ريحت البقاس ... وصوت الترلات .. وبعض من مواء البقر التي يحدوها عم جعفر الراعي .. وكثير من أصوات الوداع..
تلك هي آخر ملامح غادرت معي ونحن نشد الرحال إلى مصنع سكر الجنيد ...
بالرغم من حداثة سني حينها إلا أنني كنت أشعر بطعم الفراق المالح وفي ذهني أنني لن أرى أو أتحدث مع أصدقائي (طارق وغزالي وياسر).. وأنا المح آخر ركام لورشة صغيرة كنا نصنّع أو نشاهد أخواننا الكبار يصنعون تركترات من علب اللبن الفارغة فكثيراً ما كانوا يصطحبوننا معهم في رحلتهم الطويلة إلى محطة جوبا. وجوبا هذه تعد من الرحلات الأسبوعية الشاقة التي نمضي فيها من خمسين بيت إلى ما وراء مطار حلفا حيث يجلبون من هنالك الأسلاك والجوالين لصناعة مزيد من التركترات.
(يسر آل عباس محمد سليمان دعوتكم لتناول طعام الغداء بمناسبة ختان نجلهم ضياء الدين عباس)
كانت تلك دعوة تمت طباعتها على كروت من النوع الراقي حينها (ورق مقوى أصفر وسماوي).. لازلت أحتفظ بنسخ منها منذ ذلك الوقت.
كل هذه الذكريات كادت أن تتلاشى تماماً فقد غطى عليها الزمن بكثير من الأحداث... وأصدقكم القول بأني صرت لا أذكر تلك الأشياء إلا لماماً، كم كانت الأيام قاسية تلك التي جعلت من حلفا الجديدة مجرد ذكرى تتوارى خجلاً أمام عمري المتناقص ولم تترك منعا سوى سوى أثر لجرح قديم على أصبع يدي اليمنى الصغير الذي جلفته زجاجة وأنا أدفع بـ (طوبة مغطاة بالطين على شكل عربة) في ظل حائط منزلنا المطل على الشارع.
وأنا اسرد في هذه الذكريات المتفرقة والتي ربما لا تهم سوى كاتبها... أتوجه بفائق الشكر بشكل خاص للأخ الأكبر ناصر بوصفة هو من جمعني بمن أحب وأرضى.. وبشكل عام لا يقل خصوصية عن سابقة للأخوة الذي طوقوني بحفاوتهم في قروب مصنع سكر حلفا على الفيس بوك (حسام - أمين - عياد - صلاح حسن - يعقوب الحلفاوي - اسامة آل جبارة ) ..(نفسي القاك واكون بعضي من كلك أو كلي من بعضك بدن ... عايز القاك واوحد دايرة الدم المقسمة بيني بينك والسحن) ...ليظل بيننا التواصل.