقرر الرحيل – منعتقاً من ربقة القيود - إلى الفضاء الواسع الذي يقع شمال حى خمسين بيت ضمن قطيع من الكلاب الضالة التي كانت تستقطع جزءاً مقدراً من مشتل مطار المصنع القديم، فصار يقضي سحابة نهاره هنالك تحت ظلال أشجار البان والسنط حيناً وحيناً آخر في مجري الترعة العفنة الواقعة شرق الحى نفسه في صحبة جديدة لبني جنسه.. وما أن تتكىء شمس اليوم وتميل نحو الأفول في مواعيدها المعروفة ويرخي المساء سدوله ويخيم الليل على المكان يتأهب الكلب إلى رحلة عكسية كل يوم بعد أن ينسرب بنشاط ومرح يغمره من نشوة الحنين إلى عبق المكان الذي عرف فيه الدنيا.. ويعبر كل المسافات منتشياً إلى شارعنا في ذات المكان ولكن قريبا من بطن الشارع المحاذي لمنزل العم العمدة، فيمكث في مكان واحد لا يغيره حتى قبيل شروق شمس اليوم الثاني، ومن ثم يغادر إلى مرقده النهاري وهكذا دواليك لمشواره اليومي لا يفكر يوما ما في الانقطاع، مهما كانت أحوال الطقس ودفق الوجوه الغريبة التي لم يحظ بمعرفتها، فهو لا يزال على عهده متئداً على حشاشات النفس ووالغاً في لفافات الصبر ومتعلقاً بآل العمدة، لا خلبتْهُ حَيَّةُ المقادير ولا لسعات العثانين المؤذية فبات على عشق نادر يطويه على ضيق صدره! عويل جِلِقر المهيب في يوم ما تقريبا بُعيد عام على رحيل أسرة العم العمدة عاد الأخ والصديق عبد الخالق في مساء ثمل بالحياة والشمس تعلن فيه نهاية ساعات الضوء وحصتها اليومية.. عاد إلى المصنع وخمسين بيت وهو أكثر جزالة وحنيناً.. وبعد ساعتين تقريباً على عودته بينما نحن في حوش الديوان الكائن بمنزلنا دخل علينا بغتة على غير العادة وبدون موعد بكل وسامة صديقنا جِلِقر وهو في كامل أهابه الذي عرف به، محتفظاً بوده وحنينه وأشواقه تجاه صاحبه عبده نحاس كما كنا نطلق عليه هذا اللقب.. لم يكن دخول جِلِقر عادياً كما كنا نراه سابقاً وهو في رداء الدعابة بل أصابنا بالدهشة وفغر أفواهنا بروعة المشهد ورونقه.. تعجز الكلمات عن وصفه والتعبير عن جلال الموقف وعظمته.. دلف بكل قوة إلى بيتنا راكلاً الباب بعنف وعنفوان وشغف حاشداً كل قوته في لهفة ولهاث متصل وجبروت عشق غير متناهي، فشد بين أركان الجسد الفارع والرشيق وثاق نفسه وقفز على كل احتمالاتنا وتوقعاتنا وقام بحركة كبيرة وأنيقة وسامية حيث وقف وهو يئن من فرط محبته على رجليه الخلفيتين بقامة محبه الطويلة في مشهد لم أر مثيله حتى تاريخ اليوم ولن أرى وإن امتدت بي الأيام.. عانق جِلِقر صاحبه عبد الخالق والتف حول جسده كالتفاف السوار بالمعصم عناقاً لم يكن مشهوداً من قبل، لبث في ذاكرتي على مدى عقدين وأكثر من الزمان ولا يزال ندياً وطرياً كحال تلك العلاقة التي ربطت بينه وعبد الخالق تماما في أروع حالة جسدها هذا الموقف بنبل طاهر وجميل.. ومرت لحظات العناق كمر السحاب على مهل وصوت البكاء والعويل والفرح والرنة يرتفع وجِلِقر حيوان نادر على طريقته في تفسير اخلاصه وانتمائه الكبير لتلك الأسرة فعلاقته لا تشبه حال الكثير من الكلاب التي يختارها أصحابها منذ الصغر وتتم تربيتها داخل البيوت من أجل الحراسة فقط أو فرط إعجاب طفل صغير بهواية تربيتها في ذلك الوقت حيث كانت أغلب الشوارع مكتظة بها وفي كل بيت كلب جميل يرقد أمام بوابته.. وبعيدا عن النباح المعتاد مضي جِلِقر ليلته في الدمدمة والعواء والبكاء والأنين وهو يتقلب بين الألم والمغالاة في الترحيب بصديقه الغائب، ومعبرا عن رغبته في اللهو بقرب موضع سريره.. بالطبع لم يعبر جِلِقر عن مشاعره ورغباته بالعواء والأنين والأصوات الأخرى فقط بل استخدم لغة جسده بصورة بارعة فاقت تصوراتنا، وانغمس على مدىً واسعًا من الأوضاع الجسمية والذيلية المُصاحبة للتعابير الوجهية المختلفة. وقضى عبد الخالق أسبوع بحاله وسط ترحيب واحتفال جِلِقر المهيب الذي لم يغادر منزلنا بتاتا طيلة فترة وجوده بيننا وكانت من أجمل الأيام التي عرفت فيها وفاء الكلاب الباذخ عن قرب ومشاهدة.. عادة ما يوصف الكلب بالوفاء، وذلك لمقدرته العالية على تذكر صاحبه ولو بعد انقطاع طويل عنه... وهكذا كان الوسيم جِلِقر الوفي في عنفوان إخلاصه غير المنون والمحدود.. تراتيل الإنفلات والسهو جِلِقر صاحب حساسية عالية في التزامه وأدبه سهلت لنا الكثير في دروب معرفته عن قرب والتماس معه في بعض المواقف، واقتربنا منه أكثر وأكثر طيلة الفترة التي قضيناها في رحاب وكنف هذه الأسرة الكريمة على مدى ثلاثة عقود وأكثر.. كعادتنا وصيروة الأشياء وتلك الأيام الندية والعطرة بطعم السكر التقينا في ديار صديقنا ود العمدة في مساء مشبع بنثيث دفء الأنس الشفيف المغالي في الإنفلات وتراتيل السهو.. هرعنا مصادفة إلى صعيد وسامة الفاتن صديقنا جِلِقر حيال مروره بنا، تشحذ خيالاتنا حمى المقارنات والاصطفاف النبيل صوب مقاربات تضوع بالمسك وهسهسة أوراق شجرة الليمون المتساقطة أمامنا حد البصر وثاني اكسيد كربون نتن يملأ فراغات المكان، وبيدنا لفافات الدراسات وبعض أكواب شاى عمتنا أم الحسين نتوغل في دخان النهارات وطعام أمهاتنا بين إزقة بيوتنا وتلك البيوت البعيدة والممهورة بتواقيع تلك الفتاة الكاعبة في وهاد الإشراق والجمال والمنى والرشاقة.. لا شيء البتة أحوج إلى نفوسنا في تلك اللحظات من شيء إلا وطرقنا بابه على عجالة خوفاً من أن تداهمنا جنية البال المفتوح على ملايين الأسئلة المرهقة والتي لا نجد لها إجابة حين نزرع الليل بتهاويمنا وهرطقاتنا الساقطة على نواح عتبات جزارة عمنا سعيد هذا إذا إبتعدنا عن الحلة قليلاً أما إذا اقتربنا فنكون بمقربة من بيت عمنا إبراهيم صالح متحلقون حول بلاعة صغيرة يعتلي سدتها في الغالب كبيرنا مصطفى الحلبي عند مدخل شارعنا الثاني في الحى تهتم بتصريف مياه الشرب إلى البيوت الغنية بالثبات واليقين.. وفي الحلة كان جنوننا يمتد كل يوم في سيرة تلك النار التي تشتعل بنواص القلوب وتدميها على إستحياء خجول ونادر في مراهقته.. كنا مجرد لصوص نتلصص على مفاتن جِلِقر وهو يعبرنا سيان أن كان ممتعضاً أو سعيداً بوجبة من فراخ قطيعه وكان في ذلك ماكراً يبدو لنا حين ينتصف الليل وينتهي إلى الثلث الأخير والعواء يشتد ولا مغيث من فحولته إلا شمس تشق أديم الحُلك وتستر حيامن سره المستغيث جسارة بفتوة نالت من صبايا جيله الناعسات الطرف بحمل مرغوب في جهة أعالي ما بعد حلة الهدندوة حيث هنالك مناهل للرغبة المفتوحة تمتد بطول الطريق ولا يغل يدها إلا نهار يتوكأ على رهاب العيون وبيننا وبين المنطقة ملايين من الساعات الضوئية للتخلص من رغبتنا.. وفي جلافة إمعاننا حكاية لا تنتهي بانتهاء جلساتنا تمضي معنا إلى أسوار المدرسة فنمنحها طيناً لازباً ومعجوناً من كيمياء شهوتنا العجولة لاكتشاف سر العلاقة والشبه الكبير الذي يجمع تلك الفتاة بصديقنا جِلِقر، والتي ما زلت أسميها تراتيل كما أشتهي في صمتي وضجري وحنقي عليها.. يخلق من الشبه الأربعين جوار مغارة على سلك والشغيلة أو على مرمي حجر من أشجار زرقاء اليمامة التي سارت بقرب جٍقِلر ذات يوم من أيام الدنيا ووقتها تعلمنا كيف تكون الحياة شبقة بطعم البصيرة الكالحة التي لم تغادر الديار بعد.. إذن لماذا نشغل تفلتات أناملنا ونحاول أن نصنع من متعة كرة البصر مرة أخرى سنابل صفراء ومزركشة كما ود أبرق وعشوشة على حقول النصوص الممدودة على صدر الأمسيات الناهدة ولا حياة لمن تنادي يا صديقي ساعة أن تداهمنا حمى الإنتظارات في المكان الذي كان يصنع فيه عمنا بيرق أفلامه المتجولة على شاشة قماشية صغيرة بيضاء يثبتها على ظهر عربته المتجولة والتي ماتت فجاءة بفعل صديقي بطة.. كان شليقا ومنكفي على المعرفة حتى غدا طبيبا رائعاً يقدم خدماته للعالم.. دائرة جهنمية كانت خلفية وواجهة للحلة وسوق صغير.. ترلة الخضار.. بيت عمنا مدني الحلاق.. اسكريم التاية.. مصطبة بيت عمنا ابراهيم.. حاجة حواء صاحبة أطعم فول مدمس وسمسمية.. سينما بيرق.. عمود الكهرباء الرئيس واكبر مكب للجراد وطير الخداري.. جوغة من الطبالي (المرحوم مجاهد مدني ومرتضى حلفاويز حتى بضاعتي وجدت طريقا إلى هنالك).. ورشة مجاهد.. وبيت صاحبتنا الماجدة.. وبحكم سفوري أعرف أن الكلمة تتقىء صهد الزنوخة وبعض عش غراب مزروع على مياه البالوعات ولكنها كانت تجيد مساء كل يوم دلق الماء ورشه على أطراف شوارعنا حتى يضحك عوض شى ملّ جفونه وخدوده المتورمة بفعل الحبور والانتشاء ويمتطي ذيله المعطون بعطر معبأ عند حانوت السر هتش بسوق المدينة متى ما هاج شوقه لعبور شارعنا بكل فخر.. أنا كم كنت ضليعاً في بهاء الغى الذي يسكن أقطار قلب شى صديقي وليس وحده في ذلك.. ثلة من أوغاد الحى ينتظرون بفارغ الصبر ذهاب بعض الناس إلى صلاة المغرب حتى تخلو الشوارع لرغبتهم الصفيقة.. كهذا كانوا يظنون أن السماء ستمطر بالحسان وتفيض شوارعنا كما يشتهون.. وهى ليس تراتيل.. ماجدة بناصية الجمال تسكن وكفى.. وكلنا نقول إنها أجمل صبايا الحى.. وود زرقة تهتاجه حالة من الهيجان والاستغراق في تضاد لا يستقيم.. ويصرخ بمنتهى الصدق: "ح نموت انحنا هنا الليلة.. معقول غزال زى دا ما نقدر نقبضو حتى لو من ضنبو يا الله ما تحرمنا من زى ديل".. وكل يوم يجتر الضجيج والجذب ومسغبة العشق التي تمتد بخلاياه.. وحميراء كانت تختلس النظرات وتكتم وترحل بسرها المهيب وجلال صمتها وكم في الغرام من ضحايا..!! سنابل برغل الحكاوى تراتيل مجيدة وممشوقة القامة على امتداد مصلاية جسدها الفارع قطعا لم تبذ صديقي جِلِقر كما اعتقد أوان أيام كنت مسجوناً في كراكير الكراهية وسنابل الصمت الساخنة وبرغل متراري على بيادر روحي غنياً بالحياة ينتظر مواعيد حصاده ونسج نوله بين شعاب الإنتظار.. وانتظار يمسد الذاكرة بقطع الحديد وبعض مزامير مواقيت العمل التي تضج في ليال المصنع ونواميس الشغيلة وعقدها المنضدد على دفاتر الحضور.. وفي الانتظار نصنع مزاجنا ونضبطه على ترانيم ولهيب قهوة عمنا على كيك وننتظر حتى يمر ويقطع جِلِقر قول كل نمام وأفاك بيننا وكنا في الهم غرب.. وحينئذ تسربلنا بإهاب فضيحتنا وتسورنا سوء ظننا الكسيح.. إنحزت إلى رشاقة صديقي جِلِقر وفي الانتماء وطن للضالون والهاربون مثلنا.. والمسافة التي مشاها جِلِقر لم تزد بحسابات التوقيت أكثر من نعد باصابعنا المتورمات بفعل النسنسة بلغة إنجليزية ركيكة 1... 2... 3... 4... ونعيد الأرقام مرة أخرى وتكتمل فصول المسرحية.. ويعبر صديقنا الوفي بكل سماح والمقارنة يشتد أوارها بيننا.. وأنا أقسم بأم الجميل وبعض أوراق من نبات الموليتة، وكتاب مزقته أنواء الفراغ، وريح صرصر من أحابيل الظنون، وثيمات من تميمة تقطن أعلى أثداء بنت الريح بنت الهلال المنتفخة.. ود العمدة يقسم بلات صداقته، وبعض كتب أبيه المتينة والمكتنزة صدرها بدهن المعرفة، وعصب وتر من عود مركون بناحية بيت صديقنا ملح.. أما الماكر فينا دوماً عمر أبوشيبة يقسم بصوته النشاز ومقلتيه وبعض أعشاب حواجبه وخصلات من شعر، لم يكن وقتذاك غشاها غبار السنين، تتدلى هائمة على جبينه كحال ريش ديك جيراننا سعدية، ورائحة بيض السمبر الذي يأكله وتتعافه نفوسنا.. جميعنا أقسمنا بأن جِلِقر سيد نفسه ولا يمكن مقارنته بسهول وهضاب (تراتيل) المغضنة والملتفة كأوراق اللبلاب ونبات الليف الذي يخدش جلد الأمسيات المترفة بحديث لا يلون سوى الفضاءات بأكذب ألوان الجير ونشارات القهقهة ومسامير الحقيقة التي نحتاج إلى تطهيرها من كل صدى جريرة إحتقان علقت ببواطن سريرتنا الفالتة.. ورابعنا أميرنا ود محاسن، صاحب الفتوى وقصة بت ود العطا التي قصمت ظهرنا، لم يكن يجيد أداء نصوص قسمنا الممجوج بل سلك مفازة مسرح الرجل الواحد وامتطى صهوة الدراما واقفاً على قدميه مرتجلاً قصيدة عصماء أفحمت أكثر حديثنا بحركة جسدت في مشهد كبير كل تقاطيع (تراتيل) وهى بين مسارب خصلها سادرة في تقارب خطواتها تسد عجزها بايقاع سريع يتزن كما يشاء ككفتى الميزان عند الإنطلاق نحو الكيل والتعادل كما نراها بنفس الطريقة في طريق المدرسة وعبور الترعة العفنة.. كان هذا الفاصل تقريباً في نفس المساحة التي عبرها جِلِقر على ممشى الحوش الرئيس المؤدي إلى باب البيت بنفس وجه الشبه والتراتبية والتفاصيل الغارقة في وحل المقارنة.. وصديقنا معتز مَرور كانت قافلته هنالك بعيداً لا في العير ولا في النفير تبحث عن وعاءه الذي ضاع نواح شوارع أنفه المتربص بأواني مطبخ أمه يفضلها كمثل الثريد على سائر الطعام ويسدر في محنه وطلاسم حديثه العذب حتى تتهاوى صروف الحياة.. وفي ذلك كان معني بعجوة يثرب بالزبد ومع ذلك رفع عقيرته بالصياح قائلاً: "انتو بتنضمو في شنو؟ شايفكم من قبيل بتوسوسو براحة كدا.. في شنو بالجد؟.. العشاء قرب ولا شنو!".. وطحن قصبه ومضى مع لازمة هرش حنجرته.. وغاب أجمل ما فينا وسرة خيطنا في ذلك اليوم ولأنه موسوم بالصلاح والوقار.. إنتبذ حلفاويز ربذة بعيدة عن هوس هترشاتنا وكأنه حاضر الغيب بأفعالنا غير الناضجة وفي ذلك كان منيحاً حد الإرتواء.. النباح يتسلق كل مفاتن الجسد ويختبئ بين ذيل جِلِقر صديقنا المرتفع في عناق أبدي مع قدلته وكأنه يعد العدة للاحتفال بحسناء جديدة، ويتحين الفرصة المواتية لإغراق صغيره بحمم ملتهبة ودفقات متتابعة بين فخذى شهوته المندلعة يقدر هو حجمها بمقاس وقفته البهية عند ظل الشارع المنتهي على جنينة السائح.. وفجاءة دخلنا في شتاء خفوتنا المظلم والتبس علينا الطريق فضمتنا سحباً تترا وأيادي تنمو تجاه جنوننا وسيسبان إختلافنا.. لا هو زيت الخروع سال على مزالقنا ولا هوهوات رغباتنا المنسالة بدأت في الترهل على صعد رهو أحلامنا الفطيرة!!.. عضيرة هى الأمنيات حين تسافر في العدم بلا أمل!! وغبنا في هفوتنا وغفوتنا مسافة أن نبدأ حكاية جديدة للحظة قادمة تشعل فينا قوائم مرجنا وهرجنا العظيم.. ومضي جِلِقر في نومة عميقة في كهف راحته الأبدية يقلب أطراف حلمه على أفق السماء منتصباً بقامته جلوساً كما يحب صاحب الوفاء المفرط.. غيمة بنات الليل في توتر فالت من بين أصابع زمن ناعس ومتلبس بخيوط دخان المصنع، ولجت أناملنا لحظات فاترة فكت سبر غور رحط الجميل فينا جِلِقر بكل خباثة مترفة في نهار لم يفتقر إلى الطبول وحده فحسب، بل استدار على جوغة هجيج بنات الليل واللائي كن في تلك اللحظات في غياب تام عن الحياة يصارعن عوالم الحلم والبلل وسموم النهار وهن ممددات على ثرى الطين بين شهقة تأتي ونومة ترحل وغيمة من الملل تنثر رمادها وتمضي في انتظار همس بنت الريح وصبايا الحلم الاقحواني.. كثيرة هى مثل هذه الأمور الأخرى تحدث في المصنع متماهية مع شواظ الأشواق، وأكثر من ذلك طفح الطين على البال وحواكير الروح المبتلة بالحنين.. لقمة سائغة لصبيان الذات وشهوتهم المخملية حين تتدثر وتتزمل بأرواح الفصول العابرة.. منظر التنورة القصيرة والضفائر المجدولة بعناية كخيوط العنكبوت.. وفستانها الأخضر القصير والمنقوش على حوافه بعض الفتلات البلورية وكأنها الحقول الخضراء حين تشرئب إلى عناق السماء وبعض حيامن الذات.. لا شيئاً كان يشد أوتار القلب ويحيله إلى كومة من الرماد الأراجواني سوى جِلِقر مثل الخفاش بوكيمون صاحب زوج الأجنحة الزرقاء الواحدة، والمخالب المدببة على حواف الأغشية.. وفي وظيفته يشبه السنجاب الزاحف على أرائك عيدان الذرة الرفيعة بين مساقي القاش وتراب وقر وتندلاى وغبار أروما وهداليا ومتاتيب السراية.. جِلِقر مثل الكلاب بمقدار رفاهية صاحب اليدين الكماشة المجزأة والذيل الممتد إلى النهاية الحلزونية.. وفي علياء مزاجه الرصين يتكيء على ساقيه الخلفيتين القصيرتين، والتي تظهر القدم المجزأة مع المخلب الواحد الكبير لكل منهما طفرات في الخلق والتكوين. بالإضافة إلى ذلك، ورث صديقنا منذ فترة طويلة آذان مدببة وعيون على شكل مثلث تلتهم كل مساحة، وأنياب كبيرة كاللسان.. رغم عيونه المتوحشات والثاقبات غالبا ما ينظر من خلال فمه حينما يحتشد خياله بطفولة الراحة.. هناك التباس ما إذا كانت مخالبه على وداعة أم غلظة توحش تهيم على شفرات الأجنحة أثناء الليل بوجنتيه الورديتان!! العواء صديق الكلاب التي تمردت في ليال الشتاء الطويلة ضد مغالبة الجوع والنصب والهجر والطرد والنسيان.. وجِلِقر حالة خاصة طواها النسيان بين تلك الحالات التي باتت على الطَّوَى والهذيان والصريخ الذي يؤذي آذان الشوارع والفلوات.. وأضحى بين ليلة وضحاها في يتم جديد وهو مقبل على شَرْخِ شبابِهِ واختفت نضارَتُه ووسماته وتفرق هَبَاءً مَنْثُوراً بلا عائل وسط أسلاف سلالة كلاب الخلاء الطريدة من مكان إلى مكان آخر.. عيال عمي العمدة السؤال عن جِلِقر.. نادرة تمتح من محنة الفصيلة المجيدة التي تعيش بيننا منذ زمن بعيد وكنا الأبعد عن الأجابة لتقديرات الخريطة الزمنية الفاقعة اللون والباهتة الملامح.. وأشكر بأحر مشاعر التقدير كل من تقدم بفضيلة السؤال التي فضحت ضآلة معرفتي والمفترض أن يتقدم به لسان حالي حتى لا أقع في فخ الخيبة الأرعن.. لإيضاح الإِبْهامٌ عن كلمة جِلِقر التي حار التوغل في معناها الغامض لجيل مثلنا جل ثقافته سماعية.. صراحة في ذلك الوقت عاشرنا فتية كانوا أقرانا لنا في كل شيء بدءً من عمر الطفولة والدراسة ومعزة الجيرة.. ولكن فاقوا قدراتنا وفهمنا ومنهم أولاد عمي العمدة الذين عن طريقهم عرفت الطريق إلى قراءة الرواية وسماع الغناء الوطني ومعرفة الديالتيك وجدلية التاريخ عبر كتاب ضخم في مكتبة والدهم النقابي الكبير بقطاع السكر ذات يوم محجوب العمدة، فالكتاب معنون بـ(الرجل والضفدعة). وفي ذلك الوقت الباكر في حياتنا كشأن كل ابناء جيلنا وجدنا أنفسنا في منطقة وسطى لا انتمينا إلى من سبقونا ولا إلى الجيل الذي أتى بعدنا.. وبهذا ترعرعنا في ظل ذهنية تشويش الحقبة المايوية وخضنا في تراتبية الهامش الدامس.. لا انسربنا إلى مدارسة الخلوة ولا إلى هيبة التعليم النظامي المفكك.. التبس علينا الكثير ولو لا هؤلاء لما عرفنا أشياء كثيرة يكفي عزفهم أمامنا على آلة العود وهم يترنمون بأغنيات الجميل مصطفى سيد احمد المقبول ونحن على عتبة الثانوي العالي باحساس عظيم وكبير ووقتها كنا نسترق السمع لهاشم ميرغني وحمد الريح ولا تنسى حنان بلوبو يا صاحبي وهذا حظنا العاثر لكن قيض الله لنا من بين ركام حقبة جعفر نميري هؤلاء الفتية الاخيار والابرار الذين قادوا خطواتنا الى النور وطريق المعرفة.. على كل حال.. كنت شاهدا على تسمية الكلب الوفي بهذا الاسم ووقتها سألت عبد الخالق تحديداً وأفادني بسر التسمية ولكنها ضاعت وانسربت من الذاكرة كحال الكثير الذي مر.. فالمهم بحثت في دفاتر عمنا قوقل بالعربي لم أجد شيئا يسد الرمق ويدل على الأثر وغادرت إلى اللغة الانجليزية واذ بي أجد نصوصا كثيرة وفخيمة أقرب إلى مزاج الجيل الحالي وعرفت أن الاسم هو Gligar وتعني الخفاش الأرجواني الصغير الذي يشبه بوكيمون. بلا شك يبدو لي صعب التوغل في بحث المعنى أكثر من ذلك طالما هذا الخفاش رسم كرتوني إبتدعه الخيال الياباني لدعم أحلام امبراطوريتهم.. وهذا شأن جيل الميديا ولن أزيد.. ولكني أقول.. إن ابناء عمي العمدة رحمة الله عليه كانوا طفرة كبيرة بالنسبة لجيلنا وفي حضرتهم كنا تلاميذ صغار.. خاصة في ذلك الوقت الموغل في البداوة حين يبتدعوا مثل هذا الاسم الذي كان سابقا لعقلية جيلنا.. والتساؤل صراحة جعلني أزداد معرفة أكثر بالاسم، ويا ليت عبد الخالق كان في متناول صراخي حتى أعود منه بالمراد وغاب كعادته طائر السنبر في طي مواسمه الملتبسة وفي صمته لا نبحث عنه حتى يعود كما كان وهكذا حاله البلبل الغريد يطوي حريته بين راحتيه أينما ذهب.. حكاية باهية لم تنته! عبق تلك الأيام الزاهية يحيلنا إلى هذا السفر من دفق الذكريات الجميلة التي لا تزال تغذي الروح وتمضي بها في مسارب شعاب الحياة الوعرة والصعبة التضاريس.. وما أكثر مسارات الحزن حين ندلف إلى ماضي انصرم بعنف او برفق سيان الأمر ولن يعود مهما تباكينا.. سنوات ولت خلسة سراعا أتذكرها كل لحظة لم تبرح خيالي حتى وسدتها ضلوع دفاتري.. أعيش على وقعها وما زلت مع أصحابي أقراني بين الترعة العفنة، المطار، صف العرب، شارع حداشر بيت، صف البان، شجرة المرشدات، ميدان الكرة، حزام البان، مشتل المطار، جزارة عمي سعيد، ترلة الخدمات، سينما عمي بيرق، حمار عمي دورا، الزريبة، حلة الهدندوة، كرسي الشيطان، ورشة جوبا، ورشة اب زيد، طيور القطا، أعشاش السنبر، قرضة عمي الطيب، نبقة عمي عثمان خالد، والكنار، وغيرها من الامكان الحبيبة إلى القلب ولا تزال تعيش بترف بنواصيه.. خمسين بيت بسكر حلفا الجديدة حكاية باهية في ذلك الزمان الناضر الذي استوعب جِلقر بكل متاعبه في دروب الحياة واحاله من يتم في يفاعته مروراً بفترة رخاء طيبة إلى تشرد كبير حتى الممات كصعلوك نبذته روحه السمحة حيث نفر بعيدا عن القبائل والبيوت.. خمسين بيت حكاية لم تنته ورواية لم تكتمل فصولها ولن تمضي هكذا تلك البلدة الصغيرة والجميلة التي تعلمنا فيها أولى حروف الحياة وبداية مشاوير الدنيا الجميلة.. هى المكان الممتليء جلالاً وهيبةً ورونقاً برائحة أهلنا القادمون الجدد والعابرون والقابعون لإنارة طرقنا في تلك السنوات الزاهية.. كانوا وابلا وطَلاًّ على الأرض الطيبة التي علمتنا الكثير..
| |
|