ناصر البهدير مدير عام سابق
عدد المساهمات : 3674 نقطة : 16604 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 55 الموقع : البحرين
| موضوع: الروائي الذي تنبأ بانتفاضة مصر الجمعة 04 فبراير 2011, 9:34 pm | |
| الروائي الذي تنبأ بانتفاضة مصرر عبد الرحمن الراشد الاثنيـن 27 صفـر 1432 هـ 31 يناير 2011 العدد 11752 – الشرق الاوسطمحمد سلماوي ليس فقط رئيس اتحاد كتاب مصر، وروائي، وكاتب صحافي، وكاتب مسرحي، فهو أيضا أكثر شخص تنبأ بما يحدث اليوم في مصر في رواية سياسية غرامية ألفها قبل ثلاثة أشهر. اتصلت به البارحة في القاهرة بدافع الفضول، ومن أجل تحيته على هذا الاستشراف المستقبلي الفني المتميز. قال لي إنه عاد لتوه من ميدان التحرير حيث كان مع جموع المتظاهرين، سألته كيف شعرت وأنت ترى شخوص روايتك أمامك؟ أجاب: كأنني أشاهد «أجنحة الفراشة» تمثل على المسرح. «أجنحة الفراشة»، هي روايته التي تتحدث عن التغيير عبر قوة غير تقليدية، ليست الأحزاب ولا الجيش بل من خلال جماهير لها أدواتها المختلفة في تغيير الوضع السياسي. الشباب الرقميون الذين يعيشون عالمهم، ويتواصلون فيما بينهم، ويبدأون عصيانا واسعا على سلطة في حالة طلاق منها. السلطة الرسمية - لأنها تقليدية التفكير - فورا اعتبرت العصيان مؤامرة مدبرة من المعارضة، فقبضت على قياداتها، وتتدحرج كرة الثلج حيث بقيت المعارضة الحقيقية حرة تدير المعركة، ثم ينخرط الموظفون في العصيان المدني أيضا، وتضطرب حال الأمة إلى درجة يستنجد فيها البعض بتدخل الجيش لقمع المتظاهرين لكن الجيش يرفض، وتكون الشرطة قد فقدت سيطرتها والخاتمة معروفة. كل هذه الأحداث الهائلة تأتي عبر شخصيات حكاية زواج فاشل، والرمز هنا إلى معاني العلاقة الفاشلة واضح، حتى تنتهي العلاقة الوطنية والعلاقة الزوجية المفروضة إلى نهاية الطريق. ولو أن السلطات المصرية تقرأ الروايات بدل تقارير البوليس ربما ما وقعت فيما وقعت فيه اليوم، وصارت رهينة ميدان التحرير المكتظ بالتويتريين والفيسبوكيين الثائرين الذين لا تكفي السجون لاستيعابهم. سألته كيف قادك خيالك نحو هذه الحقيقة الدقيقة في تفاصيلها؟ قال الأستاذ سلماوي إن الكاتب الصحافي المعني بطبيعة الحدث لليوم الذي يعالجه يرى الشجرة في الغابة، أما الروائي فإنه يرى الغابة بأكملها، له نظرة بعيدة. بالتأكيد لم يتصور أن تتحقق نبوءته بهذه السرعة، وإلى حد كبير بهذه الدقة، لكن فيها التفسير المنطقي لزلزال اليوم. هذا هو الفارق بين المسترخي الجالس في مكتبه بعيدا عن العوالم الأخرى، والذي يعايش الواقع ويقدر على تأمله. لنتذكر أن الحكومة المصرية كانت مهددة قبل حكومة زين العابدين، وأزمتها مع الشارع سبقت غيرها في سلسلة احتقانات متكررة. وكانت القاصمة نهاية الانتخابات، المسرحية الهزلية. ولو كنا من المؤمنين بنظرية المؤامرة لقلنا إن هناك أحدا ما ورط السلطات بتلك النتائج التي صعقت الجميع، بما فيهم الموالين للنظام. إنما عمى البصيرة أعظم خطرا من الجهل، حالة عمى حقيقية في أروقة أصحاب القرار. كل التركيز والملاحقة مركز على فئة واحدة من الخصوم، في حين أن المتأمل في الواقع القائم كان يرى العاصفة آتية، وقد أتت بأسرع مما كلنا نظنه. والمفارقة في مسرح ميدان التحرير أن المتخيلين هم الواقعيون، والذين يملكون المخبرين ومراكز الدراسات وملايين الموظفين هم الذين يعيشون في عالم الخيال.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]اليوم السابع ينفرد بنشر فصل من رواية "أجنحة الفراشة" للكاتب الكبير محمد سلماوى قبل صدروها.. صلاح فضل: سلماوى يقدم سبيكة من الأدب الرفيع تتضمن عصارة ثقافية عالية فى التشكيل والموسيقى والحياة[/right][/b][/b] السبت، 8 يناير 2011 - 21:45 الكاتب الروائى محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتابينفرد اليوم السابع بنشر فصل من رواية الكاتب الكبير محمد سلماوى "أجنحة الفراشة" والتى سيشهد معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته القادمة انطلاق طبعتها الأولى، ويقول الدكتور صلاح فضل عن هذه الرواية أن سلماوى "يقدم سبيكة من الأدب الرفيع تتضمن عصارة ثقافية عالية فى فنون التشكيل والموسيقى والحياة مع اقتدار فذ على صناعة الرموز وتكثيف المشاعر وتتبع التحولات الانسانية والمجتمعية" وتتناول الرواية بعض الوقائع السياسية الحالة راصدة ما بالمجتمع من حراك سياسى وفكرى، كما تكتسى بالصبغة الإنسانية فى عرض تفاصيل الحياة لزوجة أحد أقطاب الحزب الحاكم، ما يشير إلى أنها ستكون محلا للعديد من النقاشات والجدل السياسى والأدبى، ويرصد "فضل" هذا الرصد الفنى قائلا "تتفاقم الاحتجاجات والمظاهرات، وكما كان الكاسيت هو أداة الثورة الإيرانية أيام الخمينى فإن الهواتف المحمولة وتجمعات الفيس بوك والنت تصبح أداة الثورة المصرية، تعلن الحكومة عن اكتشاف مؤامرة مدعومة من الخارج لقلب نظام الحكم وتقوم باعتقال جميع أقطاب المعارضة" وفيما يلى فصل من الرواية بعنوان "نافورة العشاق". كان الفندق الصغير يطل مباشرة على الـ «فونتانا دى تريفى» نافورة العشاق التى كان من يقذف فيها بعملة نقدية تتحقق أمنيته مهما كانت العملة صغيرة ومهما كانت الأمنية كبيرة. كانت أمنية ضحى منذ زمن أن تنزل فى هذا الفندق الذى لم يكن مثل فنادق الخمسة نجوم التى اعتادتها، خاصة فى رحلاتها مع زوجها، وكان من الصعوبة بمكان أن تجد غرفة خالية فى هذا الفندق الصغير الذى يأتيه السواح من جميع أنحاء العالم فى رحلتها الأخيرة مع زوجها إلى روما، أعطت ظهرها للنافورة وقذفت من وراء ظهرها بعملة فى الماء، نظر إليها زوجها فى دهشة، ضحكت وقالت له «تمنيت أن أنزل يوما ما فى هذا الفندق الصغير الملىء دائما عن آخره» قال «فى بعض الأحيان يخيل إلى أنك ما زلت فى سن المراهقة لم تبرحيه إن أردت أن تجدى غرفة فى الفندق فما عليك إلا أن تحجزى فيه مقدما». أرادت أن تقول له إنها لم تدخل سن المرهقة أصلا كى تبرحه، وأن بسببه حرمت من تلك السن التى تسمع أنها أجمل مراحل العمر حيث المرح والإقدام وغياب المسئولية، لكنها صمتت.. زالت الابتسامة من وجهها وقالت «إذن فلنحجز من الآن للعام القادم حين أجىء لصالون الربيع فى ميلانو» قال زوجها «هل تتصورين أنك ستنعمين بدقيقة نوم واحدة فى هذا الفندق؟ إن نوافذ الغرف كلها تطل على الميدان، والسواح لا يتوقفون طوال الليل عن زيارة النافورة واللهو حولها بضجيجهم الذى لا ينقطع» قالت له «أعرف كل ذلك ومن أجل هذا أريد أن أنزل بهذا الفندق الذى يشعرنى أننى نزيلة بالنافورة نفسها وليس بالفندق» قال «إنك لست فقط مراهقة أنت مجنونة أيضا» حكت كل ذلك لأشرف الزينى فى الطائرة بعد أن توثقت العلاقة بينهما خلال الرحلة، وأضافت «أنا لن أمضى فى روما إلا ثلاثة أيام سأطير بعدها إلى ميلانو لحضور صالون الأزياء، فلماذا لا أمضى هذه الأيام بعيدة عن الرسميات الخانقة التى لم أعد أطيقها؟» قال لها «معك حق أما أنا فقد أمضى فى روما أسبوعا كاملا؛ لدى اجتماعات مع أساتذة كلية الهندسة بجامعة روما حيث نعد اتفاقية لتبادل الأساتذة والطلاب بين جامعتينا بمجرد أن انتهى منها سأتوجه إلى پالرمو عاصمة صقلية لحضور المؤتمر السنوى لمنظمات المجتمع المدنى» «فى أى فندق تنزل بروما؟» سألته بعد لحظة تردد أخرج من حقيبته رسالة إلكترونية وقرأ لها اسم الفندق المدون بها قالت «ألا تعرف أين هو؟» قال «أنا لا أعرف روما، كما قلت لكِ، والزيارة كلها معدة لى، فأنا مدعو، وإلا لما وجدتنى معك هنا فى الدرجة الأولى على فكرة أريدك أن تدلينى على مطعم لطيف يمكننى أن أدعو فيه الليلة أحد أساتذة الجامعة هو وزوجته» قالت على الفور «اذهب إلى حى «تراستفرى» القديم الواقع على الضفة الغربية للنهر ستجد هناك أجمل مطاعم روما» قال لها «دلينى على مطعم محدد هناك» دلته على مطعمها المفضل قالت إنه فى شارع غاريبالدى، وأن تاريخه يعود إلى القرن الـ 17 حين كان مجرد حانة تقدم النبيذ والخبز للفلاحين الذين يأتون إلى روما لدفع الضرائب المستحقة على غلالهم وما إن خرجا من مطار روما حتى افترقا، ومضى كل منهما إلى حال سبيله لاحظت عند خروجها قبله وجود شخص فى انتظاره فى الخارج يحمل لافتة صغيرة عليها اسم «البروفيسور أشرف الزينى» تعجبت من أنها فى صباح اليوم ذاته لم يكن هذا الاسم يعنى لها أى شىء، وها هو صاحبه الآن رجل سعدت بمعرفته وتشعر أنه إنسان صادق كانت فى بداية الرحلة تنوى أن تتصل بزوجها من روما لتخبره بوصولها، وتشكو له من موظفيه الذين لم يلتزموا برغبتها فى إبقاء المقعد المجاور لها شاغرا ابتسمت وهى تتخيل الصدمة التى لابد سيصاب بها إذا عرف أن جارها كان أحد ألد أعداء الحزب، وأنهما لم يتوقفا عن الحديث طوال الرحلة دخلت إلى الفندق واتجهت مباشرة إلى موظف الاستقبال وقالت له «لقد حجزت غرفة عندكم منذ العام الماضى، ثم أكدت الحجز منذ أسبوع عن طريق الإنترنت» خشيت ألا تجد الغرفة، لكن كل شىء كان كما توقعت، والغرفة كانت فى انتظارها لابد أن العملة التى ألقتها فى العام الماضى فى النافورة أحدثت مفعولها. صعدت إلى غرفتها بالدور الثانى على السلم لم يكن هناك مصعد، وما إن دخلت الغرفة وفتحت النافذة المطلة على النافورة حتى امتلأت الغرفة بأصوات السواح وكأنهم قد صعدوا جميعا إلى غرفة نومها ارتمت على السرير وأخذت تضحك مما فعلت بنفسها، كيف ستبيت ليلتها هكذا وكأنها فى الميدان؟ بل كأنها داخل النافورة ذاتها؟ كان مشهد النافورة مختلفا تماما من نافذة غرفتها، فالناس جميعا يشاهدون التماثيل الرخامية المنحوتة على الحائط الخلفى للنافورة من منظور سفلى، أما المشهد الذى تبدى أمامها من النافذة، فكان مشهدا علويا أحست معه أنها تشاهد هذه النافورة الرائعة لأول مرة وجدت فى الغرفة منشورًا ملونًا عن الفندق والنافورة يقول إن الذى نحت تماثيلها هو المثال الشهير جيوسبى بانينى عام 1762 كان إله البحار المنحوت فى القبو الأوسط للنافورة عملاقا والمياه تتدفق من تحت قدميه، لكن من نافذة غرفتها كان وجهها على نفس مستوى وجهه أحست لوهلة بأنها فى حجمه وأنها مثله تملك القدرة على تطويع مسارات حياتها لتتدفق فى الاتجاه الذى تريده. كانت على موعد مع صديقة لها، هى زوجة أحد نواب البرلمان من معارف زوجها، كانا قد زارا مصر واتفقت الزوجتان على أن تلتقيا عند زيارة ضحى لروما ليتناولا العشاء معا قبل سفرها إلى ميلانو كان أول ما قالته لها جابرييلا حين حضرت إلى الفندق لتصحبها إلى العشاء «كيف ستنامين الليل فى هذا المكان؟» ضحكت ضحى، وقالت لها «لا يبدو أننى سأنام الليل ولا النهار، فالسواح لا يتوقفون عن زيارة النافورة لا فى الليل ولا فى النهار» ثم سألتها جابرييلا أين تريد أن تتناول العشاء؟ فقالت ضحى على الفور «فى مطعم أنتيكا بيزا فى حى تراستفرى». وفى المطعم القديم جاء النادل فأشعل الشمعة الموضوعة وسط المنضدة، ونظرت ضحى إلى حوائط المطعم التى تزينها صور كبار الشخصيات العالمية ممن زاروا هذا المكان؛ من ممثلين ورجال سياسة وأدباء، وقالت لجابرييلا «أشعر بألفة فى هذا المكان» فردت عليها بابتسامة «هل لأنك بين أقرانك من مشاهير العالم؟» قالت «بل أشعر بالألفة بالرغم من هؤلاء المشاهير إن ما يشعرنى بالراحة هنا هو تاريخ هذه الحوائط وليس الصور التى تزينها» قالت جابرييلا «مع ذلك أعتقد أن مدير المطعم لو اطلع على تصميماتك التى شاهدتها فى القاهرة والتى لابد ستلقى نجاحا كبيرا فى ميلانو سيسارع بوضع صورتك إلى جوار هذه الصور» شكرتها ضحى وقالت لها «الحقيقة أننى سأقدم هذه المرة مجموعة جديدة تماما من التصميمات تختلف عما أطلعتك عليه فى مصر أهم ما يميزها أنها كلها مستوحاة من الفراشة، فبعض الفساتين تتدلى أكمامها كالأجنحة، والبعض الآخر لها ذيول تتهادى خلف الفستان، وكلها تستحضر بألوانها الصيفية ألوان الفراشات الزاهية» ثم قالت «أنا فى الحقيقة مهتمة جدا بالفراش إن للفراشة الواحدة أكثر من حياة، فهى تتحول من دودة محبوسة داخل شرنقة إلى فراشة جميلة ذات أجنحة تطير بها فى الهواء لتستنشق عطر الأزهار إن الفراشة بالنسبة لى رمز لميلاد حياة جديدة» ثم ضحكت وقالت «يخيل إلى فى بعض الأحيان أننى خلقت لأكون فراشة» قالت جابرييلا «للحكيم والفيلسوف الصينى تشانج زى الذى عاش قبل الميلاد بحوالى سنة مقولة يتساءل فيها «لست أعرف إن كنت آنذاك إنسانا يحلم أنه فراشة، أو أننى الآن فراشة أحلم أننى إنسان؟ » جاء النادل يعرض قائمة الطعام قالت ضحى إن بها رغبة اليوم لمأكولات البحر، فأشارت جابرييلا بأصبعها إلى طبق ما إن رأته ضحى حتى ضحكت هى وجابرييلا معا كان هو سمك السردين المقلى المفتوح من جانبيه وكأن له جناحين وكان يحمل اسم «سردين بترفلاى» أثارت ضحكتهما المشتركة انتباه الحضور نظرت ضحى حولها، فإذا بها تجد على بعد طاولتين الدكتور أشرف ومعه أستاذ الجامعة الذى حدثها عنه وزوجته لاحظها فأشار لها محييا فردت تحيته، وقالت لجابرييلا «هذا أحد أقطاب المعارضة فى مصر كان معى على الطائرة هذا الصباح» فقالت لها جابرييلا «والشخص الذى معه هو أحد قيادات الحزب الشيوعى الإيطالى» فردت ضحى «أعوذ بالله » فنظرت إليها جابرييلا غير فاهمة تعليقها قالت ضحى «هل لا يزال عندكم شيوعيون؟ ألا يكفى ما تسببوا فيه من مآسٍ فى العالم؟» فردت جابرييلا «إن زوجى كما تعلمين فى الحزب الحاكم وهو أبعد ما يكون عن اليسار، لكن الشيوعيين والاشتراكيين لهم دور كبير فى الحياة السياسية عندنا، وفى بعض الأحيان تتحالف أحزاب اليمين معهم لتشكيل الحكومة» فاكتفت ضحى بالقول «الوضع عندنا مختلف» تطرق الحديث مرة أخرى إلى تصميمات ضحى، فقالت جابرييلا «أشعر مما وصفته لى أن أزياءك ستكون مريحة جدا لمن ترتديها» قالت ضحى «تلك من الأشياء التى حرصت عليها، فمعظم مصممى الأزياء فى العالم من الرجال، والمرأة للكثيرين منهم مجرد شماعة يعلقون عليها أزياءهم، أما حين تكون المصممة امرأة فإنها تشعر بجسد من ترتدى الزى بشكل مختلف، وعندئذ تدخل الراحة كاعتبار أساسى فى أزيائها، فما فائدة أن يكون الزى مبتكرا لكنه غير مريح؟ إن هدف الأزياء فى رأيى ليس مجرد أن تجعل المرأة أكثر أناقة، إنما أن تجعلها أكثر سعادة» ضحكت جابرييلا وهى تقول «لقد شوقتنى يا ضحى أن أطلع على أزيائك السعيدة» كان عشاءً جميلاً يمثل بداية موفقة لرحلتها التى كانت تتطلع بشغف لنتائجها النهائية بعد أيام فى ميلانو شكرت جابرييلا وهمت هى وصديقتها بالنهوض حين فوجئت بأشرف الزينى يقبل عليها بابتسامة عريضة هو وضيفاه الإيطاليان وقفت ضحى مع أشرف الزينى أمام النافورة الكبيرة يراقبان السائحين وهم يقذفون فيها بالعملات المعدنية كانت الإضاءة الليلية تزيد من روعة التماثيل الرخامية التى تزين النافورة قالت ضحى «يخيل إليك وأنت تشاهد هذا المنظر أن العالم لا مشاكل فيه ولا أحزان الكل سعيد يستمتع بوقته حتى هؤلاء الفقراء الذين يبيعون التذكارات السياحية» ولأول مرة لاحظ أشرف منذ التقى ضحى فى الطائرة ذلك الحزن الدفين الذى يسكن عينيها أحس بأنه يقترب منها وأنها تقترب منه أحس بأن القدر يدفع بهما فى مسار لا يملكان إزاءه خياراً كان الدكتور أشرف قد علم من صديقه الدكتور جيوفانى فرانكو وزوجته أثناء عشائهم فى المطعم أن ابنهما ماريو يعمل فى واحد من أكبر بيوت الأزياء الإيطالية، وأنه فى ميلانو الآن يشرف على إعداد صالون الأزياء السنوى الكبير، فقال لهما إن السيدة الجالسة هناك مع صديقتها الإيطالية مصممة أزياء كبيرة من مصر، وأنها جاءت لإيطاليا خصيصا للمشاركة فى هذا الصالون، فذهبا إليها مع الدكتور أشرف وأعطياها اسم ابنهما ورقم تليفونه لتتصل به فى ميلانو إذا ما احتاجت أية مساعدة تأثرت ضحى لذوق الدكتور فرانكو وزوجته وعرفتهما بصديقتها جابرييلا فوقفوا جميعا يتجاذبون أطراف الحديث لدقائق، قال فيها الزوجان الإيطاليان إنهما يتطلعان لمشاهدة أزيائها المصرية فهما سيحضران الصالون هذا العام بدعوة من ابنهما قالت ضحى ضاحكة «ها قد ضمنت أول متفرجين من الجمهور» وسرعان ما تفرق الجميع كل إلى طريق، وقالت ضحى إنها ستسير إلى فندقها فالجو جميل وهى بحاجة للحركة قليلا بعد أن أمضت الصباح جالسة فى الطائرة والمساء جالسة فى المطعم فقال أشرف إنه يسعده أن يصحبها إلى الفندق ثم يستقل تاكسى من هناك إلى فندقه هل كان أشرف يبحث فى قرارة نفسه عن فرصة للقاء آخر مع ضحى؟ وهل كانت ضحى تبحث هى الأخرى عن لقاء ثان مع أشرف حين أعطته اسم المطعم الذى كانت ستذهب إليه فى المساء؟ كان يمكن ألا يلتقيان ثانية فى روما، ولا حتى فى مصر فمدار تحرك كل منهما كان مختلفا عن الآخر كأن كلا منهما نجم فى مجرة غير المجرة لكن ها هو اللقاء يتجدد فهل كان ذلك بفعل القدر؟ وهل ما نسميه قدرا هو ترتيب خارج على إرادتنا، أو أننا قد نوجهه دون أن ندرى فى الاتجاه الذى نريد؟ «هذا هو إله البحر الذى تتدفق مياه النافورة من تحت قدميه، هو الذى يوجه مياه البحار كما يشاء» قالت ضحى لأشرف وهما جالسان على حافة النافورة الرخامية، فرد عليها «كنت أظن أن مياه البحار تخضع لعوامل ثابتة تتحكم فيها دورة الأمطار وثلوج القطبين الشمالى والجنوبى» قالت له «هذا ما نظنه جميعا لكن الحقيقة غير ذلك، وها هو الدليل أمام عينيك» قال «إن ما أراه أمام عينى هو أجمل ما شاهدته فى حياتى» قالت «والآن أعطِ له ظهرك» لم يفهم ما تقصده ضحى فشرحت له طقوس نافورة العشاق حيث يجب على المرء أن يعطيها ظهره وأن يقذف فيها بثلاث قطع من العملة بيده اليمنى من خلف كتفه الأيسر، فإذا استقرت العملات داخل النافورة كان له حظ وفير قال أشرف ضاحكا «يبدو لى أن الحظ الوافر هو لمن يحصل فى النهاية على كل هذه العملات الراقدة فى قاع النافورة» قالت «هل تعرف كم من العملات يقذف بها فى هذه النافورة؟ إن التقدير الرسمى يشير إلى آلاف يورو فى اليوم الواحد وهى تذهب بالكامل إلى «سوبر ماركت» مخصص لتلبية احتياجات الفقراء، فيما عدا ما يتم سرقته بالطبع فى الساعات المتأخرة من الليل» قال «لعلك تتمكنين من ضبط هؤلاء اللصوص من نافذتك فى الساعات المتأخرة من الليل» قالت «ولم لا؟ فأنا لن أنام طوال الليل» ثم اعتدلت فى جلستها على السور الرخامى للنافورة وهى تتأهب لإلقاء العملات الثلاث التى فى يدها «الآن اتركنى أركز على التصويب وإلا ضيعت علّى الحظ الذى ينتظرنى فى ميلانو» أخذ يرقبها وهى تقذف بالعملة الأولى من خلف ظهرها، ثم الثانية، والثالثة، وقد استقرت جميعا فى قاع النافورة قال «مبروك عليك ها قد ضمنت النجاح الأكيد لعرض أزيائك» ثم أضاف بعد لحظة تفكير «على فكرة لقد سألنى الدكتور جيوفانى فرانكو وزوجته عن نوعية الأزياء التى تصممينها، وقالوا إنهم لم يشاهدوا تصميمات مصرية من قبل» قالت «ومن قال إنها تصميمات مصرية؟ إننى أسعى لأن تكون تصميماتى عالمية بحيث لا تفرق بينها وبين تصميمات بيوت الأزياء الأوروبية قال «سيصابون بخيبة أمل لاشك، فهم يتصورون أن أزياءك القادمة من مصر ستكون مميزة، أو أنها ستحمل بشكل ما عبق حضارة عريقة وعطر ثقافة مختلفة» قالت «لم أفكر فى هذا على الإطلاق، بل على العكس كنت أفكر فى مصدر إلهام عالمى يروق للناس فى جميع أنحاء العالم، لذا استقررت فى النهاية على الفراشة وصممت أزياء مستوحاة من هذا الكائن الجميل بألوانه الزاهية لم أفكر فى الأهرامات وأبو الهول والنخيل والجمال فهى لا تصلح للأزياء» أحس أن الهوة التى تفصل بين مدار كل منهما قد ظهرت من جديد بالرغم من التواصل الإنسانى الذى جمع بينهما طوال اليوم وعلى مسافة آلاف الكيلو مترات من القاهرة إلى روما، فلم يرد قالت ضحى «كثير من الناس لا يقدرون قيمة ذلك المخلوق الجميل الذى رغم ضعفه استأثر باهتمام البشر جميعا على مر العصور» ساد بينهما الصمت تأمل أشرف ضحى وهى تنصت لصوت خرير الماء وقد أغمضت عينيها لاحظ لأول مرة قوامها الملفوف كانت ممتلئة بعض الشيء، مما أكد استدارات جسدها كان يتصور أن عينيها هما أجمل ما فى وجهها بنظراتهما الحزينة رغم البريق المتوهج الذى يشع منهما كلما تحمست فى الحديث لكنهما الآن وقد أغُمضتا، فقد تركتا الصدارة لشفتيها المكتنزتين تحت أنفها الدقيق أحس أنه يتلصص على ما لا يخصه، فأشاح بوجهه بعيدا إلى المياه المتدفقة من النافورة تذكرت ضحى المشهد الشهير فى فيلمLa Dolce Vita أو «الحياة الحلوة» لفللينى حين نزلت أنيتا إكبرج بطلة الفيلم إلى النافورة بثيابها كاملة بعد سهرة صاخبة حكت للدكتور أشرف أنها شاهدت صور النافورة فى الصحف الإيطالية وقد اتشحت بملاءة حداد سوداء يوم وفاة بطل الفيلم ممثل إيطاليا الشهير مارتشيللو ماسترويانى عام 1996 قالت «من الأشياء التى تعجبنى هنا اهتمام الإيطاليين بالفن والثقافة بقدر اهتمامهم بالاقتصاد والسياسية، فلو حدث عندنا أن أعلنا الحداد على أحد الآثار بسبب رحيل فنان ارتبط بهذا الأثر لخرج أحد المعارضين وقال من ذاك الذى من أجله نغطى آثارنا بالسواد؟ » قال «بعض الناس أفقهم ضيق فى الحكومة والمعارضة على حد سواء إن الشعب المصرى هو الأكثر وعيا من رجال السياسة، وهو يقدس فنانيه وكتابه كأنهم قادة سياسيون، فحب المصريين لأم كلثوم مثلا أو لنجيب محفوظ لا يقل عن حبهم لسعد زغلول أو جمال عبدالناصر إن من لا يفهم هذا لا يجب أن يعمل بالسياسة» أعجبها كلامه؛ فنظرت إليه فى صمت دون أن ترد مرت بائعة زهور تحمل طفلا صغيرا فى يد وباقة ورد أحمر فى اليد الأخرى، عرضت الزهور على الجالسين حول النافورة لم يشتر منها أحد سألها الدكتور أشرف باللغة الإنجليزية من أين أتت؟ لم تفهم قالت ضحى «ربما كانت من الغجر الجائلين» كانت تغطى شعر رأسها بوشاح أبيض خفيف نطق أشرف باسم البوسنة فأشارت الفتاة له بالإيجاب أخرج من جيبه بعض العملات وأعطاها لها دون أن يأخذ منها زهوراً، لكن الفتاة لم تشأ أن تأخذ النقود بلا مقابل كالشحاذين، فقدمت وردة حمراء يانعة إلى ضحى ومضت نظر الدكتور أشرف إلى ساعته وقال «لابد أنك متعبة، فيوم السفر دائما شاق ثم ودعها وهو يقول «أشكرك على كل شىء على هذه الجولة السياحية الرائعة، وعلى اقتراحك الممتاز بالنسبة للمطعم لقد أعجب به ضيوفى الذين لم يكونوا يعرفونه رغم أنهم من أهل البلد، ثم أشكرك قبل ذلك وبعده على الصحبة الجميلة لقد سعدت جدا اليوم بمعرفتك» أحست بأنه يودعها، وأن هذا هو اللقاء الأخير فى تلك العلاقة التى بدأت صباح ذلك اليوم، وها هى تبدو وكأنها انتهت فى المساء مد لها يده فصافحته وأحست بالصدق ينساب من يده الدافئة إلى أناملها التى كانت قد بدأت تشعر ببرد الليل، ثم استدارت متجهة إلى الفندق وفى يدها الوردة الحمراء بمجرد أن دخلت غرفتها ملأت أحد كوبين وجدتهما فى الحمام بالماء ووضعت فيه الوردة بعناية، ثم وضعت الكوب على المنضدة الصغيرة إلى جوار سريرها. | |
|