****صور الشعراء على مدى العصور الحبيبات كماء شاء لهم التصور فخلدن في أذهان القراء والمستمعين صوراً براقةً وجمالاً آخذاً بالألباب لا حدود لأفقه يقوي عضَد الخيالِ المدُ اللغوي اللامتناهي الذي يشذِّب إطارَ اللوحةِ فتضحي كاملةً لا نقصانَ فيها ولا لَبْس.
***فإذا سُئلت عن (ليلى) صاحبة قيس لقلت إنها من جميلات الكون كيف لا وقد ذرف إبن الملوح دموعه فخلدت حتى في ذاكرة الشعراء اللاحقين،....قال إيليا أبو ماضي في قصيدته الشهيرة (البحر): " كم فتاة مثل ليلى وفتى كابن الملوح .." وقال شعراء الحقيبة في السودان : " ايه غرام قيس لغرامي وإيه جمال ليلى لجماله" في حين أنه لم يرَ (ليلى) ولا صورتها ومن غريب الكلام أنه قد يكون صور هذه المحبوبة من بنات خياله.
***سئل ابن محمد الرضي عن محبوبات ود الرضي في قصائده فأجاب : " كل القصائد قيلت في حبيبات من صنع خيال الشاعر إلا قصيدة (المرنوعة) فقد قيلت في زوجة الشاعر" وقد سأله عوض بابكر عن كونه يتحرج من ذكر والدته – أي والدة ابن الشاعر – فقال : " لا بنفتخر" وقد صدق بالطبع في نسب قصيدة (المرنوعة) إلى زوجة الشاعر لأنه – أي الشاعر- استخدم حرف الباء بقوله : " المرنوعة زي شمس الغمام في طلوعها اتنين دي المفدوعة رخصة وبالوضيب مردوعة" ورقم (2) يرمز لحرف الباء في قاموس الحقيبة وزوجة الشاعر كانت تدعى (بتول). فهل كانت زوجة الشاعر بذلك الوصف البديع!
***أغنية (فريع البان)- وهي غير (فريع البانة) لأبي صلاح فالأولى تقول : "من فريع البان اليتوق نديان الله يا سلام"- صارت من الأغنيات الخالدة بعد أن تغنى بها عامل السيمافور في هيئة سكك حديد السودان السابق والفنان الكبير لاحقا (عبد العزيز محمد داؤود) وما كانت لتشتهر لولاه كونها قصيدة بسيطة وريفية ولم يشتهر قائلوها حتى أن مخرجي ألبوم الفنان الراحل (محمد أحمد عوض) قد كتبوا تحت اسم شاعرها وملحنها (تراث).
وهذه الاغنية لحنها وغناها الفنان (عبدالله السافلاوي) وقد قال أنه كاتب الجزئية الأولى منها وأعتقد أنه سجلها لبرنامج ربوع السودان وقد مرت هذه الأغنية بمرحلتين ولكن المرحلة المعروفة لدينا أن الشاعر الراحل محمد القنديل الياس من بطون السحاباب قد أكمل جل أبيات القصيدة المغناه.
وقصة الأغنية عند (محمد القنديل سحابي) حين كانت (فريع البان) في حالة حداد لرحيل جدها في قرية (خليوة) بمدينة (عطبرة) وهي تسأل جارتها على جدار والشاعر يمر براحلته فيرى في ثواني معدودات (فريع البان) ويقول لها : " الجسيمها حرير جنفصان ما بهد العجب خمسين لو تفك الحد" وفيها وصف يعز على الخيال فاستهلاله (من فريع البان اليتوق نديان) استهلال وجداني وصفي مشرئب إلى الحداثة رغم كلاسيكية المفردات. فكلمة (اليتوق) تعني الشَعَر وهي من مترادفات (الهضليم، الوضيب، البريع والمبروع ... الخ) في أغاني الحقيبة إلا أنه متفرد كون أغاني الحقيبة تشع من المركز و(فريع البان) تنتمي إلى النيل بعد المقرن اي شمال السودان وكونه "نديان" هي دلالة على أصالته لكونه يشكو من (الحفوف) أي لا يمس زيتا ولا زينة وإتكاؤها على جدار جارتها جعل منها "فريع البان" ولنفس (الحفوف) فشبه جسمها بـ(الجنفصان) وهو نوع فخم من الحرير في ذلك الزمن وهو استخدام مشابه لاستخدام (عبيد عبد الرحمن) عطرَ (الريفدور) في أغنيته المعروفة (صفوت جمالك صافي الماء على البنور ينعم صباحك خير يسعد مساك النور) في قوله : " ويفوح نشيدي الفيك زي نفحة الريفدور" واستخدام (سيد عبدالعزيز) لـ(نيشان ممتاز باشا) في أغنية حدائق المقرن الشهيرة في عيد المسيحيين والمستهلة بـ"يا مداعب الغصن الرطيب في بنانك ازدهت الزهور زادت جمال ونضار وطيب" ويستخدم النيشان في مقطع :" تفوق نيشان ممتاز في صدور العظماء المثلوا أعظم دور" لأن ممتاز باشا لا يعطي نيشانه إلا لذي جدارة مستحقة.
**جميلات بلدي غير جميلات هوليوود حيث بريق الكاميرات وأزيز الدولارات، يعشن في كفاف وفي ركن قصي، يخشى أهلهن حتى من نشر قصصهن فمنهن على سبيل المثال
*** واذا ذهبت الى شارع الدكاترة بودمدنى ربما تفاجأ ب (فاطمة مسكين) الشهيرة التي بكى حبيبها الفنان الراحل محمد مسكين) يتوسل قربها ويتسول عاطفتها بأن ترحل من (أم درمان) مسقط رأسها إلى (ود مدني) حيث يقيم وإلا فإنه (أسيبها مدني وأجي أسكن حداك) في أغنيته الشهيرة (من أرض المحنة ومن قلب الجزيرة برسل للمسافر أشواقي الكتيرة) ولكن كان حال موظفة البنك السابقة في تعليقها حينما حياها احد معارفها " فاطنة مسكين ازيك" فقالت : " يا حليلها فاطنة مسكين تبيع في الاسكريم!" وربما كانت تبيعه في نفس المدارس التي جعلت دوراتها المدرسية أغنيتها شعارا دائما لها.. فيا لسخرية القدر
****حينما شق صوت (عوض شمبات) مع زميله (إبراهيم شمبات) أثير إذاعة أمدرمان في جمعة من أيام التسعينات قصيدة (أبي صلاح) الخالدة (ياجوهر صدر المحافل روحي معاك اتلطفيلها) وفي (دكان) منزوي من حواري أمدرمان حيث هناك كوم من الفحم النباتي الأسود تنحني إمرأة عليه لتأخذ قوت يومها فنظرت إلى المذياع وقالت : " يا حليلها (جوهر) تلقط في الفحم
*** تزوج (دلال العدة) في (عمارة أبيد) إحدى قرى الجزيرة بحسناء لم يعرف قدرها وظلت معه في بيت واحد إنها (نوارة فريقنا) التي نسمعها من الفنان (علي إبراهيم اللحو) (السمحة يا نوارة فريقنا يا العسل يا النشفت ريقنا) وحتى بنتها ذات الجمال الأخاذ لم تكن محظية شريف أو وزير بل تزوجها رجل لا مال له ولا منصب ولا نعيب له ذلك بيد أنّ الجمال في غير بلدي له وزن
***فاطمة كسلا) بطلة أغنية (انت ما عارفة بنريدك زي عيونك ديل وأكتر) رحلت عن عطبرة إلى كسلا بلا زوج ولم يعرف من سيرتها بعد ذلك بعد أن شغلت جيل السبعينات في عطبرة وأضحت الأغنية آنفة الذكر نشيد إذاعة عطبرة وسيدة أغاني حفلات ذلك الزمن وربما لم تزل الأغنية في أروقة عطبرة ذات قصب سبق ورغم أنّها – أي الأغنية- لم تلق الرواج في أغاني المركز إلا أنني أتوقع بروزها يوما ما كما برزت (شقي ومجنون) للكحلاوي من عمق الباوقة إلى الخرطوم ولكن بعد حين...
***ظل الفنان (بادي) بلا زواج بعد أن حُرم من محبوبته الأثيرة والتي أعطيت لغيره وطلقها هذا الغير ولم يفلح نداء (بادي) بالزواج بها حتى بعد أن أضحت مطلقة وصار يغنيها بلا هوادة