منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة ترحب بالزوار من ابناء المنطقة وجميع الاحباب والمريدين داعين لمد جسور التعارف بين الجميع ودوام التواصل
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل المصنع     مجموعة الفيس بوك

اهلا وسهلا بناس المصنع عزيزى العضو فى منتدى مصنع سكر حلفا الجديدة تفضل بالدخول الي المنتدي واذا ما مسجل معانا تكرم بالتسجيل والتمتع معنا ولقاء الاحبة والاخوان ومن فرّقتك عنهم طرق الحياةولو ما عارف كيف تسجل في المنتدي فقط إضغط زر ( تسجيل ) واتبع الخطوات ,واحدة واحدة,(الادارة بتفعل حسابك )

 

 قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد)   قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Emptyالإثنين 29 سبتمبر 2014, 7:58 pm

أكثر من ثنائية ومساء شفيف..
رواية (زجاجتان وعنق واحد) تغوص في عمق الخيبة والحنين

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) 121a8m9

جديد الكتابة جاء هذه المرة متمهلاً وبعيداً عن السرديات المسخنة والمسيجة بخطوط نار التابو: الجنس، السياسة، والدين.. الثلاثيات التي أفردتُ لها كل شيء وأدخرت في مخيلة قراء الرواية. 
لعل الموضوع الجديد في رواية (زجاجتان وعنق واحد) للكاتب عبد المنعم حسن محمود - الفائزة بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي للدورة التاسعة 2010-2011م مناصفة عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي - محل وقفة وتدبر وقراءة جديرة بالمراجعة، حتى لا نفقد رواة يصعدون بأنفاس بعيدة عن سطوة زبد الايدولوجيا، والزيف العرقي، والطائفي المنثور في الكثير. وهذا ما يثير اللغط والجدال حوله باعتبار أن قوى الاستنارة دائماً ما تركز في قراءتها حول موضوعية وموضوعات الحكي وتوابله الحارقة، وليس طرائقه وجماليته وسمت أدبه، وما هو مرجو منه عموماً في المعالجة.
الخيبة والحنين
وفي مساء شفيف ومترع بحضور ذواق من يوم الخميس الماضي (25 سبتمبر 2014م) نظم النادي السوداني بمملكة البحرين ندوة أدبية بعنوان: "ثنائية الخيبة والحنين"، والتي قدمها الناقد ناصر البهدير في ورقة نقدية معنونة باسم: "قراءة على قارعة.. زجاجتان وعنق واحد".
في البدء أعلن البهدير عن فخره واعتزازه عن تواصل المسيرة التي بدأها شيخ الرواة السودانيين الطيب صالح، قائلاً: "لن تنقطع طالما بين ظهرانينا كاتب وراوي مثل عبد المنعم حسن محمود، صاحب الفكرة المغايرة والأسلوب الشاعري الفريد والحكمة الساخرة. كاتب عبر بنا إلى زمن حاضر ومتخم خروجاً عن دائرة التقليدية". 
وأضاف "من خلال عنوان الرواية- (زجاجتان وعنق واحد)- يتناسل التجريد والتفخيخ، وينفتح بوعي مستند على أمشاج فلسفية، ورؤى منطقية في كامل بهائها المضطرد، وتلاقحها مع المعرفي في الإتيان بفكرة ربما تكون مغالية لأصحاب النظرة المسطحة والبسيطة، والتي لا تبالي للتحولات التاريخية الماثلة خاصة إذا نظرنا إليها بعمق نجد أنها حبيسة مفازات تليدة".
وأشار الناقد البهدير إلى أن الرواية برمتها ومضامينها ورمزيتها وواقعيتها وسحرها الأخاذ نثرت عبيرها وما يكفي عن ظاهرة نبتت من نتاج تحولات عميقة جرت في المجتمع السوداني على مختلف الحقب التاريخية.
وقال إن الرواية أرادت الكل وطمحت إليه ونالت منه الجزء، وأرادت الجزء ونالت الكل. كل ذلك عبر ثنائيات فريدة مستقصية عوالم التسول والتشرد بفعل السياسي العضير، والتي لا تشبه ولا تمت بصلة لتاريخها المعروف ويتصدر هذا المعنى في الإهداء: [إلى من تشرد وتسول في هذا البلد بفعل فاعل]، مضيفاً "كما نلمس أثر ذلك في الشخوص؛ كاسح وغالب ومغلوب (الراوي) في مستويات تسول مختلفة، والراوي يؤكد ذلك بقوله: [تعددت وظائفنا أنا وكاسح وغالب في الشوارع واختلفت]".
تكمن جدلية الرواية في فخ عنوانها الملتبس على عدة تأويلات ومقاربات متباينة، والناظر إليه يجد المشقة في فك خيوطه من الوهلة الأولى، وهنا يبدأ الترميز في صعوده حتى نهاية أخر سطر من المتن الحافل بالكثير من سحر الكلمات والعبارات ونصاعة الأفكار التي تموج بالحراك. 
عوالم التسول
وبين البهدير بأن الكاتب رفد متن الرواية من خلال حسه الاجتماعي ونظرته الايجابية في تحليل ضافي للأوضاع الاجتماعية ومظاهر الاختلال الذي فاقم من المثالب والظواهر في المجتمع وتنزلها على أرض الواقع كمسلمات جاءت نتاج الفعل السياسي بتداعياته.
وقال البهدير إن الرواية تقوم بفضح تلك العوالم المشحونة بالتقيح، الفاقة، والحرمان من خلال شخوصها، في لغة سردية بليغة وأسلوب مشحون بالمفردات الأنيقة، والعبارات الفلسفية، وتصاعد متناغم فريد لا يدخل القارئ في صراع، وهنا تبين عبقرية الكاتب وذهنيته المتواضعة في عدم استخدام أدوات الصراخ العالي. وبدلاً عن ذلك تماهى مع شخوصه إلى حد التقمص الكامل حتى خلت المشاهد من سيطرة وحش التابو السياسي.
في الأصل ومبتدأ الرواية كما ذكر الناقد البهدير تأتي الأحداث في تناسق مستقيم وتسلسل دائري كما جريان النهر في عنفوانه أو انخفاضه عبر فصولها الست: [حافة الهاوية/ شرق الخزان/ مماسٌ لـ لا الناهية/ أسوار/ في باطن الأرض/ غدد ونوافذ]. بل حتى داخل الفصل الواحد يجد المتابع لمستويات السرد أن الحوار ينتقل من مشهد لآخر كحال التنور في فورانه، أو مياه النهر في تدافعه وحراكه لا يقف على حال معين، وهكذا دواليك يستمر الإيقاع في صعود وهبوط دون إرباك في توالي مستقيم تارة وتارة أخرى في شكل دائري.
وأضاف "تأخذنا الرواية على مهل في براحات مختلفة ومتقاربة بتوالي بديع ما بين حقائق الأزمة الوطنية، ومتلازمات الحنين والشوق خاصة حينما تدور الرواية في فلك تشظيها ما بين المدينة والريف في ثنائيتها الموسومة بها".
الوحدة الثنائية
وأوضح مقدم الورقة النقدية أن أحداث الرواية تجري على وتيرة الوحدة الثنائية وكأنها تستلهم الأنفاس الصوفية الحالمة التي تتنفسها هنا وهناك، وهي مسحة إيمانية عميقة وإشراق تصوف متعالي يشير إلى مكامن الخيبة الوطنية من خلال ثلاثة أجيال تمددت في حياتها عبر ثلاثة حقب زمنية منذ بدء الحكم الوطني (1956م) حتى الراهن المعاصر (ولعل استشرافها لغاياته تمثل في ثلاثية الأبطال؛ كاسح ومغلوب وغالب كشخوص رئيسة دار حولها المتن. والثنائية تسترسل في رؤاها ونبضها بدءً من عنوان الرواية ومروراً بدلالة الأسماء غالب ومغلوب، والممعنة في الهزيمة والنصر كقيم متضادة. 
وقال البهدير إن الحوار أيضاً يدور ثنائياً ما بين الواقع والخيال في تداخل منساب، والذي خلق الكاتب منه فكرة مسرح الشارع واستغلالها الأمثل في الموقف الدرامي لصالح عملية التسول والتي تعتبر محور سرد الرواية وفكرتها الأساسية وصولاً لغايات أخرى أرادها الكاتب كقيمة من النص. 
إستدعاء التاريخ
وبينت الورقة أن الرواية تستدعي الكثير من التاريخ وأعمقه استدعاء التاريخ السياسي عبر الجد عبد الغفور المثقف أحد شخوص الرواية، شقيق جد الراوي (مغلوب) من ناحية أمه.
وأضافت "وأيضاً بانت قدرة الراوي في استدعاء الماضي وتنصيبه كرؤى وأحلام، دون تصادم يمس متن الرواية، ويربك المشهد حتى حقب التاريخ تتداخل فيما بينها رغم بعد المسافات الزمنية، حين يستدعي الراوي قصة الجد الكبير، وفجأة يقفز إلى ماضي أبيه (رابح) دون إخلال بتدفق المشاهد على ذاكرته، مشبهاً أباه حبيس الجماعة في لغة رفيعة وسلسة: [لا يشذ أبداً عن سلم موسيقاه الخماسي]". 
وقدم الكاتب بذكاء متقد أوصافاً لكل شخوصه، وقصد أن تكون متفرقة داخل النص كحال وصف الأزمة السياسية في تماهيها وتمددها.
البعد الرمزي
في منحى آخر كما أوضح البهدير، "استطاع الكاتب توظيف الرمز في بعده الأسطوري بصورة مثلي، دون استغراق أو تكثيف لمضامينه، تماشياً مع الفلسفة التي استندت عليها الرواية في أسلوبها، وكذلك دون أن يخدش سياق الحوار أو يخل به، حيث سار بأسطورة سيزيف سيراً حفيفاً في مناحٍ عدة تلاقت في مقاربات لعبثية الأوضاع التي عاشت فيها شخوص الرواية حياتها. وكذلك استدعاء الرمز في بعده التاريخي والأدبي، وتجلى في العبارة؛ (وأنا انتعل خُفي حُنين). 
مسارات الغياب
واسترسل البهدير في نقده قائلاً: "هنا يغيب الجنس، وإن بدأ ظاهراً في مواقف قليلة جداً، وقد بان ذلك في الموقف الذي جمع الموظف والموظفة في مكتب عام وكانت أشارة عرضية. كما أن العلاقات الغرامية، والتي تتأسس عليها الكثير من الروايات لم تكن محل ترحيب عند الكاتب، وإن جاء حضور الأنثى (غفران) ابنة الجيران عابرة حيث دخلت حياة الشقيقين (غالب ومغلوب) وهى محاولة ملتبسة لإعادة التاريخ وتكراره في حالتي جديهما الكبيران (الجد غير المعروف باسم وشقيقه عبد الغفور): وهنا نعود إلى الثنائية في أرفع صعود زمني متأخر لها. 
وأردف "غاص الكاتب في عميق جغرافية الأمكنة بدءً من الريف الفضاء الاجتماعي الأوسع للرواية، انتقالا للعاصمة الفضاء الأكثر اشتغالا بالحركة السياسية. ولكن غاب المكان الأكثر ضرورة كعادة متبعة في حضوره عند الكثير من الكتاب تلازماً مع واقع الحال؛ واختفى أثر المسجد والحانة كثنائية متضادة بفعل الخلق الإبداعي الذي سار بنا في مسارات أخرى جديدة". 
تنبوء الرواية
وبين الناقد البهدير بأن الرواية كأنها تستقرا وتستشف حاضر ما يكون حينما تناولت مشهد (غالب) وهو أمام الموظفة حين نادته بصفته الأستاذ، ومنحته درجة الأستاذية بلا جهد من خلال عبارة بليغة ونبوة صادقة لمالآت الحكم الشمولي: [ودرجة الأستاذية التي بسببها كادت محاكم التفتيش أن تطلق إحداهنّ من زوجها لو لا نعمة الهروب خارج البلاد]. والتي تحققت في الراهن المعاصر قبل فترة قليلة لم تتعد الأشهر في حادثة المسيحية الشهيرة مريم. 
على كل حال ترك الراوي الباب موارباً لأسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة، بالقطع ليست بمهمته وإنما هي مهمة الآخر.. واعني به القارئ الجيد، ولعل الكاتب يهنأ في توهانه في شعاب أخرى، ودروب نصوص أخرى حافلة بالكثير، وهذا قدره النبيل زرقاء يمامة ترى الخرابٌ الذي يُبصّره الأعمى بذات الرؤية وحدة ودقة الرصد.
ويبقى المبدع عبد المنعم حسن محمود راوي مختلف وخارج عن إطار المألوف، أفلح بكل جوارحه في الإجابة بحبكة وتداعي سلس عما حدث ويحدث في وطنه.
قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Rt2om9
قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) I4ke8h

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) 1114b44

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) 8wglxd

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Xql7x4

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) 29o2v11

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) V2w612
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد)   قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Emptyالإثنين 29 سبتمبر 2014, 8:05 pm

قراءة على قارعة.. زجاجتان وعنق واحد
ناصر البهدير
حافة المساء:
إحساس لزج كموقف متضخم حملناه كثيراً لم يتبدل ولا زلنا قابضين على تلابيبه بقوة لطالما ظللنا نركض خلف السرديات المسخنة والمسيجة بخطوط نار التابو: الجنس، السياسة، والدين. 
ثلاثيات أفردتُ لها كل شيء وأدخرناها في مخيلتنا تجاه الرواية. فقد يكون هذا الموقف موقفي لوحدي. وإن كنت أرى مدى الإعجاب والالتزام الصارخ للعديد من أبناء جيلنا الشقي بالسفر في دروب الحكي.. ومدى التزام العاشق بمحراب حبيبته. 
على مدى عقدين من الزمان- تزيد أو تنقص- بحسب الأجيال المتعاقبة، ومفهوم المجايلة الملتبس لم نجد ما ينر قريحتنا ويهديها صواب الطريق في كيفية اختيار المادة الملائمة وسط الغث والمكرور الذي تفيض به دور النشر. 
على تخبط استهوتنا تلك العوالم الغامضة والمسترخية في الكثير من الروايات التي مررنا عليها على مختلف الأزمنة، سواء إن جاءت من كتابنا، كتاب أفريقيا، أدب أمريكا اللاتينية، الشام، المغرب العربي، أو غيرهم. لكن لا يمكن لنا إطلاق القول على عواهنه، بأن رواة العالم عجزوا عن ضخ المزيد من المدد في شرايين الرواية.
في اليوم الأخير لمعرض البحرين الدولي السادس عشر للكتاب في الفترة من 27 مارس لغاية 6 ابريل 2014، تجولت بذات الذهنية السابقة داخل فناء قاعة العرض الضخمة بغير هدى وبصيرة، ريثما أظفر ببعض الكتب وقد كان. ولكن ما لفت نظري ناشر سوري في فورة الشباب أغراني بشراء بعض الكتب لكتاب عدة خاصة للقاص أمير تاج السر، وصراحة لم أقف على عرضه كثيراً. فالشيء الذي أثار انتباهي جادلني الشاب على حجة بيضاء في درب الحرف، وكاد أن يقنعني لو لا ذاك المس الذي يلازمني دوماً. دخلنا في نقاش عميق حول نوعية الرواية التي يجب أن تقرأ، وكان مصيباً في الكثير من طرحه العقلاني حينما قال لي: بان الكتاب الذي يحتفل بدنيوات التابو ليس بذي نفع وفائدة، وإن كان مغرياً في أسلوبه ودسامة بلاغته ومفرداته وفكرته وحبكته وغيرها مما يشد في فن الرواية والقصة عموماً. وأظنه كان محقاً بقدر كبير في افتراضه الواقعي الذي يعيشه بحكم عمله، حيث يميل إلى الرواية المثالية التي تحكي بعمق وليس بإسفاف وتفاصيل لزجة تقود القارئ كأعمى بصيرة إلى متاهته، وفي نفس الوقت تقول له بأدب المنشور السياسي ومرئيات مكاتب العلاقات العامة بان حروفنا هي الدليل والحياة التي يجب أن تعيشها وتحياها في فراديسنا. 
لسنا هنا بصدد الحديث حول تلك الروايات التي أشحنا عنها وجهنا، وأدرناه صوب نوعية معينة، بقدر ما هي إشارة تزيح بعض اللبس الذي يلازمنا كقراء في طريقة فك شفرات الأدب الذي يسمو بالإنسان، ويؤدي رسالته بطرائق مهذبة وراقية تحيلك إلى الغرض الأساسي منه دون من وأذى. وفي خضم افتقادنا لتلك النوعية التي نهملها في دروبنا ولا نلقى لها بالاً، نقول أيضاً فوق ذلك لا نجد أحياناً أدنى اهتمام يذكر بالمواسم الثقافية، والتي تصاحبها مسابقات تخص الجنس الأدبي، وعلى وجه الخصوص الرواية، والتي تعتبر واحدة من الميادين والمنصات التي تشهر لنا المواليد الجدد، ليس كى نحتفي بهم ونعظمهم، بل هي فرصة طيبة لمعرفة كتاب جدد برؤية مختلفة عن السائد، أو على الأقل مثل مجايليهم أو أسلافهم، ولكن بأسلوب جديد في طرائق الحكي. ولعل الموضوع الجديد في الرواية محل وقفة وتدبر وقراءة جديرة بالمراجعة، حتى لا نفقد مثل هؤلاء الذين يصعدون بأنفاس بعيدة عن سطوة زبد الايدولوجيا، والزيف العرقي، والطائفي المنثور في الكثير. وهذا ما يثير اللغط والجدال حوله باعتبار أن قوى الاستنارة دائماً ما تركز في قراءتها حول موضوعية وموضوعات الحكي وتوابله الحارقة، وليس طرائقه وجماليته وسمت أدبه، وما هو مرجو منه عموماً في المعالجة. وهذا واقع لا نشذ عنه في تناولنا للسياسة في بعدها الآخر المنطوي على ترسبات تاريخية، ومماحكات تحمل موجهات مرهونة لعصا السلطة، أو التيار المنافح لاسترداد أيقونة الديمقراطية من غلواء الشمولية وغيرها من التهاويم التي تنشر في فضاء النصوص، والتي تقيده وترهنه إلى واقع كأنه الصحيح والراشد لفض سر شفرتها، كما إنها بشريات تتعلق بالبيان السياسي الذي قفز إلى الساحة دون تشذيب وتهذيب حتى يرقى إلى مستوى الكائن الأدبي في سلاسته ونصاعة بيانه. 
على كل وبوضوح أقول وفي كلمات محددة، ثمة زمن فارق أغرقني في لجة أخرى وغادر بي إلى ضفة مغايرة مكتنزة بالمدهش من نسج الحروف.
أكثر من مدخل، وزجاجتان، ومساء شفيف:
[1]
مساء شفيف من أيام الغربة التي ما أنفك شجرها اليابس وشجنها الأليم وشبحها الكاشح يطاردنا بين الفينة والأخرى، دُست في يدي رواية خِلتها في وقتها ملغومة وتبحث عن رياح شتات، وورقة إشهار تطير بها من هنا فوق مياه الخليج إلى مدن أخرى ممتلئة بأفواج المعزين الذين فقدوا الوطن.
صبرت لسويعات فقط حتى حشرت كل جوانحي ومشاعري بين دفتي موضوعات مسخنة، وصارعت يومي كله وأنفقته لهاثاً على بساطها الحريري الناعم الملمس حتى أكملتها على مصارع الفجر.
ثمة قول ملح يدفعني الآن لأعلن عن فخر واعتزاز عن تواصل المسيرة التي بدأها شيخ الرواة الطيب صالح، والتي لن تنقطع طالما بين ظهرانينا كاتب وراوي مثل عبد المنعم حسن محمود، صاحب الفكرة المغايرة والأسلوب الشاعري الفريد والحكمة الساخرة، رغم إني ليس بالناقد الفني، ولا أزعم امتلاكي لناصية النقد، فقط أردت أن أنقل تذوقي وخبرتي المتواضعة من خلال شغفي بالقراءة.
كاتب عبر بنا إلى زمن حاضر ومتخم خروجاً عن دائرة التقليدية، والتي ما برحت صريعة الحنين والأشواق، وليدة فخ التاريخ المعطوب والأسلوب الواحد والموضوع الواحد. 
[2]
من خلال هذه العتبة التي بين قوسين- (زجاجتان وعنق واحد)- يتناسل التجريد والتفخيخ، وينفتح بوعي مستند على أمشاج فلسفية، ورؤى منطقية في كامل بهائها المضطرد، وتلاقحها مع المعرفي في الإتيان بفكرة ربما تكون مغالية لأصحاب النظرة المسطحة والبسيطة، والتي لا تبالي للتحولات التاريخية الماثلة خاصة إذا نظرنا إليها بعمق نجد أنها حبيسة مفازات تليدة.
لعل الرواية– الفائزة بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي للدورة التاسعة 2010-2011م مناصفة عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي- برمتها ومضامينها ورمزيتها وواقعيتها وسحرها الأخاذ نثرت عبيرها وما يكفي عن ظاهرة نبتت من نتاج تحولات عميقة جرت في المجتمع على مختلف الحقب التاريخية والأنظمة التي تسنمت كرسي السلطة.
كما إنها أرادت الكل وطمحت إليه ونالت منه الجزء، وأرادت الجزء ونالت الكل. كل ذلك عبر ثنائيات فريدة مستقصية عوالم التسول والتشرد من خلال الفعل السياسي العضير، والتي لا تشبه ولا تمت بصلة لتاريخها المعروف ويتصدر هذا المعنى في الإهداء: [إلى من تشرد وتسول في هذا البلد بفعل فاعل].
كما نلمس أثر ذلك في الشخوص؛ كاسح وغالب ومغلوب (الراوي) في مستويات تسول مختلفة، والراوي يؤكد ذلك بقوله: [تعددت وظائفنا أنا وكاسح وغالب في الشوارع واختلفت].
تكمن جدلية الرواية في فخ عنوانها الملتبس على عدة تأويلات ومقاربات متباينة، والناظر إليه يجد المشقة في فك خيوطه من الوهلة الأولى، وهنا يبدأ الترميز في صعوده حتى نهاية أخر سطر من المتن الحافل بالكثير من سحر الكلمات والعبارات ونصاعة الأفكار التي تموج بالحراك. ورفد الكاتب متن الرواية من خلال حسه الاجتماعي ونظرته الايجابية في تحليل ضافي للأوضاع الاجتماعية ومظاهر الاختلال الذي فاقم من المثالب والظواهر في المجتمع وتنزلها على أرض الواقع كمسلمات جاءت نتاج الفعل السياسي الأرعن بتداعياته غير الخلاقة.
[تخرج في بعض الأحايين إشاعات هنا وهناك من الذين يعرفوننا في المدينة، يهمسون بأن غالب غالباً ما يتجول في الشوارع والأزقة وعيناه لا تفارقان الأرض، هل امتهن ممارسة الانحناء؟، ينحني كل يوم ليلتقط ما يسقط من جيوب الناس سهواً]. 
[3]
تقوم الرواية بفضح تلك العوالم المشحونة بالتقيح، الفاقة، والحرمان من خلال شخوصها، محيلة الأمر كله إلى السلطة السياسية في لغة سردية بليغة وأسلوب مشحون بالمفردات الأنيقة، والعبارات الفلسفية، كأنها تلتمس الطريق في الوصول إلى الفاعل في تصاعد متناغم فريد لا يدخل القارئ في صراع مع الكائن السياسي، وهنا تبين عبقرية الكاتب وذهنيته المتواضعة في عدم استخدام أدوات الصراخ العالي:
 [عليك أن تتذكر دائماً، لِمَ أطلق عليك والدك اسم (مغلوب)، رغم أنه هو نفسه اسمه (رابح)! لا تنسى هذا الاسم حتى تجعل من نفسك غالبا!، ويجب عليك أن توظفه كدافع لجمع أكبر قدر ممكن من المال. المال وحده هو الذي سيخلق لك قيمة بين البشر يا بشر..، أتسمعني؟].
وبدلاً عن ذلك تماهى مع شخوصه إلى حد التقمص الكامل حتى خلت المشاهد من سيطرة وحش التابو السياسي، وقد يلاحظ البعض تواتر الأحداث في تسلسل غير معتاد لا يتعارض مع ما يرمي إليه في أقصوصته.
[للمرة المليون أحذرك أيها المغلوب.. لا تلعن جهراً أو سراً أيّ ظرف كان، تقبل الأمر كما هو عليه حامداً وشاكراً، نعم.. على الأقل على هذه الصحة التي تتمتع بها، ولا دخل لك من قريب أو بعيد بانجازات الدولة الفتية.. لماذا لا تكون مهذباً عفيف اللسان مثلي..].
هي محاولة اكتفاء لقول محايد، دون الحاجة لدعم مفرط يرهق الذهنية المتطرفة ويرهقنا كالعادة كما يحدث في الكثير من النقاشات حول التجارب السابقة المؤسسة على وعي سابق، دون محاولة سبر أغوار النص وتحليله، وهى ماضية ومستلبة لرهانها أحياناً على التابو والأسماء اللامعة بأسنة رصاص البعض.
في الأصل ومبتدأ الرواية تأتي الأحداث في تناسق مستقيم وتسلسل دائري كما جريان النهر سيان، ذلك سواء في عنفوانه أو انخفاضه الأسفل عبر فصولها الست:
[حافة الهاوية/ شرق الخزان/ مماسٌ لـ لا الناهية/ أسوار/ في باطن الأرض/ غدد ونوافذ].
بل حتى داخل الفصل الواحد يجد المتابع لمستويات السرد أن الحوار ينتقل من مشهد لآخر كحال التنور في فورانه، أو مياه النهر في تدافع موجاته وحراك شيماته لا يقف على حال معين، وهكذا دواليك يستمر الإيقاع في صعود وهبوط دون إرباك في توالي مستقيم تارة وتارة أخرى في شكل دائري.
تأخذنا الرواية على مهل في براحات مختلفة ومتقاربة في ذات الوقت بتوالي بديع ما بين حقائق الأزمة الوطنية الضاربة بعمق في هتك النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ومتلازمات الحنين والشوق في تيارها الصاعد خاصة حينما تدور الرواية في فلك تشظيها ما بين المدينة والريف في ثنائيتها الموسومة بها:
[جاءت لحظات الوداع مريرة وحزينة كأنه الوداع الأخير. رفض أبي أن يكون حاضراً خلال طقوس الوداع، كما رفض عمي فكرة الذهاب إليه في عقر داره]. 
[4]
تجري أحداث الرواية على وتيرة الوحدة الثنائية وكأنها تستلهم الأنفاس الصوفية الحالمة التي تتنفسها هنا وهناك في أجواء البلاد، وهي مسحة إيمانية عميقة وإشراق تصوف متعالي يشير إلى مكامن الخيبة الوطنية التي غشت البلاد منذ أزمنة بعيدة ولا تزال في ورطتها من خلال ثلاثة أجيال تمددت في حياتها عبر ثلاثة حقب زمنية منذ بدء الحكم الوطني الفاشل والقابع في دوامة الإحباط ولعل استشرافها لغاياته تمثل في ثلاثية الأبطال؛ كاسح ومغلوب وغالب كشخوص رئيسة دار حولها المتن. 
[صوب فوهة بندقيته في وجهي:
- وين يا زول ماش.. أنت ما عارف إنو في حظر تجول..! وين بطاقتك الشخصية.. 
لزمتُ الصمت أمام هذا المتهافت، وكدت أجلس على الأرض لولا سؤاله المباغت:
- اسمك 
- مغلوب يا سعادتك..
كاد أن يرمي بندقيته ليتفرغ لضحكٍ صاخب..
- ومن متين أنت مغلوب يا مغلوب؟ 
بالرغم من الخوف الذي اجتاحني، إلا أن سخريته راقت لي.. رغبت في مجاراته:
- كلنا من شجرة مغلوبة على أمرها.. 
جدي مغلوب من سنة 58 
وأبوي من سنة 69 
وأنا زي ما أنت شايف مغلوب من سنة 89].
والثنائية تسترسل في رؤاها ونبضها بدءً من عنوان الرواية ومروراً بدلالة الأسماء غالب ومغلوب، والممعنة في الهزيمة والنصر كقيم متضادة.
[5]
وهكذا تتوالي الأحداث فيها إلى أخر شوط من أنفاسها التي لا تزال تمضي فيما وراء سلطة الوعي والزمان والمكان.
تتعمق الرواية في التفاصيل بيقين الحذر وزهد الضجيج، ونلحظه في حالة انقطاع التيار الكهربائي كثيمة ملازمة للفتور الوطني في أقصى تجلياته على مستوى الخدمة المقدمة للمواطن. حين نجد أن المهندس يرجع حالة انقطاع الكهرباء لأسباب فنية كذلك الراوي (مغلوب) لا يذكر أسم جده لأسباب فنية. كذلك محاولة شخصية مغلوب العيش في حياتين. 
والثنائية حتى في إنجاب جده لأمه (خالدة) كتوأم لخاله (عبد الحميد)، والتي هي محصلة لاحقة لعدد 20 أنثى توائم خرجن  بِخُفَيْ حُنَيْن من ظلمة الرحم إلى ظلمة القبر.
[6]
الحوار أيضاً يدور ثنائياً ما بين الواقع والخيال في تداخل منساب لا يعوقه شيء، والذي خلق الكاتب منه وقائع مختلفة، ومن ثم الإتيان بفكرة مسرح الشارع واستغلالها الأمثل في الموقف الدرامي لصالح عملية التسول والتي تعتبر العمود الفقري للبناء الروائي ومحور كل سردها وفكرتها الأساسية وصولاً لغايات أخرى أرادها الكاتب كقيمة من النص، وتمحور ذلك في مشهد توظيف عادة الختان في حوار على قارعة الطريق لاستغلال المثقفين لجني المال. 
الرواية تستدعي الكثير من التاريخ وأعمقه استدعاء التاريخ السياسي عبر الجد عبد الغفور المثقف أحد شخوص الرواية، شقيق جد الراوي (مغلوب) من ناحية أمه.
وأيضاً بانت قدرة الراوي في استدعاء الماضي وتنصيبه كرؤى وأحلام، دون تصادم يمس متن الرواية، وتلفت يربك المشهد برمته حتى حقب التاريخ تتداخل فيما بينها رغم بعد المسافات الزمنية، حين يستدعي الراوي قصة الجد الكبير، وفجأة يقفز إلى ماضي أبيه (رابح) دون إخلال بتدفق المشاهد على ذاكرته، مشبهاً أباه حبيس الجماعة في لغة رفيعة وسلسة: [لا يشذ أبداً عن سلم موسيقاه الخماسي].
ويمضي الكاتب لأبعاد أخرى ذات نسق اجتماعية، حيث قاد الصراع بين الجدين الكبار.. جده لأمه وجده الآخر عبد الغفور والذي انتهى بقتل الأخير إثر عراك حول الجدة التي انتحرت مؤخراً بعد ولادة أمه (خالدة) وخاله عبد الحميد بعد أن تسربت ذكرى العشيق عبد الغفور إلى مسامها كموت بطيء ومخزي في ظل أزمنة رتيبة:
وتلحظه في العبارة؛ [يحين أوان التفريغ ولا تتألم، تضع أطفالها بيسر كمن يسدد ديناً قديماً يجب عليه تسديده].. 
وهنا انتقاد للزواج غير المتكافئ وقتل قيمة الحب والوأد المستمر للأنثى.
قدم الكاتب بذكاء متقد أوصافاً لكل شخوصه، وقصد أن تكون متفرقة كحال وصف الأزمة السياسية في تماهيها وتمددها، حيث تفرق الوصف داخل النص من خلال السرد.
[كان يأكل بشراهة وكأنه منبثق من جهنم مصغرة، يمزق عبر أسوار ظلمته كل ما يقع في يده، يستلقي على فراشه بذات الطريقة التي يلتهم بها الأشياء، لا يرهقه ذهنه ولا يفتقده، لم يذق نعيم التيار الكهربائي في حياته، راهن على رغبته في جدتي كآلة مبرمجة وفق تقنية عالية الدقة].
في منحى آخر، استطاع الكاتب توظيف الرمز في بعده الأسطوري كجنس أدبي بصورة مثلي، دون استغراق أو تكثيف لمضامينه، تماشياً مع الفلسفة التي استندت عليها الرواية في أسلوبها، وكذلك دون أن يخدش سياق الحوار أو يخل به، حيث سار بأسطورة سيزيف سيراً حفيفاً في مناحٍ عدة تلاقت في مقاربات لعبثية الأوضاع التي عاشت فيها شخوص الرواية حياتها. 
كذلك استدعاء الرمز في بعده التاريخي والأدبي، وتجلى في العبارة؛ (وأنا انتعل خُفي حُنين).
تتكاثف الرمزية وتتصاعد في نهاية الحكي في كائنات وأشياء مختلفة؛ النخلة والديك والحذاء وقميص الراوي الذي استعاره منه (كاسح) ابن عمه فضل المولى دون أذن منه في آخر يوم فارقه فيه.
[7 ]
سبق الإشارة إلى خلو الرواية من التابو، وهنا يغيب الجنس، وإن بدأ ظاهراً في مواقف قليلة جداً، ونادرة تكاد أن تكون، وقد بان ذلك في الموقف الذي جمع الموظف والموظفة في مكتب عام وكانت أشارة عرضية.
كما أن العلاقات الغرامية، والتي تتأسس عليها الكثير من الروايات لم تكن محل ترحيب عند الكاتب، وإن جاء حضور الأنثى (غفران) ابنة الجيران عابرة حيث دخلت حياة الشقيقين (غالب ومغلوب) وهى محاولة ملتبسة لإعادة التاريخ وتكراره في حالتي جديهما الكبيران (الجد غير المعروف باسم وشقيقه عبد الغفور): وهنا نعود إلى الثنائية في أرفع صعود زمني متأخر لها. 
ولقد استخدام الكاتب ومضة الإشارة الصغيرة المكثفة الإضاءة من خلال الرسائل البلاغية التي تشبه الشعر في فضاء الرواية والتي أضافت لها دون أن تكون خصم عليها كحالة إشتباك إبداعي، مثل: [عليك أن تتركي في حواسك حاسة شاغرة لحلم مقبل].
والتي خطها الجد عبد الغفور للجدة المنتحرة في ورقة بيضاء ودسها بين أوراق مجلة إذاعة أم درمان كوعاء تعبير ثقافي لأحوال تلك الأزمنة الوطنية الأولى.
غاص الكاتب في عميق جغرافية الأمكنة بدءً من منطقة الدندر الفضاء الاجتماعي الأوسع للرواية، انتقالا للعاصمة الخرطوم الفضاء الأكثر اشتغالا بالحركة السياسية والتي كان نتاجها الحالة الاجتماعية المأزومة. وما بين الفضائين برزت أمكنة كثيرة؛ الميناء البري/ جامعة سنار/ أم درمان، وغيرها من الأماكن. وغاب المكان الأكثر ضرورة كعادة متبعة في حضوره عند الكثير من الكتاب تلازماً مع واقع الحال، واختفى أثر المسجد والحانة كثنائية متضادة بفعل الخلق الإبداعي الذي سار بنا في مسارات أخرى جديدة.
انبري الكاتب في نقد مبطن وبحس فني متعاظم للكثير من نتائج الفساد الكبير خاصة في نقده للنفايات المتراكمة كجبال في كل منحني ومنعطف، وكذلك الخدمة الإلزامية والتي دار حولها نقاش جريء في المجالس الشعبية، وفي الطرقات في فترة من فترات حماس وهيجان الهتاف السلطوي للزمان الحالي.
كما قدم نقده المبطن لكتاب السلطة، وأدعياء المعرفة والمثقافتية وسلطة الأولجاركية الثيوقراطية والطائفية والشمولية القابضة على مفاصل الخدمة المدنية، ولعل كلمة (نعم) شفرة الأب رابح وابنه (غالب) تأتي تحاشياً للمشاكل التي قد يقعون فيها والتي ستؤدي بهما إلى ما وراء الشمس.. وجاءت (نعم) كتميمة يعلقها أثرياء الكوارث والمحن أينما ساروا على غير هدى وبصيرة وطنية.
- [لهذا المدير يا قريبي معاينات لزجة.. صدقني!.. 
لا تدخل عليه هكذا..، عد إلى المنزل، وأعط أخاك (مغلوب) العاطل عن أية موهبة حذاءه، وأنتعل حذاءً آخر على أن يكون رياضيا حتى لا تنزلق على أرضية الأسئلة من نوع:
ما هي الفعالية الثقافية التي أقيمت ليلة البارحة أيها الخريج القديم؟ 
ألديك فكرة عما حدث، أو سيحدث].
كذلك لم يغفل الراوي أن يقدم نقده الواعي لتداعي الحالة الاقتصادية والتي جعلت بعض الدول الصناعية بالتعاون مع الرأسمالية الانتهازية في خلق بضاعة ضعيفة الصنعة وتسويقها باعتبارها رخيصة الثمن وفي متناول يد الجميع بدون رهق يثقل كاهل المواطن تقديراً لظروفه، وهذا رمز له في المتن بمحلات البضائع بشارع الحرية.
الكاتب أراد أن يعري سلطة الفساد ويشنقها على الملأ بطريقته الرزينة، وبذلك ينسف أحجار السدود حجراً حجراً طالما حبست ماء المطر عن الناس وأفسدته حتى يفتح مسام جلد البلد للتنفس في الهواء الطلق. ومع انشغاله بالكثير أنتبه الكاتب في لحظة زمنية فارقة لهزيمة مشروع الحزب ممثلاً في عضوه السابق (مغلوب) ووظفه الراوي في الحوار العابر الذي مر عن الهجرة والغربة في لقائه بشخصية (نور الدين) زميل الجامعة والحزب.
حجم الغلب الوطني تمدد وانعكس على محاور الرواية في سياق تاريخي لأزمنة الجد والأب والابن الذين ولغوا بين براثن الهزيمة في ثنائية زمنية امتدت خلال ثلاث خيبات كبرى ورطت البلد في جذام الحال الماثل.
[8 ]
كأن الرواية تستقرا وتستشف حاضر ما يكون حينما تناولت مشهد (غالب) وهو أمام الموظفة حين نادته بصفته الأستاذ، ومنحته درجة الأستاذية بلا جهد من خلال عبارة بليغة ونبوة صادقة لمالآت الحكم الشمولي: 
[ودرجة الأستاذية التي بسببها كادت محاكم التفتيش أن تطلق إحداهنّ من زوجها لو لا نعمة الهروب خارج البلاد].
والتي تحققت في الراهن المعاصر قبل فترة قليلة لم تتعد الأشهر في حادثة المسيحية الشهيرة مريم. وربما أراد الراوي من تقيوء (غالب) على طاولة الموظفة المسئولة عن ملف تقديم الهجرة من خلال مكتب تعمل فيه ضمن عدد من الموظفين أن يقول لنا: (إن الأوضاع العامة للبلد مقرفة لهذه الدرجة من الغثيان في ظل التفكك والانحلال القيمي الذي هتك ستر النسيج المجتمعي ومؤسسات الدولة).
ورواية كهذه من يمنع عن حقلها حق التثاؤب! كسنبلة مخضرة على حقولنا الوطنية الخصبة للإنجاب المعرفي. 
على كل حال ترك الراوي الباب موارباً لأسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة، بالقطع ليست بمهمته وإنما هي مهمة الآخر.. واعني به القارئ الجيد، ولعل الكاتب يهنأ في توهانه في شعاب أخرى، ودروب نصوص أخرى حافلة بالكثير، وهذا قدره النبيل زرقاء يمامة ترى الخرابٌ الذي يُبصّره الأعمى بذات الرؤية وحدة ودقة الرصد.
ويبقى المبدع عبد المنعم حسن محمود راوي مختلف وخارج عن إطار المألوف، أفلح بكل جوارحه في الإجابة بحبكة وتداعي سلس عما حدث ويحدث في الوطن المنكوب الوالغ في العسف السياسي والاقتصادي والذي يترنح نحو سواحل المجهول.
نعم.. ببساطة إذا صح القول، إستطاع الراوي أن يمسك بأنفاسنا ويشد لجامها برحمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ناصر البهدير
مدير عام سابق
ناصر البهدير


عدد المساهمات : 3674
نقطة : 16598
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
العمر : 55
الموقع : البحرين

قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد)   قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد) Emptyالإثنين 29 سبتمبر 2014, 8:10 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في رواية (زجاجتان وعنق واحد)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مقطع من رواية (فوضى الحواس) - احلام مستغانمى
» قصص .. عبد العزيز بركة ساكن
» وجه الغياب في رواية: (إيقاع العودة)
» لا تفوّت قراءة هذا البوست لأهميته الصحية ( منقول )
» مقتطفات من رواية نسيان احلام مستغانمى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مصنع سكر حلفا الجديدة  :: المنتديات الادبية :: الحكايات والخواطر-
انتقل الى: