محمد إبراهيم فقيرى)..عمنا فقيرى من أهالى القرية10 إسكان (عرب القراريش)من الرعيل الأول الذين قامت على أكتافهم صناعة السكر ومازال خريجو مدارسهم الشامخة يواصلون العطاء وينقلون تلك الخبرات التى تطورت بحكم تطور علم الميكانيكا والتطور الحتمى للقوة العاملة.جاء عم فقيرى من مصنع كرتون أروما بعد تصفيته ،جاء جاهزاً ميكانيكياً من طراز فريد..هو وعمنا أبو عنيبة كانوا ملوك العمرة وهى عملية إعادة تأهيل محركات الجرارات(الماكينات)..عم فقيرى رجل قصير القامة قلق جداً لايعرف السكون..تراه فى حركة دائمة..يحب عمله حد الوله..يتعامل مع الماكينات كأنه يتعامل مع أطفال صغار..عملت معه فى قسم العمرة فى بداية الثمانينات من القرن الماضى..وأنا أخطو أولى خطواتى فى مجال العمل التطبيقى الحى ..تم تعيينى م.فنى هندسة ميكانيكية بقسم الجرارات..وأذكر أن المهندس المسئول من قسم الجرارات ذلك الوقت هو الأخ محمد عوض الله يوسف..الذى قال لى سألحقك بأحسن قسم تجد فيه الخبرة وأخذنى من يدى وسلمنى للعم إبراهيم فقيرى بقسم العمرة..له التحية الحبيب ودعوض الله أحد ضحايا الصالح العام وخسره السكر كما خسر غيره كُثر فى كل الأقسام بسبب ذلك التمكين..ماعلينا..
ظللت أعمل مع هذا الرجل الرقم والمدهش وهو معلم بمعنى الكلمة لايبخل بمعلومة وأتاح لى الفرصة منذ البداية وتخطيت حاجز الخوف فى زمن قياسى بفضل هذا الرجل..كان يقوم بإستلام الجرار الصباح ونبدأ بعملية تفكيك الماكنة بعد فصلها من الجرار ووضعها على حوامل خاصة وتتم عملية التفكيك كاملة قبل حصة الفطور ..بعد الفطور يقوم بتحديد الأجزاء التالفة ونقوم بصرفها من المخزن وتبدأ عملية التجميع (العمرة) وهى عملية سلسة وممتعة وغاية فى الدقة مع رجل كالمعلم فقيرى وفى نفس اليوم تتم عملية التركيب الكامل وربط المحرك بجسم الجرار ويكون جاهزاً للتجربة صباح اليوم التالى
لم يحدث طيلة الفترة التى قضيتها معه بقسم العمرة أن تأخر فى إنجاز عمله بهذه السرعة الكبيرة والإتقان العالى إلا لأسباب خارجة عن إرادته مثل عدم توفر الإسبير وهذا كان نادر الحدوث ذلك الزمان إذ كانت كل المعينات متوفرة بالمخازن..
هذا الرجل الإستثنائى رحمه الله وغفر له كان يتمتع بخبرة خاصة فى ماكينات الجرارات (الفورد والماسى فيرجسون) خبرة مدهشة جداً كان يحفظ عن ظهر قلب كل المسامير والوِرَد ومكانها فى الماكينة حتى لو كان مغمض العينين فقط بالتحسس بالأنامل يعرف ماهو هذا المسمار وأين يوضع فى الماكينة وأعتقد هذه موهبة وهبة من الله صقلتها التجارب ..
كان فكاهياً ومرحاً ويحب السرعة فى كل شيئ وكان عم ترير صديقه الوفى هو وأبوعنيبة وكان عم ترير إمام الورشة وعكس عم فقيرى رجل هادئ ووقور وكان يأخذ عم فقيرى بيده لأداء صلاة الظهر والعصر وكان يتعمد أن يذهب للمصلى متأخراً حتى قرب الإقامة بقليل لمعرفته بقلق صديقه فقيرى وفى مرة وقام الناس للصلاة وكان عم ترير فى أول الصف الأول يساوى الناس مؤشراً بيده وعم فقيرى فى منتصف الصف فإذا بالعم فقيرى يتقدم نصف خطوة للأمام مخاطباً عم ترير: ياحاج إنت عاوز ترفع كورنر ولاتصلى بينا..وضحك المصلون وتبسم عم ترير وتوجه لموقعه مباشرة لأداء الصلاة..كان محبوبا من الجميع مسئولين وعاملين الكل يناكفه ويضحك معه ...الا رحمهم الله كانوا معلمين بحق وأدوا رسالتهم نحو وطنهم ونقلوا خبراتهم بكل أريحية قلما توجد فى زماننا هذا.
(إبنه الوحيد أبراهيم فقيرى مازال يعمل بقسم الجرارات رئيس وردية بالعمليات الخارجية/ الحصاد..له التحية..ونواصل..