مختـصر مما قـرأته للــكاتب أبو عبد
الملك العٌمري من صيد الفوائد بعنوان وجاء الضيف الكريم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
وسلم ...........
ها قد جائكم ضيف كريم يطرق باب القلوب والجوارح من جديد ليعلقها برب
البرّيات ويزهدها في الدنيا وما فيها من شهوات
ضيف جاء ومعه من الماء النقي ليغسل الأوزار والمعاصي والذنوب التي بها
فسدت الجوارح وقتلت القلوب
ضيف من تركه بدون تكريم ولا حسن ضيافه خسر وخاب وندم وظل في غياهب
الظلم والظلمات
ومن أحسن لقائه فلح وأدرك النجاح وسار علي درب الصالحين واشعل نوراً في
قلبه
هذا الضيف هو رمضان
أتى رمضان مزرعة العباد ... لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا ... وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها ... تأوه نادما يوم الحصاد
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة يا من دامت خسارته قد
أقبلت أيام التجارة الرابحة من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح
من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح
كم ينادي حي على الفلاح وأنت خاسر كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد
مثابر.
إذا رمضان أتى مقبلا ... فاقبل فبالخير يستقبل
لعلك تخطئه قابلا ... و تأتي بعذر فلا يقبل
كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر كم
من مستقبل يوما لا يستكمله ومؤمل غدا لا يدركه إنكم لو أبصرتم الأجل
ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره
اين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان ليلهم قيام ونهارهم
صيام
باع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون
بالأطعمة وغيرها فسألتهم فقالوا نتهيأ لصيام رمضان فقالت: وأنتم لا
تصومون إلا رمضان لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ردوني عليهم.
وباع الحسن بن صالح جارية له فلما انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل
الدار الصلاة الصلاة قالوا: طلع الفجر؟ قالت: أنتم لا تصلون إلا
المكتوبة ثم جاءت الحسن فقالت: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا
المكتوبة ردني ردني
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ... حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ... فلا تصيره أيضا شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا ... فإنه شهر تسبيح وقرآن
فاحمل على جسد ترجو النجاة له ... فسوف تضرم أجساد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف ... من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم ... حيا فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطعها ... فأصبحت في غد أثواب أكفان
حتى يعمر الإنسان مسكنه ... مصير مسكنه قبر لإنسان
فإن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم نصف الصبر" خرجه
الترمذي.
و الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله وصبر عن محارم الله وصبر على
أقدار الله المؤلمة
و تجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبرا على طاعة الله وصبرا عما حرم
الله على الصائم من الشهوات وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع
والعطش وضعف النفس والبدن وهذا الألم الناشىء من أعمال الطاعات يثاب
عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ
اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل منا الأعمال وأن تكون خالصه له
وحده سبحانه دون غيره أنه ولي ذالك والقادر عليه