عثمان جلدونق او ذاك النبل الذي يمشي علي قدمين
علمانية وييي
ديمقراطية وييي
لا ينكر معظم الذين يهتمون بالشان العام في مدينة المصنع ان العام 2005 كان عاما مختلفا في حياة الاهالي بالمنطقة ولعل بلدة كهذة يقطنها ما لا يقل عن عشرة الاف مواطن وجلهم من الشغيلة والكداح الذين يعملون علي مدار الساعة لتوفير لقمة العيش في ظل وضع اقتصادي منهار وموغل في الفساد .
كان حريا بها ان تستنهض ابناءها الشوامخ لمواجهة الواقع الوطني الجديد ومن هنا تمايزت الصفوف وقد كان لا مناص من ان يهتف بعض ابناءها : علمانية وييي ديمقراطية ويييي بسم الله والوطن ، وهكذا .
التحول السياسي الكبير الذي حدث مع اتفاقية نيفاشا والامال العراض التي كانت تحذو الشباب السوداني خلقت حراك فكري وسياسي كثيف وتولدت قيادات سياسية شابة من طراز نادر في مختلف ربوع البلاد وقد شهد المصنع بدوره بروز عمل سياسي دؤوب كانت الحركة الشعبية في طليعته قبل ان تذهب الي ادراج الرياح بعد ان باع بعضهم زمته مقابل فتات لا يسمن ولا يغني عن جوع ـ او سمها فضلات المؤتمر الوطني التي تخرج من امعاء ملئ بالوسخ والديدان ، وبمثلما فرح الذين قبضو الثمن في مراسم دخولهم زريبة الاسلام السياسي كان عثمان جلدونق يمضي رافعا راسه ولا يابه
يمضي كنجما في السماء
بهيا ومضئ
وكالنخلة هامة
قامة واستقامة
قصة شخص تزوج قضيته ومبادئه وقصة نضال من اجل الحياة تترجمها لنا سيرة هذا الشباب المؤدب والمثقف الملتزم التي ننتظر من ابناء جيله بان يكتبوها لنا فالتوثيق لمثله واجب لكل من يعرفه فاللرجل حضور اجتماعي مميز سوا كان علي مستوي الحارة الخامسة او بقية الاحياء . اذكر في احدى الاجازاة وانا قادم من الخرطوم علي متن بص بن الوليد ووقتها صار البص قبلة الطلاب والمسحوقين حيث قيمة تزكرته معقولة لحد ما مقارنة ببقية البصات المقاعد الاربع التي خلفي كانت تستقلها اسرتان من المصنع وفي لحظة ما دار حديث حول الابناء والمدارس وصلني منه ان شهاداة الميلاد التي تخصهم انجزها عثمان جلدونق مما يسر الامر لهم دون اي تكاليف مادية تزكر وفي ذات اليوم عرفت عدد من الذين ساعدهم ومن ضمنهم اقرباء لنا ووقتها يبدو كان يعمل مع احدى المنظمات لم اهتم لباقي التفاصيل هذا غيض من فيض نهره الدفاق . مثل هذة الاعمال هي التي تخلد الناس . الحديث عن شخص كعثمان هو حديث عن النضال والصمود امام مغريات الحياة وملذاتها حديث عن شخص لا يلين واضحا في اراءه صريحا حين يتكلم وشجاعا وقت النزال .
فالرجل لا تحس فيه نزعة الانا التي صارة ميزة لكثير من الناشطين والمثقفين رغم انه واعظا
في الفلسفة وقارئ حصيف لا يشق له غبار لا تملك غير ان تنحني له اعجابا واحترام حين يكون الحديث حول مفهوم العلمانية والمواطنة والعدالة الاجتماعية خطابي لبق ومفوه رغم بعض الاحيان تحسه اصوليا فالرجل لا يتزحزح عن اراءه قيد انملة يتمترس خلفها بقوة ويدافع عنها ببسالة وبقدر ما شاءت القدرة واللياقة و لا يستسلم .
عرفته قياديا في الحركة الشعبية و يعود لها الفضل ايضا في انها قدمت شباب وقتها حتي ظننا انهم من نواح اخرى اي غير الذين نعرفهم في القهاوي والميادين واماكن العمل وسوق المصنع وغيره ولا حاجة لنا في ذكر اسماء فالقائمة طويلة .
في الحارة الخامسة يقطن هو ووالده في منزل بسيط وعادي لا يختلف عن بقية المنازل في مستوي فقرها دخلته علي عجل ذات يوم مستلفا منه كتابا ولم يتسني لي ان اتصفح تفاصيل ذلك الصالون المتواضع والشامخ باهله وبعدها انقطع الوصل بيننا اولا لاندعي صداقتنا بالرجل فهو يتعامل مع الجميع اذا كان الامر يتعلق بالمعرفة والفكر رفيعا في حكمه للاشياء ويعرف مقاصده جيدا .
بعد ذلك ولمحا في احدي عماراة السوق العربي تقابلنا ووقتها سماء الخرطوم ترسل اشعة شمسها لهبا .. في مجمع لتعليم الحاسوب واللغة الانجليزية يجلس علي مقعد من البلاستك يتصفح مادة باللغة الانجليزية التي يجيدها بطلاقة وقدم دروس كثيرة للمبتدئين من ابناء الفقراء في المصنع وطلاب الشهادة الثانوية واطفال مرحلة الاساس وكان حاضرا في فصول محو الامية التي فتحتها الحركة الشعبية في اواخر العام 2005 . كان هذا اللقاء علي ما اذكر العام 2009 وبعدها لم نلتقي لكن ماذالت صورته تحضرني حتي الان بذات البهاء والنضار .
هذة محاولة للتعريف بشخص ظل يقدم في الخفاء وبسخاء متناهي لمجتمعه الصغير بتفاني غير ابه لمال او جاه ولا سلطة فهل من كلملتان في حقه ؟؟ نطلب هذا وفي بالنا مشاغل الحياة التي تحول بين الكثيرين وثقافة التوثيق نفسها لدينا صارة تخص فقط نخب "الهبوب" وهي مشكلة يشترك فيها مجتمع المدينة والريف حيث النظر دائما للكواكب في الاعلي بينما الارض زاخرة بماسها وذهبها .
وفي سؤالنا عن مكان الرجل الان قيل انه في " كرش الفيل " واذ لابد من زيارته طالما الخرطوم تحتضن من ابناء المصنع الكثير ولما لا طالما الرجل كان وما يذال معطاءا للمصنع مترفعا حتي عن نفسه لم نراه يوما يمتطي سيارة او دراجة راجلا يمشي كل مشاويره خاصة كانت ام تلك التي تتعلق بالشان العام هي دعوة للاوفياء ان يكتبوا وتذكيرا لرفاق دربه فهناك شخصيات ساهمت وبقدر لا ستهان به في مدينة المصنع وظلت بعيدة عن الاضواء ولا اظن ان عثمان لو قرأ هذا هلل له فرحا فهو ليس بحاجة لان يزكيه احد او ان يكتب عنه احد ولكن من باب تواصل الاجيال وتمليك التجارب ندعوا معارفه واصدقاءه.
مودتي
سامر