هذه واحد من قصاصاتها الجميلة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
قصـــاصــات ســـريــــة ( مجموعة قصص قصيرة )
بقلم سناء جعفر
في داخل كل منا تكمن نزعة غريبة للتلصص على الآخرين واختلاس النظر من وراء شقوق الأبواب المغلقة ... واستراق السمع خلف الفواصل الهشة .. هناك لذة غامضة يستشعرها المتلصص عندما يرى ما لا يراه غيره أو يتعمّد التنصت على حديث لا يرغب أصحابه في نشره خارج نطاق الموجودين .
أدرك بان البعض منكم قد مطّ شفتيه استهجاناً وهو يقرا كلماتي الصريحة عن فعل يمارسه معظمنا بطريقة مستترة .. وبعضنا الآخر بكل جرأة ... إذن يا قرائي الأعزاء سأطرح عليكم سؤالاً يحتاج لإجابة صادقة .. قولوها لانفسكم وليس لي .. فأنا قد تخطيت مرحلة الخوف من الاعتراف بعيوبي منذ زمن طويل ..
سؤالي لكم ... هل أتتكم فرصة لاستراق النظر أو اختلاس السمع وتهيأت لكم كل الظروف لممارسة هذه العادة المتأصلة داخل النفس البشرية وترفعتم عنها ؟؟ هل أغمضتم أعينكم عن مشهد يستحق المشاهدة ولكن ليس لكم حق مشاهدته ؟؟ هل صممتم آذانكم عن حديث حار وهامس يدور بسرية بين اثنين شاءت الظروف أن تكون أنت ثالثهما الذي لا يعلمان بوجوده؟؟
لو تحرى الجميع الصدق في الإجابة يعتريني الشك أنها قد تكون بنعم .. هل تدرون لماذا ؟؟ لأننا بشر .. والفضول جزء من تركيبتنا التي تدفعنا بصورة لا إرادية للتلصص ..أنا اعترف بفضولي الزائد لمعرفة خبايا الآخرين وقد شاءت الظروف أن تضعني في مكان وزمان استطعت فيهما أن استرق النظر وتبحر حواسي في دفاتر يوميات نساء مختلفات لا يجمع بينهم سوى شغفهن الغريب لتدوين أحداث مرت بهن بكل صدق وتجرد لأنهن كتبنها لانفسهن ولم يحسبن حساب الأعين المتلصصة ... لقد قرأت قصاصات غاية في السرية لعشر نساء لا تجمع بينهن صلة غير نون النسوة ... وبما أني أدرك فضولكم ولهفتكم لمعرفة الأسرار التي تم تدوينها في لحظة فرح أو يأس .. حزن أو أمل .. قررت أن اقتسم معكم إثم التغلغل داخل حرمتها ... هذه القصاصات التي كتب بعضها بالدموع ... وبعضها بالدم .
عفواً لقد قمت بتغيير الأسماء والأماكن حفاظاً على خصوصية أصحابها ... وإذا تشابهت الظروف والأحداث مع امرأة تعرفونها .. سيكون الأمر مجرد صدفة بحتة .
قصــاصــة مــن دفتـــر يوميـــــات عــانــس
الاثنين الأول من أبريل .. الساعة السابعة صباحاً ...
يا له من تاريخ ارتبط في أذهان الناس بالكذب المشروع ...اكره هذا اليوم ابغضه أتمنى لو كان بإمكاني أن أتحكم بالزمن فاعيد عقارب الساعة إلى الوراء واشطبه من التقويم .. أن امحي ذكراه من الوجود وامحي وجودي ايضاً ... اليوم يصادف ذكرى ميلادي السادس والأربعين .... هل توافق تاريخ ميلادي مع هذا اليوم دلالة على أن حياتي بأكملها كذبة ؟؟ ربما كانت كذلك .. في كل سنة أكرر نفس السؤال .. لماذا ولدت ؟؟ ولأي هدف أعيش ؟؟ ما معنى حياتي ؟؟ كل لحظة تمر هي إعادة للحظات سابقة أو آتية .. بلا أمل ولا رغبة ... ولا يقين .
الساعة السابعة والنصف...
لابد أن انهض لامارس الروتين اليومي المعتاد قبل ذهابي إلى عملي الممل بالبنك .. ثم العودة منه إلي روتين البيت ... الأكل الذي فقد مذاقه منذ زمن طويل .. النوم الملئ بالكوابيس .. الفراغ العريض الذي يبتلع روحي وهكذا تمر أيامي .في طريقي إلى الحمام سمعت أصوات هامسة تخرج من غرفة أمي .. اندهشت لهذا الهمس المبكر .. نظرت من شق باب غرفتها الموارب لارى أمي بوجهها الصبوح الذي حفر عليه الزمن آثاره وهي تتطلع بانزعاج إلى وجه أخي الأصغر مجدي .. كان الحزن يصبغ ملامحها وصوتها
" يا مجدي يا ولدي كيفن بس عاوز تعرس وأختك لسة قاعدة ؟؟
كان همس مجدي الذي يصغرني بعشر سنوات يتلاشى بفعل العصبية .. وارتفع صوته بحدة خرجت عن حدود السيطرة
" يعني يا أمي عاوزاني اقعد استنى منار لمتين ؟؟ أنا ما صغير عمري ستة وتلاتين سنة .. عاوز أعيش حياتي زي باقي الناس ويكون عندي أسرة وبيت وأطفال ... منار خلاص ما عندها فرصة عرس بعد كدة وهي ذاتها مقتنعة بالشئ دة وما بتفكر في الموضوع خالص .. انتي بس العاملة منو قضية" ..
أغرقني صوت أمي في بحر من الألم " منو القال ليك ما بتفكر فيه ؟؟ يعني عشان هي صبورة وساكتة وما بتتشلهت على العرس ؟؟ مالها ؟؟ ما زيها زي باقي البنات ؟؟ ما نفسها تفــرح ويكون عندها راجــل وبيت وعيال ؟؟
كان رد مجدي الساخر كحقل شوك أجبروني على السير فيه حافية " يا أمي الله يخليك راجل شنو وعيال شنو بعد العمر دة ؟؟ إذا كانت مايسة الأصغر منها بخمستاشر سنة بتها قربت تدخل الجامعة .. منار خلاص سنها زاتو ما بقى يسمح بولادة ... وبعدين يا أمي ما أخواتي وأخواني كلهم اصغر منها وعرسوا .. اشمعنى أنا العاوزاني انتظرها ؟؟ ولو في أمل انو يجيها زول ما في مشكلة .. لكن منار خلاص كبرت شديد وبعد كدة ما أظن أي إنسان يفكر فيها .. حاجة تانية أنا البت العاوزها ما بتنتظرني اكتر من كدة .. بقى لي سنتين أماطل في بت الناس لمن حججي كملت لكن هسة هي قالتها لي صريحة لو ما عملت خطوة جادة واتقدمت لاهلها وحددت مواعيد العرس حتخليني وتتزوج واحد تاني .. تغيرت لهجته إلى الاستعطاف " يا أمي أنا بأحب البت دي وهي انسانة كويسة شديد ولو ضاعت مني ما بالقى زيها تاني .. حاولي تفهميني وتقيفي معاي يبدو أن لهجته ألانت قلب أمي الحنون " خلاص يا مجدي استنى بس لغـاية نهـاية السنة دي ولــو ما في زول اتقــدم لمنار امشــي عرس ما باقول ليك لا ..
انفجر مجدي صارخاً بوجه أمي الذي حاكى وجوه الموتى شحوباً " يا أمي خليك معقولة .. إحنا وين ونهاية السنة وين ؟؟ عاوزاني انتظر ثمانية شهور تاني ؟ حرام عليك .. انتي بس همك منار ؟؟ أنا ما ولدك ولا شنو ؟؟؟ وبعدين منار آخر ثلاثة عرسان جوها رفضتهم... نعمل ليها شنو إذا هي عاوزة راجل تفصيل ؟؟ .. مفروض تقتنع إنها خلاص كبرت وفرصها بقت ضيقة وتوافق على أي زول يجيها
انغرزت كلماته كالخنجر في قلبي ... فحملت قدمي وهرولت عائدة إلى غرفتي خوفاً من التهاوي ألما على عتبة باب أمي الموجوعة .
بداية سيئة ليوم قبيح ... كان مجدي محقاً .. لقد رفضت ثلاثة عرسان أتوني خلال السنة الماضية .. ولكن لاسباب منطقية ومعقولة ... ليس من اجل الرفض .. وليس لاني ابحث عن رجل تتناسب مقاساته مع خيالي .. سأنتقل إلى صفحات سابقة من دفتري لاذكّر نفسي بأسباب رفضي ..
العريس الأول .. عم أحمد .. نعم هكذا كنت ادعوه .. فقد كان صديق أبى المقرب ويكبرني بعشرون عاماً كاملة أي شيخ على أعتاب السبعين .. ماتت زوجته خالتي إحسان .. تزوج الأولاد والبنات فشعر بالوحدة وازدادت أمراضه .. أراد أن يعيد شبابه مع زوجة جديدة تصغره عمراً وتصلح أن تكون خادمة وممرضة في آن واحد رفضته برغم علمي بوجود الفياجرا في الأسواق ...
العريس الثاني .. المهندس أسامة .. كان يشرف على بناء بيت ميادة أختي التي تليني في العمر ومتزوجة منذ خمسة وعشرون عاماً وقد أصبحت جدة منذ فترة قصيرة .. رآني صدفة عندما ذهبت أتفقد سير البناء تحت إلحاح بنات شقيقتي ... عرض علي الزواج شريطة أن اترك عملي .. و...رغ تماماً لرعاية أولاده الثلاثة ... صبي في السادسة عشرة من زوجته الأولى المتوفاة .. فتاتين في العاشرة والسابعة من زوجته الثانية التي طلقها لأنها لم تحسن معاملة ابنه المراهق فتركت له بناته وتزوجت هي الأخرى ..بالطبع رفضته لأنني مقتنعة بعملي كرئيسة قسم الاعتمادات بالبنك الوطني وليست لي رغبة في استبداله بوظيفة مربية بدوام كامل ...
العريس الثالث ... الموظف الجديد تحت إمرتي في القسم .. يصغرني بسبع سنوات لم يتزوج لضيق ذات اليد .. أتاني خاطباً بدعوى الحب كدت اقتنع وأتغاضى عن فارق العمر تحت ضغط أمي وأخواتي .. لولا مكالمة أتتني قبل الموعد المحدد لعقد القرآن بأسبوع من فتاة باكية تخبرني فيها بأنها حبيبة زوجي المنتظر منذ خمس سنوات وانه يعتزم الزواج مني فقط لتحسين وضعه المادي وضمان راتبي الكبير وبيت أسرتي الفسيح وسيارتي الفخمة .. رفضته لأنني اعمل في بنك .. لكني ارفض أن العب دور البنك .الساعة التاسعة ...
ما زلت مستلقية على سريري فقدت الرغبة في الذهاب إلى العمل اليوم .. من حقي الحصول على يوم عطلة امتلك رصيدا هائلاً من الإجازات .. كلما فكرت في اخذ إجازة ينتابني الفزع من فكرة البقاء وحيدة أو تكرار الزيارة إلى بيوت أخواتي المتزوجات .. لم تعد لي صديقات مقربات منذ فترة طويلة .. مع تقدم العمر وزواج الأغلبية وتغير الاهتمامات المشتركة تباعدن عني واحدة تلو الأخرى .. حاولت جاهدة التمسك بروابطنا وان أظل جزء من حياتهن ولكن في كل مرة يأتيني إحساس كريه بأنهن يتعمدن إقصائي والتباعد عني .. في نهاية الأمر حثتني طبيعتي الواضحة على طرح السؤال الصعب عن سرّ التغير في المعاملة .. فكرت في كل الاحتمالات إلا ما صرحّت به تلك التي كانت أقربهن إلى قلبي ...
" منار ما تزعلي مني ولا من الباقيات .. وجودك في حياتنا بقى مشكلة .. إحنا الولادة والشغل بهدلونا وانتي لسة قاعدة سمحة ومهتمة بنفسك شديد .. بصراحة كل ما تجي لواحدة مننا بعد ما تمشي رجالنا بياكلوا لحمنا بيك .. شوفوا صاحبتكم قاعدة كيف جميلة ورشيقة وانتو بقيتوا زي البقر ومنكشات .. شوفوا صاحبتكم وصلت وين في شغلها وانتو محلك سر .. بعد كل زيارة منك بتحصل المقارنات وبصراحة ما بتكون في مصلحتنا وبعدين يا منار انتي عارفة زوغان عين الرجال .. إحنا واثقين فيك لكن ما واثقين في رجالنا بالذات انتي وظيفتك كبيرة ومرتبك عالي ... ودة في حد ذاته إغراء ما بيقدروا يقاوموه .. إحنا قلنا بس نزح البنزين من جنب النار .. لكن والله معزتك في مكانها ولو عاوزانا نجيك في أي وقت انتي تحدديهوا في بيتك كلنا تحت امرك"
كانت كلماتها تصيبي بالغثيان والرغبة في تقيؤ كل سنوات الصداقة التي ربطت بيننا فقطعت علاقتي بكل من اسميتهن صديقات .. بدات ادفع ضريبة عدم زواجي .. وصدقوني كانت باهظة ومؤلمة ...وعلمت فيما بعد من أخرى قابلتها صدفة بان قرار إبعادي أخذته تلك التي كنت أظنها الأقرب ألي ّ وحدث ذلك بعد أن عبّر لها زوجها عن إعجابه بي كانسانة محترمة وجميلة ومثابرة في عملها .. فما كان منها إلا أن أعلنت الحرب على وجودي و أقنعت البقية بخطري عليهن .الساعة الحادية عشرة ...
لبست اجمل ثيابي ..تعطرت بأغلى عطوري وخرجت من غرفتي .. كان الصمت يعم المكان بعد خروج مجدي .. مررت بغرفة أمي ونظرت بحزن إلى وجهها النائم وآثار الدموع ما زالت محفورة على خديها المتغضنين .. مررت بالمطبخ وذكرّت الخادمة بمواعيد دواء أمي ووجبتها .. قدت سيارتي وخرجت ..
هل تدرون إلى أين ؟؟
خرجت ابحث عن رجل بمسمى زوج كي يمنحني أهلية الدخول إلى بيوت صديقاتي ويرفع عني حظر الاقتراب من أزواجهن ..
رجل بمسمى زوج يمنحني حق الانتماء إلى عالم النساء ...
رجل يسحق عائق وجودي في طريق مجدي فيتزوج قبل أن تضيع فرصته ..
لقد سئمت من نظرات الإشفاق في عيون الجميع .. وكرهت الأسئلة المحبوسة في عيون كل من يراني عن سبب عدم زواجي حتى الآن ... سئمت خوف الزوجات وتغامزهن لحظة وصولي إلى أي مجتمع ... وكلماتهن الممطوطة الجوفاء " والله يا منار الرجال ديل عميانين .. معقولة انتي بحلاوتك دي كلها ما شايفنك ؟؟ "...
" والله يا منار انتي في نعيم .. كدة احسن ليك مرتاحة من قرف الرجال والأطفال .. عايشة حياتك زي ما أنتي عاوزة .. لا راجل يتحكم فيك ولا عيال يستنزفوا عمرك "
من أعطاهم حق تحديد الأحسن والأسوأ في حياتي ؟؟ من اخبرهم أنى سعيدة بحياتي الخاوية من كل انتماء ؟؟ إذا سألوني رأيي سأقول لهم لا أمانع في الحصول على رجل يملاني قرفاً وحباً .. رجلاً يملاني ضجيجاً وحناناً .. أتوق للحصول على أطفال يحملون ملامحي وطباعي وامنحهم مخزون الحب المحبوس في أعماقي ولا أجد له متنفساً ..
أعلنها صريحة ...
أريد زوجاً ..
اعرض لقب عانس للبيع ...
وسأدفع كل ما املك لمن يشتريه ...
فهل من مشتر ؟؟..